قالت صحيفة “نيويورك تايمز ” إن القاهرة ستحصل على حصتها الكاملة من المساعدات العسكرية البالغة 1.3 مليار دولار بعد أن أعلن وزير الخارجية أن مصر أحرزت تقدمًا في إطلاق سراح السجناء السياسيين وحماية الأمريكيين.
وقالت الصحيفة الأمريكية في تقرير لها ترجمته “جريدة الأمة الإليكترونية ” :لأول مرة في عهد إدارة بايدن، ستقوم الولايات المتحدة بإرسال حصة مصر الكاملة من المساعدات العسكرية السنوية البالغة 1.3 مليار دولار، متنازلة عن متطلبات حقوق الإنسان المرتبطة بإنفاق هذه الأموال، وذلك بشكل رئيسي اعترافًا بجهود القاهرة للتوصل إلى وقف إطلاق النار في غزة، حسبما قال مسؤولون أمريكيون.
يشير القرار، الذي أخطرت به وزارة الخارجية الكونغرس يوم الأربعاء، إلى تحول كبير في سياسة الإدارة. إذ تولى الرئيس بايدن منصبه متعهداً بعدم تقديم “شيكات على بياض” تُمكّن مصر من الاستمرار في انتهاكات حقوق الإنسان. وفي كل من السنوات الثلاث الماضية، حجبت إدارته جزءًا من المساعدات المقررة لمصر بموجب القانون الأمريكي.
لكن هذا القرار يعكس تغيراً في حسابات الإدارة مع إعطاء الأولوية لمحاولة وقف العنف في غزة، وهو أحد الأهداف الرئيسية التي حددها بايدن للأشهر الأخيرة من ولايته.
بموجب القانون الأمريكي، تُفرض شروط على حوالي ربع المساعدات العسكرية لمصر سنويًا بسبب مخاوف طويلة الأمد تتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان. ولإطلاق هذه الأموال، يتعين على وزير الخارجية الأمريكي أن يثبت أن مصر قد التزمت بمجموعة من متطلبات حقوق الإنسان.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية إن وزير الخارجية بلينكن وجد أن مصر قد أوفت جزئيًا فقط بهذه المتطلبات، لكنه تجاوزها باستخدام استثناء قانوني “لأسباب تتعلق بالأمن القومي للولايات المتحدة”.
واستند قرار بلينكن إلى دور مصر الذي استمر لأشهر كوسيط بين حماس وإسرائيل، حيث يحاول الجانبان التفاوض على اتفاق لوقف إطلاق النار من شأنه الإفراج عن الرهائن الإسرائيليين في غزة والسماح بمرور مزيد من المساعدات الإنسانية إلى القطاع، الذي يحد مصر من جهة صحراء سيناء.
كما عكس القرار جهود مصر القيمة في تعزيز وقف إطلاق النار في الحرب الأهلية في السودان المجاور، وتقديم مساعدات واسعة النطاق للشعب السوداني، وفقًا للمتحدث.
ومع ذلك، يشير تقديم التمويل الكامل إلى أن مصر، التي يقودها الجنرال السابق والرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي، قد حصلت على ما يمكن وصفه بـ “تصريح مرور مجاني” فيما يتعلق بحقوق الإنسان. فقد ذكر تقرير حقوق الإنسان السنوي لوزارة الخارجية الأمريكية بشأن مصر وجود تقارير موثوقة عن الاعتقالات التعسفية، والقتل خارج نطاق القانون، والتعذيب، وظروف السجون القاسية التي تهدد الحياة.
وعلى الرغم من ذلك، يؤكد المسؤولون الأمريكيون أنهم يضغطون بشكل روتيني على نظرائهم المصريين لتحقيق تقدم أكبر في مجال حقوق الإنسان.
لكن بعض مناصري حقوق الإنسان يتمنون لو بذل المسئولون الأمريكيون المزيد من الجهد لاستغلال المساعدات العسكرية لمصر كوسيلة ضغط.
تتكون المساعدات العسكرية المخصصة لمصر بموجب القانون الأمريكي من ثلاث شرائح الأولى، والتي تبلغ 980 مليون دولار، تُمنح تلقائيًا دون شروط:
أما الشريحة الثانية، البالغة 225 مليون دولار، فتكون خاضعة لمجموعة متنوعة من شروط حقوق الإنسان – وهي الشروط التي لم يتمكن بلينكن من المصادقة على تحقيقها، لكنه تجاوزها لأسباب تتعلق بالأمن القومي.
وفي المقابل لا يمكن الإفراج عن الشريحة الثالثة، وهي مبلغ 95 مليون دولار، إلا إذا وجد وزير الخارجية أن مصر قد أحرزت تقدمًا في مجالات محددة، مثل إطلاق سراح السجناء السياسيين، وتوفير الإجراءات القانونية للمعتقلين، ومنع مضايقة وإساءة معاملة المواطنين الأمريكيين. وقد أكد بلينكن تحقيق تقدم في هذه المجالات، وفقًا للمتحدث.
أشار المتحدث إلى إطلاق سراح أكثر من 950 سجينًا سياسيًا خلال العام الماضي، وكذلك إنهاء حظر السفر وتجميد الأصول الأجنبية التي تم فرضها كجزء من حملة الترهيب ضد المنظمات غير الحكومية الأجنبية. كما أشارت الحكومة المصرية إلى إحراز تقدم في صياغة تشريعات لتعديل الحبس الاحتياطي وإدخال تغييرات أخرى على قانون العقوبات الصارم.
في العام الماضي، رفض بلينكن المصادقة على التقدم في هذه المجالات، مما أدى إلى حجب 85 مليون دولار من المساعدات. وفي عامي 2022 و2021، حجب 130 مليون دولار من المساعدات، مستشهدًا بانتهاكات حقوق الإنسان.
على الرغم من هذه الخطوات الإيجابية، لا يزال العديد من المدافعين عن حقوق الإنسان يشعرون بأن هذه الإجراءات غير كافية. ويرون أن الإدارة الأمريكية كان بإمكانها الضغط بشكل أكبر على الحكومة المصرية لتحقيق إصلاحات أعمق وأكثر تأثيرًا، خاصة فيما يتعلق بإطلاق سراح المزيد من السجناء السياسيين وإنهاء الانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان.
ويرى بعض النقاد أن قرار بلينكن بإعفاء مصر من شروط حقوق الإنسان يعكس تغيرًا في الأولويات الأمريكية، حيث أصبحت قضايا الأمن القومي، مثل دور مصر كوسيط في النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، أكثر أهمية بالنسبة للسياسة الخارجية الأمريكية مقارنة بمخاوف حقوق الإنسان. ومع ذلك، يؤكد المسؤولون الأمريكيون أن هذه المساعدات لا تعني التخلي عن الضغط على مصر لتحسين سجلها الحقوقي.
في النهاية، يمثل هذا القرار توازنًا بين الأهداف الأمنية والإستراتيجية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وبين التزامها المعلن بدعم حقوق الإنسان. ومع ذلك، لا تزال التحديات قائمة، حيث يطالب المدافعون عن حقوق الإنسان بمزيد من الجهود المستدامة لضمان أن تحرز مصر تقدمًا حقيقيًا ودائمًا في تحسين ظروف حقوق الإنسان والإفراج عن المعتقلين السياسيين.