الأحد سبتمبر 8, 2024
مقالات

ناصر صلاح يكتب: وقفات مع الآيات (10)

مشاركة:

ما يخطّه قلمي ليس تفسيرًا، فلستُ من أهلِه، وإنما هي وقفات أديبٍ عند بعض المعاني والكلمات.

(قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ۖ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ)

[8 سورة الجمعة]

تأملوا أحبابي المشهدين

الأول: رجل يفرّ..

والفرار يكون من مطارد..

هناك من يطاردك فتفرّ منه .. أي أنك تسبقه وهو من خلفك

وفي معظم الأحيان الفارّ يلتفت برأسه كثيراً للخلف من الهلع، لينظر هل سيدركه من يطارده أم لا..

تخيّلوا المشهد

وتخيّلوا أن الفارّ حين عاد برأسه للأمام ليواصل الفرار يجد مطارده أمامه يسد عليه الطريق -فإنه ملاقيكم- أنت تخشى أن يدركك من الخلف فتجده أمامك، ومن هَول المفاجأة قد تصطدم به ويلقيك أرضا.

ظل مشهد التصادم والإلقاء أرضا يؤرّقني حتى سمعتُ ذات صباحٍ من مذياع سيارة، صوت مولانا مصطفى إسماعيل (رحمه الله) يقرأها: (فإنه مُلقيكم) فحمدتُ الله على نعمةِ التدبّر.

أما المشهد الثاني

فهو متمم للحظة الهلع هذه، وأراه الأهم والأخطر حين – تردّون إلى عالم الغيب والشهادة

تأملوا فينبّئكم.. فالنبأ هو خبر لم يعرف به أحد من قبل، أو حدث في الماضي ولم يخبر به أحد بعد، وهو خبر صادق لا يقبل الشك، والأمثلة كثيرة في القرآن، والفرق واضح بين النبأ والخبر

فالخبر ربما نملك بعض معلومات عنه أو نعرفه ولم نتأكد من صحته بعد، كما أشارت اللغة.

المهم أن باستخدام معنى النبأ في حالتيه خبر غير معلوم، أو خبر حدث في الماضي لم يذكره أحد من قبل، تكون صاعقة على رأس العبد

فما سينبِيء اللهُ به عبده – ما كنتم تعملون –

فهل النبأ هنا للإيحاء بأن العبد من هَول الموقف سينسَى ما قدّمت يداه، أو أنها تقصد صِدق الله تعالى فيما يخبر به عبده عن عمله، فلا مجال للعبد من أن يتملّص من بعضها.

المهم.. التأمّل في المشهدين في الحقيقة رهيب، تقشعِر له الأبدان، ويجب أن تصفى له الأذهان، وتخشع له القلوب.

اللهم ارزقنا حُسن الخاتمة.

Please follow and like us:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

قناة جريدة الأمة على يوتيوب