مقالات

ناصر صلاح يكتب: وقفات مع الآيات (13)

ما يخطّه قلمي ليس تفسيرًا، فلستُ من أهلِه، وإنما هي وقفات أديبٍ عند بعض المعاني والكلمات.

(وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلا)

{46 – الكهف}

تأملتُ كثيرا كلمة (الباقيات)

وبعيدا عن إجماع المفسّرين، وحديث أبي هريرة (رضى الله عنه) حول أنها: (سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر)،

وزاد بعضهم: لا حول ولا قوة إلا بالله، واستغفر الله العظيم، وذهب البعض إلى أنها الصلوات الخمس.

فأنا هنا لا أقصد المعنى العام الذي جاء به علماء الأمة، ومَن قبلهم صحابة الحبيب (صلى الله عليه وسلم)، وإنما أقف هنا عند عبقرية اللفظ القرآني: (الباقيات)، وخاصةً أنه جاء بعد زينة الحياة الدنيا: المال والبنون.

فالمعروف أن بقايا الشيء هو ما تَبَقَّى منه بعد أداء كل ما عليه،

بمعنى: في العمليات التجارية، مثلاً، وهي أقرب الأمثلة لما أود الإشارة إليه، يكون الباقي هو صافي الربح بعد حساب الإيرادات والمصروفات.

كذلك في حياتك: فِعل وَرَدّ فِعل..

طاعةٌ تمحو معصية..

توبةٌ ترفع درجة، وتحطّ خطيئة..

مالٌ نتيجة عمل تحيا به..

أبناءٌ زينة للحياة.

فعندما يأتي كشف حسابك يوم الدين، ويتم حساب ما لك وما عليك، ينقذك مِن هَول الموقف؛ الباقيات الصالحات التي هي خيرٌ عند ربك ثواباً، فثوابها مضاعف، وخيرٌ أملا.. أي ما نأمله وندّخره عند الله لتلك اللحظة.

لماذا؟

لأنها كانت خارج حساب المكسب والخسارة،

كانت خالصة لله،

وجاء في الحديث الصحيح الذي رواه معاذ بن جبل (رضي الله عنه) قال: يا رسولَ اللهِ أوصني قال: اعبدِ اللهَ كأنك تراه، واعددْ نفسَكَ في الموتى، وإنْ شئتَ أنبأتُكَ بما هو أملكُ بكَ من هذا كلِّه، قال: هذا وأشار بيدِه إلى لسانِه.

أي: (لا تمت إلا ولسانك رطباً بذكر الله).

وهنا أضيفُ (معنى آخر)، قد يكون من الباقيات الصالحات ما حُرِمت منه في الدنيا وتشتهيه نفسك، فتجده في الأخرة،

على سبيل المثال: مَن صبرَ على فقرِه؛ سيجد غناه، ومَن صبرَ على عدم الرزق بالأبناء، أو من لم يستطع أداء فريضة مثل الحج، ونفسه تطوق؛ سيجد هذا كله باقيًا عند الله تعالى له وزيادة (خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلا)

– أحسنَ اللهُ خاتمتنا وأكثر من الباقيات الصالحات في موازيننا..

واللهُ تعالى أجَلّ وأعلم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights