مضر أبو الهيجاء يكتب: المذبحة الفلسطينية هل تدفعنا نحو الجرأة في التفكير؟
من نافلة القول إن معاركنا مشروعة في وجه المحتلين، بل هي فرض عين لا يسقط طالما بقي الاحتلال ولو على شبر من أرض المسلمين في فلسطين.
كما يشهد التاريخ ببطولة مجاهدينا في كل حقب الاحتلال سواء في فلسطين اليوم أو الأمس، كما هو في العراق ومصر والجزائر وليبيا والشام واسألوا عنا التاريخ.
لكننا اليوم في فلسطين انتقلنا عمليا من معركة تحرير إلى صد عدوان غاشم حتى وصلنا إلى مرحلة الفرار من مذابح المتوحشين.
إن دقة التوصيف ليست من التخذيل ولكنها ضرورة شرط التشخيص لضبط ايقاع وإدارة الصراع بالشكل المثمر والسديد.
أغلبنا من المطففين الذين يصفون الأمور على غير حقيقتها ويظنون هذا من حسن التدبير، وفي الحقيقة هو ما يريده المحتل وينفخ فيه ويصر عليه، ليستكمل تدميره وليحمل الناس فوق ما يطيقه البشر والشجر وحتى الحجر!
ببساطة أخطأ من تصور بأن معركة الطوفان حرب تحرير -وان كنا نتمناه- وسبب هذا التصور الخاطئ دون أدنى شك هو خدعة الملالي الإيرانيين والايقاع بالمجاهدين وهي نتيجة ارتباط قديم وتحالف أثيم.
ويل للمطففين الذين يتحدثون عنا كمنتصرين هزموا الشرق والغرب وغيروا معادلات الأرض، بمجرد أن رأوا مجموعة طلاب خرجوا في الجامعات رفضا لقسوة وبطش المحتل، وليس تفاعلًا مع جهادنا ولا إقرارًا لإطلاقنا معارك التحرير.
نعم هناك لكل فعل نتائج، لكن تضخيمها فيه غش للمسلمين، وتطفيف في واقع وتجارب المسلمين، المقصود منه إخفاء عوراتنا وتجاوز أخطاء اجتهاداتنا والقفز عن حقيقة عدم تحقق أي من أهدافنا.
أقولها وبوضوح إن احتلال معبر رفح وتجريف ديارها وتشريد أهلها -بعد أن أصبحت غزة جروزني فلسطين- هي هزيمة عسكرية موجعة، كما أن عودة قيادة المقاومة الفلسطينية لطهران -بعد أن تبينت خديعتها واستخدامها للحوم أمهاتنا ودماء مجاهدينا كنوز فلسطين- هي خسارة سياسية ولجوء للطاغوت واحتماء في فم الحوت!
لم يتبق في معادلتنا بعد الهزيمة العسكرية والخسارة السياسية إلا شعبنا الصامد ومن تبقى من مجاهدينا الأشاوس، وأمة مكبلة تنتظر الجسور.
لابد من إعادة التفكير والنقد والتخطيط، وهو ما يحول دونه منهج التطفيف والخوف من التفكير!
رغم الألم الفظيع والوجع الكبير الذي لم يترك أحدا في غزة المكلومة إلا وأصابه في أهله وأسرته وجيرانه وأحبابه، ورغم التدمير الشامل الذي حول قطاع غزة إلى غروزني، إلا أن شدة الألم لا تمنع من التفكير بل تجعله واجبا وفريضة لتقليل العذابات وتجاوز العقبات وتجنب ما هو أعظم.
لقد دمر المشروع الصهيوأمريكي غزة مستخدما الذئب الإسرائيلي المتوحش، بعد تخادم عميق ومن خلال خيط رفيع مع المشروع الإيراني، وكنا نحن وغزة وفلسطين ضحايا بامتياز في تلك المرحلة ولا نزال!
لكنها ليست نهاية الحكاية بل بداية طريق الآلام الذي يفرضه علينا الأمريكان المتصهينون، وقد نبهت مرارا وتكرارا منذ بداية الطوفان أن الدور القادم على لبنان -وليس حزب الله- بعد غزة، وأعين المحتلين ستبقى دوما على الضفة الغربية وهو إيذان بتغيير كبير في الضفة الشرقية.
ها قد بدأت الحرب تلوح في لبنان لتشهد واقع ومآسي غزة -لا سمح الله- لكن الفارق الكبير أن الذي أهلك ويسعى لتفكيك حركات المقاومة في فلسطين هو الذي سيعيد تحجيم وضبط دور حزب الله في لبنان.
إن الفارق بيننا كحركات فلسطينية وبين حزب الله في لبنان كبير، فنحن جميعنا ننتمي لأمة الموحدين ونشكل رصيدا فاعلا لأهل السنة ومستقبل المنطقة، وثورات الربيع العربي خير شاهد ودليل.
أما حزب الله في لبنان فهو من لحم وشحم إيران المحتلة لبلادنا كما إسرائيل، الأمر الذي يجعل منه مكونا لازما لاستكمال المطلوب من إيران، وهو منع وحدة الأمة وتفتيت شعوبها ثقافيا، وتفتيت دولها سياسيا، والحيلولة أمام أي مشروع نهضوي يعيد للمسلمين فرصة لاسترداد دورهم المميز في الريادة الحضارية وإنقاذ البشرية.
لبنان سيتحطم -لا قدر الله- وسيبقى حزب الله بثوبه وحجمه ودوره الجديد في لبنان.
فهل سيكون ما تبقى منا في فلسطين وهل ستكون شعوب العرب والمسلمين رصيدا وحطبا لمشروع إيران الجديد، وذلك تحت شعار وخديعة محور المقاومة ووحدة الساحات؟
أم سنتخذ موقف الثعلب المجحوم عبداللهيان ونلتزم بخطاب أمينه العام في لبنان إبان إطلاق معركة الطوفان؟
أم سينتهي هذا الهراء ونخرج من هذا المسار ونصنع مشروعنا الحقيقي المعبر عن هويتنا الثقافية وشعوبنا العربية والإسلامية، والحريص على دماء المسلمين أكثر من حرصه على التواصل والاستمتاع مع المعتدين؟
إن الحجة قد أقيمت بدمائنا في فلسطين وبسواعد المجاهدين على كل أصحاب الرؤوس المربعة والعقول المغفلة والقلوب المستمتعة، بأن مشروع إيران السياسي يستخدمنا في غزة والقدس والضفة كورقة، وليس مستعدا أن يخسر لأجل القدس وفلسطين قطرة من دماء ميليشياته وحرسه المجرمين.
اللهم دبر لنا فإننا لا نحسن التدبير، واهدنا يا رب لصراطك المستقيم، فإياك نعبد وإياك نستعين.
مضر أبو الهيجاء فلسطين-جنين 21/6/2024