تقاريرسلايدر

مواجهة محتملة بين حزب الله والكيان الصهيوني

د. صالح النعامي 

شهدت الآونة الأخيرة الكثير مظاهر التوتر بين حزب الله والكيان الصهيوني، تمثل أهمها في اتهام تل أبيب الحزب بنصب خياما لعناصره داخل منطقة “مزارع شبعا”، التي يعدها الكيان الصهيوني جزءا لا يتجزأ من “أراضيه السيادية”؛ في حين يعدها لبنان أراض محتلة.

وعلى الرغم من تهديد الكيان الصهيوني بأنه لن تسمح “بانتهاك سيادتها” وأنها ستعمل على إزالة خيام حزب الله، إلا أنها عمدت إلى استخدام القنوات الدبلوماسية في محاولتها إغلاق هذا الملف، سيما عبر التوجه إلى الأمم المتحدة والطلب منها التدخل لدى الحكومة اللبنانية للضغط على حزب الله لإزالة الخيام، التي لازالت في مكانها.

اللافت، أن الذي كشف عن وجود خيام حزب الله في “مزارع شبعها” هي قناة “كان” التابعة لسلطة البث الإسرائيلية وليس جيش الاحتلال، على الرغم من أن القيادة العسكرية في تل أبيب كانت على معرفة مسبقة باقتحام عناصر حزب الله المنطقة ونصبهم الخيام فيها؛ مما يشي بأن صناع القرار السياسي والعسكري في إسرائيل غير معنيين بأن يفضي سلوك حزب الله إلى اندلاع مواجهة يصعب التحكم في حجمها ومدى اتساعها.

وقد أثار سلوك حكومة بنيامين نتنياهو انتقادات داخلية حادة، حيث اتهمت الكثير من الأوساط في تل أبيب هذه الحكومة بأن تثبت بأنها “مردوعة” من حزب الله وأنها تتجنب بكل السبل خوض أي مسار يمكن أن يفضي إلى مواجهة عسكرية مع الحزب. وقد جاءت الانتقادات تحديدا من بعض الأوساط داخل جيش الاحتلال ذاته، حيث حرصت شعبة الاستخبارات العسكرية “أمان” على تسريب تقديراتها التي تحذر من التداعيات السلبية لتهاوي قوة الردع الإسرائيلية في مواجهة حزب الله إلى وسائل الإعلام في تل أبيب. وقد حذرت “أمان” بأن تخوف إسرائيل من الرد على حزب الله سيغريه بمواصلة التصعيد والاستفزاز بشكل قد يفضي في النهاية إلى مواجهة كبيرة.

وقد كان الناطق بلسان جيش الاحتلال السابق روني ملنيس أكثر حدة في توجيه الانتقادات لحكام تل أبيب، حيث اعتبر تجاهل استفزازات حزب الله بمثابة “عار على قوة الردع الإسرائيلية”.

منتقدو تعاطي حكومة نتنياهوإزاء سلوك حزب الله يشيرون أيضا إلى جملة من مظاهر التحدي التي أبداها الحزب مؤخرا، مثل سماحه بإطلاق الصواريخ وقذائف المدفعية صوب المستوطنات الواقعة في شمال فلسطين، وجملة من الاستفزازات الأخرى، والتي كان آخرها اقتحام عناصر الحزب وجنود الجيش اللبناني الحدود ومكوثهم لبعض الوقت داخلها.

لكن الأطراف الداخلية التي توجه الانتقادات لسياسة حكومة نتنياهو تجاه حزب الله تتجاهل حقيقة أن هذه الحكومة تدرك أن مواجهة شاملة مع حزب الله ستترك آثارا  هائلة وغير مسبوقة على الجبهة الداخلية الإسرائيلية بسبب طابع الترسانة الصاروخية والإمكانيات العسكرية التي يحوزها الحزب.

