رغم مرور أكثر من أربع سنوات على توقيع “اتفاقيات أبراهام” بين إسرائيل وعدد من الدول العربية، تُظهر الوقائع على الأرض أن هذه الاتفاقيات لم تكن خطوة نحو السلام بقدر ما كانت تجاهلًا متعمدًا لجذر الصراع في المنطقة: القضية الفلسطينية.
في تقرير حديث نشرته صحيفة نيويورك تايمز، أكدت الصحفية فيفيان نيريم، مديرة مكتب الخليج في الصحيفة، أن اتفاقيات أبراهام التي وُقّعت عام 2020 بين إسرائيل وعدد من الدول العربية، لم تُفضِ إلى السلام الموعود في الشرق الأوسط، بل تجاهلت جذور الصراع الحقيقي المتمثل بالقضية الفلسطينية.
سلام تجاري لا سياسي
التقرير وصف الاتفاقيات بأنها “تفاهمات تجارية ودبلوماسية” أكثر من كونها خطوات حقيقية نحو إنهاء النزاعات، مشيرًا إلى أن تصويرها كـ”صفقة تاريخية” هو وصف مضلل. فقد تم التوقيع عليها برعاية الرئيس الأميركي الأسبق دونالد ترامب، وبمشاركة رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي بنيامين نتنياهو – المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية – مع كل من الإمارات، المغرب، السودان، والبحرين.
تصعيد لا استقرار
أشارت الصحيفة إلى أن هذه الاتفاقيات لم تمنع استمرار الحروب أو التوترات، بل جاءت في سياق تصعيد خطير، خاصة بعد اندلاع حرب إسرائيل على غزة والتي خلّفت دمارًا واسعًا، وأدت إلى استشهاد أكثر من 50 ألف فلسطيني. كما لم توقف المواجهات العسكرية في لبنان، سوريا، ولا الحرب المشتعلة في اليمن والسودان.
وفي مخيم نور شمس قرب طولكرم، على سبيل المثال، هدمت القوات الإسرائيلية نحو 48 مبنى، وهجّرت 400 عائلة، في مشهد يوضح تعمق الاحتلال بدلاً من تراجعه.
تجاهل القضية الفلسطينية
أستاذ العلوم السياسية مارك لينش من جامعة جورج واشنطن قال للصحيفة إن تجاهل القضية الفلسطينية كان “خطأ فادحًا منذ البداية”، مضيفًا أن ما شهدته غزة مؤخراً “لم يكن صادماً، بل متوقعًا”.
وذكر التقرير أن آمال إقامة دولة فلسطينية قد تلاشت، وأن الاحتلال في الضفة الغربية ازداد قمعًا، في حين تعاني غزة من حصار خانق ومجاعة بعد الحرب الأخيرة.
محاولات التوسيع ومخاطر الإخفاق
بالرغم من هذا الفشل في تحقيق الاستقرار، لا تزال الولايات المتحدة وإسرائيل تسعيان إلى توسيع الاتفاقيات لتشمل دولاً جديدة. إلا أن الواقع الميداني، وفق التقرير، يثبت أن السلام الإقليمي لا يمكن أن يتحقق دون حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية.
في سياق تحليل أبعاد إخفاق اتفاقيات أبراهام، أبرز التقرير رأي عدد من الخبراء في السياسة الدولية، ممن رأوا أن تجاهل القضية الفلسطينية لم يكن فقط خطأً استراتيجيًا، بل كان سببًا مباشرًا في استمرار النزاعات وتصاعدها.
وعلّق أستاذ العلوم السياسية والشؤون الدولية مارك لينش، من جامعة جورج واشنطن، على ذلك قائلًا إن “تجاوز القضية الفلسطينية كان خطأ منذ البداية، وبالتالي لم يكن ما حصل في غزة صادمًا بل متوقعًا”.
وأضاف أن محاولة فرض سلام إقليمي مع تجاهل الاحتلال والظلم الواقع على الفلسطينيين، إنما يُعد محاولة لتجاوز الحقيقة الجوهرية للصراع في الشرق الأوسط.
ويرى لينش أن الأزمات المتواصلة – من الحرب على غزة إلى التصعيد مع إيران ولبنان وسوريا – جميعها تشكّل دليلًا واضحًا على أن الاتفاقيات لم تكن مشروع سلام شامل، بل صفقة سياسية قصيرة النظر، تخدم مصالح أطراف معينة دون أن تعالج جذور التوتر.
وفي الاتجاه ذاته، يشير محللون آخرون إلى أن فشل الاتفاقيات في تحقيق التهدئة أو تقديم حلّ حقيقي، سببه غياب الإرادة السياسية لحل القضية الفلسطينية،
وهو ما جعل الاتفاق يبدو أقرب إلى “تطبيع اقتصادي” منه إلى سلام حقيقي. هذه الآراء تعكس قناعة متزايدة بأن أي استقرار حقيقي في المنطقة لا يمكن أن يتحقق دون إنهاء الاحتلال وتمكين الفلسطينيين من حقوقهم الوطنية.