الاقتصاد العراقي بقطاعه النفطي وطاقته بات في مرمى الخطر مجدداً، الخطر هذه المرة ليس قادماً من تهاوي أسعار النفط في الأسواق العالمية لأقل من 70 دولارا للبرميل، وتوقعات هبوطه لحاجز 50 دولارا، أو من اضطرابات أمنية داخلية كما جرى في سنوات ما بعد الاحتلال الأميركي للعراق في 2003، ولكن جاء من هجمات بالطائرات المسيّرة والصواريخ استهدفت واحدا من أبرز القطاعات الاقتصادية في العراق، وهو حقول إنتاج النفط الخام في الدولة النفطية وإقليم كردستان العراق الغني بالنفط الخام.
بل وتحولت الهجمات إلى تهديد استراتيجي متزايد ليس فقط للإقليم الذي يضم مواقع نفطية ضخمة باتت محط استهداف شبه يومي للمسيّرات مجهولة المصدر حتى الآن بل للدولة العراقية بالكامل، خاصة وأن تكرار استهداف المنشآت النفطية بالطائرات المسيرة سيؤدي إلى توقف إنتاج نحو 200 ألف برميل نفط يوميا وفق أرقام رابطة صناعة النفط في كردستان.
الهجمات بالطائرات المجهولة بدأت منذ يوم 14 يوليو الجاري واستهدفت منشآت وحقولا نفطية حيوية، من بينها حقل عين سفني النفطي الذي تديره شركة “هانت أويل” الأميركية في محافظة دهوك بشمال العراق، وحقل طاوكي النفطي الذي تديره شركة النفط والغاز النرويجية (دي.إن.أو) في منطقة زاخو والذي تعرض لهجومين منذ بداية موجة هجمات الطائرات المسيرة مطلع هذا الأسبوع، وتم تعليق الإنتاج به.
كما تعرض حقل سرسنك النفطي لهجوم طائرة مسيرة قيل إنها جاءت من مناطق خاضعة لسيطرة فصائل عراقية متحالفة مع إيران. وتم تعليق الإنتاج في حقل بيشخابور النفطي في منطقة زاخو على الحدود مع تركيا عقب استهدافه. وأعلن الإقليم العراقي يوم الأربعاء الماضي تسجيل هجمات بمسيّرات مفخخة على 3 حقول نفطية منشآت للطاقة في محافظة دهوك. كما امتدت الهجمات إلى حقل شيخان الذي يُعد من أبرز الاكتشافات النفطية في كردستان، ويقع شمال غربي أربيل.
خطورة ما يجري من هجمات مريبة على القطاع النفطي تمثل تهديداً مباشراً لاستقرار العراق، ثاني أكبر منتج للنفط الخام في منظمة أوبك، بمتوسط 4.6 ملايين برميل يوميا، ومستقبله الاقتصادي وقطاع الطاقة الحيوي به. فهذه الهجمات تؤدي أولا إلى زيادة الغموض والمخاطر الجيوسياسية داخل الدولة النفطية، والإساءة لسمعتها المالية والاستثمارية، وترهيب الشركات الأجنبية العاملة في قطاع النفط، وتجميد الاستثمارات الضخمة به، وتهديد خطط التنمية المستقبلية في قطاع الطاقة.
والثاني وهو الأخطر في استمرار تلك الهجمات الغامضة أنه يمثل تهديداً مباشراً لصادرات النفط العراقية والتي تعد المصدر الأول لإيرادات الدولة وتمويل الموازنة العامة، حيث إن تلك الصادرات جلبت للموازنة العامة 95 مليار دولار في العام 2024.
والثالث هو أن مثل تلك الهجمات تعطل الإنتاج النفطي، وتهدد خطة العراق المتعلقة بزيادة إنتاجها إلى 6 ملايين برميل يوميا، وجلب مزيد من التدفقات الدولارية التي تمكنها من تمويل مشروعات تحديث البنية التحتية، وتخفيف الأعباء المعيشية عن المواطن، ومكافحة الفقر والبطالة، والحد من المضاربات على العملة المحلية، والحيلولة دون تآكل الدينار المتواصل مقابل الدولار، وسداد الالتزامات المالية المستحقة للدولة سواء في الداخل أو لدى صندوق النقد الدولي وغيره من الدائنين الدوليين.
العراق في خطر ما لم يتم معرفة مصدر المسيّرات والطائرات الغامضة، وقبلها وقف تلك الهجمات ومنع تكرارها في المستقبل.