فالترسانة الصاروخية لحزب الله تمتاز بأربعة سمات تعد تحديا كبيرا للجبهة الداخلية والعمق المدني الإسرائيلي، تتمثل في عددها الكبير، حيث ترجح التقديرات العسكرية في تل أبيب أنها تتجاوز 100 ألف صاروخ؛ فضلا عن أنها تمتاز بمديات طويلة، مما يجعلها قادرة على تغطية كل مساحة فلسطين التاريخية. إلى جانب ذلك فأن الكثير من هذه الصورايخ تحوز على رؤوس تفجيرية كبيرة، يصل وزن بعضها إلى طن أو نصف طن، مما يعني أن سقوطها في العمق الإسرائيلي سيقترن بإحداث دمار كبير. لكن أكبر مظاهر التحدي التي تنطوي عليها ترسانة حزب الله الصاروخية تتمثل في أن بعضها ذات قدرة إصابة دقيقة، بمعنى أنها يمكن أن توجه لضرب أهداف بعينها؛ وتحديدا المس بمرافق عسكرية وبنى تحتية مدنية حساسة وحيوية، مثل القواعد العسكرية، والمطارات الحربية والمدنية، ومحطات توليد الكهرباء ومنصات استخراج الغاز، ومرافق تحلية المياه، ومواقع “سيادية” ذات قيمة رمزية، مثل مبنى وزارة الحرب في تل أبيب وغيرها.

ويمكن لترسانة حزب الله الصاروخية أن تؤثر بشكل جذري على قدرة جيش الاحتلال على إدارة وتنفيذ جهده العسكري أثناء الحرب؛ حيث أن استهداف القواعد الجوية سيقلص من قدرة سلاح الجو، الذي يعتبر رأس الحرب في الجهد العسكري الإسرائيلي، على العمل.

ومما يزيد الأمور تعقيدا حقيقة أن الواقع الجيواستراتيجي لإسرائيل يجعل حربا مع حزب الله ذات كلفة مدنية هائلة، حيث أن أكثر من 70% من الثقل الديموغرافي لإسرائيل يتركز في قطاع ضيق على طول الساحل، مما يعني أن استهداف هذا القطاع بالصواريخ سيفضي إلى وقوع خسائر كبيرة في الأرواح.

إلى جانب ذلك، فأن العدد الكبير من الصواريخ التي يحوزها حزب الله ومدياتها الطويلة ورؤوسها التفجيرية الكبيرة يقلص من قدرة منظومات الدفاع الجوي الإسرائيلية على اعتراضها.

كما أن جميع التقارير الصادرة عن مؤسسة “مراقب الدولة” في تل أبيب تؤكد أن الحكومات التي تعاقبت على حكم إسرائيل في العقدين الماضيين، أهملت الاستثمار في تحصين المدن والمستوطنات مما سيزيد من حجم الأضرار الناجمة عن  إطلاق حزب الله صواريخه على عمق إسرائيل.

في الوقت ذاته، فأن حالة الاستقطاب الداخلي والتشظي المجتمعي الذي تعانيه إسرائيل حاليا بسبب طرح الحكومة خطة “التعديلات القضائية” يقلص من مستوى الشرعية الداخلية التي سيحوزها أي عمل عسكري يمكن أن تقدم عليه ردا على سلوك حزب الله. فإسرائيل تشهد حاليا تعاظم الدعوات لتوقف الجنود والضباط في قوات الاحتياط عن الخدمة العسكرية ردا على التعديلات القضائية.

وعلى الرغم من كل من المحاذير التي تنطوي عليها المواجهة مع حزب الله، إلا أن حكومة نتنياهو قد تجد نفسها مضطرة لتنفيذ عمل عسكري ما لمحاولة إرغام حزب الله على إزالة خيامه من منطقة “مزارع شبعا” تحت ضغط الانتقادات الداخلية التي توجه لها. وفي حال أمر نتنياهو بتنفيذ عمل من هذا القبيل فأنه سيحرص بكل ما أوتي من قوة أن يكون هذا العمل موضعي بحيث يستهدف الخيام لتقليص فرص اندلاع مواجهة شاملة مع حزب الله. ومما قد يغري نتنياهو لسلوك هذا الخيار حقيقة أن نجاحه بالدفع نحو إزالة خيام حزب الله قد يسهم في تعزيز مكانته الداخلية وترميم شعبية حزب “الليكود” الذي يقوده التي تراجعت بعد طرح التعديلات القضائية.

لكن مثل هذا التوجه، قد ينطوي على مخاطرة كبيرة، حيث أنه من الصعب التحكم باتجاهات أي عمل عسكري ضد حزب الله مما يمكن أن يفضي إلى اندلاع مواجهة شاملة قد يتحقق فيها سيناريو الرعب الذي تخشاه إسرائيل، وتحديدا على الصعيد المس الواسع وغير المسبوق بجبهتها الداخلية وبناها التحتية ومرافقها الحيوية.

د. صالح النعامي

صحفي فلسطيني، باحث في الشأن الإسرائيلي، دكتوراة في العلوم السياسية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى