الجمعة سبتمبر 20, 2024
مقالات

السعي نحو السلام:

معصوم مرزوق يكتب: ليس حل دولتين، وإنما دولة واحدة

هذه هي الفكرة التي أريد أن أطرحها في هذا المقال: «دولة ديمقراطية ثنائية في فلسطين».

بين كل هذا الدمار وصرخات الضحايا ودماء الأبرياء، لابد أن تبرز الحاجة الملحة للوصول إلي طريق للخروج من هذا الجحيم.

لقد شهد الصراع الفلسطيني الإسرائيلي العديد من المبادرات واقتراحات الحلول، وأثبتت الأزمة الأخيرة عدم كفاية كل هذه التجارب السابقة، فقد أفلست صيغة «الأرض مقابل السلام» لأسباب بنائية فيها قبل أن تترتب علي سلوك الأطراف، فهي تعالج الموقف وكأنه «نزاع عقاري»، وحتي لو سلمنا بوجود هذا العامل العقاري في المعادلة، إلا أنه ليس كل عناصرها،  كما تبين أخيرا صعوبة -إن لم يكن استحالة- تطبيق  صيغة «حل الدولتين»، بعد أن تزايد توسع الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة في بناء المستعمرات علي الأرض المحتلة، بحيث أصبح معها يستحيل تحقق دولة فلسطينية قابلة للحياة، وبالتالي تضاءل الأمل في السلام .

لقد برزت فكرة حل الدولتين مع بداية الألفية الثالثة في شكل افكار لولي عهد السعودية الأمير عبد الله، ثم تحولت إلي موقف عربي شامل عام 2002، وأصبحت تمثل منذ ذلك الحين العلاج الوحيد المطروح والذي تم تبنيه من خلال المجتمع الدولي ومنظماته المختلفة .

وقد أثبتت التطورات، خاصة مع التعنت الإسرائيلي، أن ذلك الحل لن يكون قابلا للحياة حتي ولو تصورنا إمكانية تحقيقه بشكل أو بآخر، لأنه في النهاية سيمثل مجرد مرهم موضعي، ويبقى جوهر المشكلة -قطعة واحدة من الأرض يتنافس عليها مجتمعان- بغير حل، لاستمرار الأسئلة التاريخية الصعبة التي من المستحيل أن ترضي كلاً من المجتمعين في نفس الوقت.

في ظل هذا الوضع المتوتر، تقتضي ضرورة البحث عن سلام عادل ودائم إلي طرح رؤية بديلة، وهي «السعي لإقامة دولة ديمقراطية ثنائية في فلسطين»، وهي فكرة تتحدى هذه الوضع المتجمد المتفجر السائد، وتقدم مسارًا نحو مصالحة تاريخية، والتعايش استنادًا إلى مبادئ المساواة والاحترام المتبادل.

في جوهرها، تسعى هذه الاقتراحات إلى معالجة الظلم الأساسي في الصراع، والاعتراف بواقع الوطن المشترك والمصير المشترك. من خلال قبول التنوع والشمولية، الذي يمكن أن توفره الدولة الديمقراطية الثنائية، التي تكون إطارًا جامعاً لكل من المجتمعات العربية واليهودية في أرض فلسطين التاريخية للتعايش، بعيدًا عن مظالم الفصل والتمييز العنصري.

ومن الأهمية بمكان إدراك أن مثل هذه «الدولة» الواحدة، تحقق فوائد محققة قابلة للقياس لكلا الطرفين.. فهي بالنسبة للإسرائيليين، تعد بالأمان والازدهار الاقتصادي وتعزيز التعاون الإقليمي. ومن خلال اعتماد نموذج ديمقراطي شامل بلا تمييز أو تفرقة، يمكن لإسرائيل تعزيز مكانتها في المجتمع الدولي وتشكيل مسار أكثر استدامة نحو السلام.

أما بالنسبة للفلسطينيين، فإن فرصة العيش في دولة ديمقراطية ثنائية تمثل تحقيقًا للطموحات المطلوبة منذ فترة طويلة للتوصل إلي تقرير المصير والكرامة.. وينتهي جنون إنكار وجود الشعب الفلسطيني، او النظر إليهم باعتبارهم  على هامش المجتمع، بل سيكون لديهم مكان في الطاولة الرئيسية، وسيسهمون في تشكيل مستقبلهم المشترك والاستمتاع بثمار الازدهار جنبًا إلى جنب مع جيرانهم اليهود، بشكل يشبه ما كانت عليه فلسطين تاريخيا، وطنا لكل مواطنيها .

وعلاوة على ذلك، فإن دولة ديمقراطية ثنائية ستكون ذات أثر مباشر في تهدئة التوترات الإقليمية وتقليل خطر الصراعات المدمرة، من خلال تعزيز التعاون والتفاهم بين المجتمعات المختلفة، كما أنها ستبني حائط صد ضد شبح الحروب النووية والتهديدات الأخرى القائمة أو المستقبلية.

بالطبع، الطريق نحو دولة ديمقراطية ثنائية ليس بدون تحديات، بل يتطلب الأمر الشجاعة والقيادة والاستعداد لمواجهة التطرف والتعصب والعقائد الجامدة، كما يتطلب الأمر التزامًا بالحوار والتسوية، حتى في وجه المعارضة الجامدة علي الجانبين .

ولكن، في نهاية الأمر فإن الجوائز التي يمكن الحصول عليها من مثل هذه المسعى لا تُقدَّر، من خلال تجاوز النظرة الضيقة المقتصرة علي الخطاب القومي، واعتماد رؤية للإنسانية المشتركة، حيث يمكن للإسرائيليين والفلسطينيين أن يحدثوا تحولًا جديدًا نحو السلام والازدهار. وفي القيام بذلك، يكرمون تضحيات الماضي ويضعون الأسس لمستقبل لا يتسم بالانقسام والدمار والدماء، ولكن بالوحدة والاحترام المتبادل.

في النهاية، السعي نحو السلام ليس مجرد مثال بعيد المنال – إنه واجب أخلاقي، يستند إلى الاعتقاد الجازم بأن جميع الأشخاص يستحقون العيش بكرامة وأمان. وبينما نواجه تحديات عصرنا المختلفة، دعونا نستجيب لنداء الدولة الديمقراطية الثنائية في فلسطين، مدركين أن الطريق إلى السلام يبدأ بالاستعداد لتخيل عالم أفضل، والشجاعة لجعله حقيقة.

Please follow and like us:
معصوم مرزوق
مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

قناة جريدة الأمة على يوتيوب