بقلم: عبد المنعم منيب
هناك أناس كي يصطادوا في الماء العكر لصالح الجهة إياها كارهي العرب يروجون الآن أن ابن خلدون قال العرب لا يصلحون للسياسة، ولكي يكون كلام ابن خلدون واضحا ودقيقا بشأن العرب والسياسة فهو قال إن العرب لا يصلحون للسياسة بغير الدين، ومعنى ما طرحه أن الإسلام هو الذي مكنهم من أن يعملوا الإنجاز السياسي الضخم في تاريخهم منذ سيدنا أبي بكر الصديق رضى الله عنه إلى نهاية العصر العباسي الأول (حوالي سنة 232 هـ) فلم يقل لا يصلحون مطلقا وانما قال لا يصلحون بغير الاسلام.. هذا هو معنى كلامه في كتابه المقدمة.
وعنوان الفصل الذي طرح فيه هذه الفكرة هو: «الفصل السابع والعشرون في أن العرب لا يحصل لهم الملك إلا بصبغة دينية من نبوة أو ولاية أو أثر عظيم من الدين على الجملة» (انظر: عبد الرحمن بن خلدون، العِبَر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر، ط دار الفكر بيروت 1981، تحقيق خليل شحادة مراجعة سهيل زكار، ج1 ص189)
وابن خلدون استقرأ التاريخ كله وخاصة العربي والاسلامي وكلامه هذا يتوافق مع كلمة سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «نحن قوم أعزَّنا الله بالإسلام فمهما ابتغينا العزَّة في غيره أذلَّنا الله».
وكلام ابن خلدون أورده في المقدمة، وهذه المقدمة كلها تمثل نظرياته المستخلصة من تحليله وتنظيره السياسي والاقتصادي والاجتماعي والنفسي للمراحل التاريخية السابقة له خاصة التاريخ الإسلامي، وفي التاريخ الاسلامي لم يترأس العرب غير حتى هارون الرشيد ت193هـ وبعد هذا كل من حكموا هم من الفرس والترك وغيرهم والاكثر الترك.
وذلك لأن الأمين بن هارون الرشيد حكم فترة قصيرة وهو ابنه من السيدة زبيدة وهي عباسية لكن تولى بعده لسنوات طويلة المأمون بن هارون الرشيد وأمه فارسية، وبعده المعتصم بن هارون الرشيد وأمه تركية، وبعد ذلك ضعف العباسيون واستبد القادة من الفرس والترك بالحكم وحجروا على الخلفاء بدرجات متفاوتة ومتعددة.
وكتاب ابن خلدون المنشور باسم مقدمة ابن خلدون هو أصلا مجرد مقدمة (مجلد كبير) لكتابه الضخم «العبر وديوان المبتدأ والخبر في اخبار العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر». فرحمه الله.. وطبعا سيدنا عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) كان في رؤيته عن العرب هو أسبق وأبصر.
وعل كل حال ففي التاريخ الاسلامي منذ سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه وحتى إسقاط الخلافة العثمانية (وهي فترة بلغت حوالي 13 قرنا هجريا) فأغلب الحكام في منصب الخليفة أو الملك أو السلطان أو ما يعادل الآن رئيس الوزراء كانوا من غير العرب وأغلبهم من الأتراك وخذ مثالا على مصر والشام:
السلاجقة والأتابكة والعثمانيون أتراك.
المماليك أغلبهم أتراك وبعضهم شراكسة والشراكسة هم فرع من الترك.
والأيوبيين كرد.
والتتار أنفسهم مؤمنهم وكافرهم فرع من فروع الترك.
حتى الدولة الخوارزمية والغزنوية وهما من أكبر من حكموا الأقطار الإسلامية من فارس وحتى الهند هم أيضا ترك.
أما الأسرة البويهية فهم فرس وحكموا نحو 120 سنة فقط في العصر العباسي الثاني.
وفي عصر الدول التي أصلها عربي مثل الدولة العباسية فأغلب تاريخهم استبد فيه قادة الجند من غير العرب بالحكم وحجروا بدرجة أو بأخرى على الخليفة العباسي أو الفاطمي، وحتى الدولة العبيدية فنسبهم مزور وبالتالي فربما ليسوا عرب أصلا.
وقادة الجند كان أغلبهم اتراك وقلة منهم فرس أو صقالبة او بربر. (الصقالبة والبرر كانوا خاصة في الغرب الإسلامي).