من الأدب العالمي: “الميتافيزيقا” لـ أرسطو

قرأتُ لك:

الرغبةُ في المعرفة “أرسطو نموذجاً”

يفتتح أرسطو كتابه “الميتافيزيقا” بقوله: “إن الناس جميعاً يرغبون بطبيعتهم في المعرفة، والدليل على ذلك ما يشعرون به من متعة عندما يستخدمون حواسهم، فنحن نحب عمل الحواس – حتى بغض النظر عن نفعها – خصوصاً حاسة البصر، ونحن نفضّل الرؤية على أي شيء آخر، لا فقط من زاوية الفعل، بل حتى إذا لم نُقدِم على فعل ما، وسبب ذلك أن معظم حواسنا تمكننا من المعرفة، وتلقي الضوء على اختلافات كثيرة بين الأشياء”.

فكيف عرف أرسطو أن لدينا مثل هذه الرغبة؟

الجواب يكمن فيما يقوله عن المتعة التي نحسّها في حواسنا، فلو كانت المعرفة التي نبحث عنها مجرد وسيلة لغاية أكبر، كالسيطرة على الآخرين مثلاً، فلن تكون رغبتنا الفطرية في هذه الحالة رغبة في المعرفة، وإنما ستكون إرادة القوة، أو دافعاً للسيطرة، ومن ثم فإن شعورنا بالمتعة من مجرد ممارسة حواسنا هو في حد ذاته دليل على أن لدينا رغبة في المعرفة، إذ على الرغم من أننا نستخدم معرفتنا الحسية في تنظيم أنفسنا في العالم وإنجاز غايات عملية، فإننا مع ذلك نسعى وراء هذه المعرفة لذاتها.

غير أن الإحساس، وإن كان أساساً لمعرفة الجزئي، فإنه لا يُقدِّم العلم الحقيقي، لأن العلم هو علم بالكلي كما يقول أرسطو. فما تُقدِّمه الحواس من خبرة، لا يرقى إلى مستوى المعرفة العلمكية أو الفلسفية، لأن الحواس تؤدي إلى تكوين الخبرة، وهي تقدِّم لنا معرفة الجزئيات، والظواهر المختلفة، كأن نعرف أن النار ساخنة، وأن دواءً معيناً قد شفى سقراط من مرض معين، وهذه كلها معرفة مفيدة للحياة العملية، أما إذا حاولنا الارتفاع إلى المعرفة الفلسفية، فإننا لا نكتفي بذلك، وإنما نحاول معرفة العلّة التي تُفسِّر ارتباط الظواهر المشاهَدة في الخبرة الحسية، إننا نحاول البحث عن السبب أو العلّة بقصد الوصول إلى الضرورة : فلماذا تكون النار دائماً ساخنة؟ ولماذا يشفي هذا الدواء بعينه من هذا المرض أو ذاك؟ فأصحاب الخبرة قد يعلمون أن شيئاً ما موجود، لكنهم يجهلون السبب في وجوده.

أما العلم المُسمى (الحكمة أو الفلسفة) فهو الذي يصل إلى معرفة العلة الأولى للوجود، أي أنه العلم الذي يصل إلى إدراك الكلي الذي يفسر لنا الجزئيات.

ومعنى ذلك أن الخبرة تجميع لإدراكات الحواس التي لا تستطيع أن تدرِك إلا الجزئي، وهذه الخبرات مفيدة للحياة العملية، لكنها لا ترقى إلى مستوى المعرفة الفلسفية. أما المعرفة الحقيقية فهي المعرفة الفلسفية التي تحاول معرفة العلّة التي تفسّر هذه الظواهر : لِم كانت النار ساخنة ؟ أو لِم كان هذا الدواء الفلاني شافياً من الصداع مثلاً ؟

إننا نريد الأساس الكامن وراء الظواهر، والفلسفة هي العلم الذي يصل إلى معرفة الكلي الذي يفسّر لنا الجزئيات.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights