أقلام حرة

ياسمين السيد هاني تكتب: هل ينفلت العالم إلى حرب عالمية ثالثة؟

السماح الأمريكي لكييف بضرب العمق الروسي بالسلاح الغربي لحظة حاسمة

تصاعدات التوترات في منطقة شرق أوروبا مؤخرا بشكل دراماتيكي بما اعتبره محللون نذر لحرب عالمية ثالثة. وبدا أن الرئيس الأمريكي جو بايدن كان يرجئ حتى إتمام الانتخابات الرئاسية – قرارا يسمح لأوكرانيا بضرب العمق الروسي باستخدام صواريخ بعيدة المدى تلقتها من أمريكا وحلفائها. هذا الأمر لطالما حذرت منه روسيا واعتبرته خطا أحمر، وذلك على امتداد الحرب التي تقترب من اتمام عامها الثالث. لكن بايدن اتخذ القرار الذي كانت تنتظره بشدة كييف. أما عن الأسباب، فهي عديدة.

أولا: يمكن النظر لقرار بايدن على أنه يأتي وسط ضغوط من الأوروبيين القلقين من تسوية وعد بها ترامب تضعهم مباشرة في مرمي الانتقام الروسي.

فعندما التحق الأوروبيون بالحليف الأمريكي في دعم أوكرانيا ضد روسيا قبل ثلاث سنوات، بدا ان الغرب جميعا في جانب واحد أمام روسيا، كما بدت الجبهة الغربية في أوج قوتها ووحدتها العسكرية (وليس السياسية) وراء هدف واحد.

لكن مع وعد أطلقه ترامب في حملته الانتخابية بحل المعضلة الأوكرانية «في 24 ساعة»، بدا أن زلزالا سياسيا في أمريكا على وشك الحدوث وقد تصل هزاته وتوابعه عبر الأطلنطي إلى شواطئ أوروبا.

والأوروبيين الذين يخشون عودة ترامب (بسبب قضايا عديدة) قد أضيفت لمخاوفهم مسألة الانتقام الروسي. فالولايات المتحدة في ظل حكم ترامب قد تصل لاتفاق مع روسيا بشكل غير مباشر لإنهاء الحرب، مثلا عبر وقف الدعم العسكري لكييف، لتترك الحكومات الأوروبية في مواجهة انتقام موسكو منها لدعمها السابق لأوكرانيا إبان عهد بايدن.

مخاوف من انتقام روسيا

كل ذلك كان في أذهان الساسة الأوروبيين لدي مساعيهم لإقناع واشنطن بالسماح لكييف باستخدام الصواريخ بعيدة المدى لضرب أراضي روسية، وكانت اخر تلك المساعي مباشرة قبل انتخابات الرئاسة الأمريكية وانتهت بإرجاء القرار لما بعد الانتخابات.

وربما يعتقد الأوروبيين أن السماح لكييف باستخدام أسلحة بعيدة المدى ضد روسيا سيحسن من الموقف التفاوضي لها في أي مفاوضات مقبلة لأنهاء الحرب، وهو بالطبع سيبعث مزيد من الضمانات الأمنية للجميع.

ثانيا: في حال قرر ترامب التخلي عن دعم أوكرانيا، وقررت موسكو الانتقام من أوروبا، فسيجبر انتقام موسكو الولايات المتحدة على التدخل بموجب المظلة الأمنية التي تمنحها لحلفائها في الناتو، ومن ثم فلن تكون أوروبا وحيدة في مواجهة روسيا ولن يملك ترامب رفاهية التخلي عن الدفاع عن حلفائه.

لكن الواقع يفترض أن ترامب المتشكك أصلا في دور لحلف شمال الأطلنطي ربما لا تؤمن مواقفه في حال اندلاع مواجهة بين روسيا وإحدى الدول الأوروبية.

وترامب نفسه كان توعد في خطاب الانتصار بأن الولايات المتحدة «لن تدخل حربا» في عهده.

كل ذلك يثير مخاوف كبيرة لدى الأوروبيين بأنهم سيتركون وحدهم في مواجهة روسيا التي «ستعود لتنتقم» مثلما «يعود ترامب لينتقم»!

أما الفائدة الثالثة: فهي أن أوروبا تعتقد ان الوقت الحالي مناسب و«آمن» لاستفزاز روسيا. فموسكو لن تريد التصعيد ضد الغرب قبل تولي ترامب أملا في ان تسهل الأمور عليه ولا تضطره لإدانتها والانقلاب عليها والتخلي عن وعده بإنهاء الحرب.

ارث صعب

ويتشابك ما سبق، مع أسباب ودوافع أخرى يمكن توقعها أن تكون وراء قرار بايدن بالسماح لكييف بضرب العمق الروسي بالأسلحة الغربية.

فترك ميدان ملتهب في أوروبا قد يصعب على ترامب تنفيذ وعده بـ«التخارج» من الشراكة مع الحلفاء المؤسسة على مواجهة روسيا. ولن تكون خيارات ترامب في الحقيقة سهلة.

إذ أن المظلة الأمنية التي تمنحها أمريكا لحلفائها هي في الحقيقة ضمان للهيمنة الأمريكية، كما أنها ضمان لبقاء الحلف الغربي متوحدا في مواجهة «أعداء أمريكا» وأولهم الصين.

فكيف يمكن تخيل ان تنضم أوروبا لأمريكا في مواجهة الصين إذا كانت الولايات المتحدة ستتخلى عن أوروبا وتتركها وحيدة أمام انتقام روسيا؟

أما استمرار ترامب في الحرب غير المباشرة ضد روسيا وانشغاله بها سيكون حفاظا على «مشروع بايدن» الذي أطلقه قبل ما يقرب من ثلاث سنوات بهدف ترميم الجبهة الغربية وقطع العلاقات بين أوروبا وروسيا واستقطاب الحلفاء في مواجهة الصين.

هذا المشروع أنفقت بلاده من أجله مليارات عديدة أبرز جهاتها كان في دعم أوكرانيا التي وحدت الغرب وخلقت للناتو عدوا مشتركا بعد أن كاد الحلف العسكري يفقد بوصلته ومن ثم جدواه..

ولا يرغب بايدن بالطبع في أن يقوم ترامب ببساطة بإلغاء وشطب كل ما سبق تحقيقه من الناحية السياسية.

ولا تعرف أوكرانيا ولا روسيا تماما ما قد يفعله ترامب عندما يتولى منصبه في يناير. لكن التصعيد الجاري الآن من شأنه أن يفرض وضعا راهنا جديدا في اليوم الذي يصبح فيه رئيسا، وعند هذه النقطة تتراوح خيارات ترامب من المساومات المتشددة إلى مجرد التخلي عن أوكرانيا.

وقبل أقل من شهرين على تنصيب وتولي ترامب زمام السلطة في أمريكا.. فالكرة الآن في ملعب الروس..

حسابات الروس

هذه الحسابات توجد بالتأكيد في اعتبارات موسكو.. وروسيا التي تحملت استفزازات عديدة، بينها هجوم ارهابي استهدف قاعة للاحتفالات في مارس الماضي، ويبدو انها لم تقتنع بأن «متطرفون إسلاميون» وراءه، احتفظت بحق الرد لوقت لاحق. ويبدو ان تجاوزها سابقا ما اعتبرته خطا أحمر ينبع من رغبتها في تسهيل الأمور على ترامب للوفاء بوعده في إنهاء الحرب.

لكن القرار الأخير للإدارة الأمريكية بشأن السماح لكييف بضرب العمق الروسي يستدعي ردا جديدا.

والثلاثاء الماضي، أصدر الرئيس الروسي مرسوما يوسع إمكانية استخدام الأسلحة النووية. مع مرور ألف يوم على بدء الهجوم في أوكرانيا، وقّع بوتين مرسوما يوسّع إمكانيات استخدام ترسانة بلاده من الأسلحة النووية وذلك ردا على سماح واشنطن لكييف باستخدام صواريخ أمريكية بعيدة المدى لضرب أهداف داخل روسيا.

وكان الرئيس الروسي حذر في نهاية سبتمبر من أن أي هجوم تنفذه دولة غير نووية، مثل أوكرانيا، لكن مدعومة من قوة تمتلك أسلحة نووية مثل الولايات المتحدة يمكن أن يعتبر «عدوانا مشتركا»، ما قد يستدعي استخدام أسلحة نووية.

وجدد بوتين وعيده في خطاب نادر ألقاه الخميس التالي، وبثه التلفزيون الوطني الروسي، وهدد فيه بضرب الدول الغربية المشاركة في الحرب.

كما أمر الرئيس الروسي بإنتاج كمية كبيرة من الصاروخ البالستي الجديد فرط الصوتي أوريشنيك ومواصلة اختباره في الأوضاع القتالية، وذلك بعد استخدامه لضرب أوكرانيا. وقال بوتين خلال اجتماع مع مسؤولين عسكريين بث التلفزيون وقائعه “سنواصل هذه الاختبارات، وخصوصا في الأوضاع القتالية، بحسب تطور الوضع وطبيعة التهديدات التي تستهدف أمن روسيا”.

وأطلقت روسيا صاروخا بالستيا فرط صوتي على منطقة دنيبرو في وقت مبكر الخميس. وأمر بوتين بإنتاج الصاروخ الذي يحلق بسرعة 10 ماخ – أي 10 أضعاف سرعة الصوت – بشكل تسلسلي. وأضاف أن روسيا تطور أنظمة متقدمة مماثلة.

وأضاف “نظام الأسلحة الذي تم اختباره أمس هو ضمانة أخرى صادقة لوحدة أراضي روسيا وسيادتها”.

وأعلن الرئيس الروسي أن إطلاق الصاروخ أوريشنيك كان ردا مباشرا على استخدام قوات كييف للصواريخ التي زودتها بها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة ضد الأراضي الروسية لأول مرة.

وفي وقت لاحق، قال الكرملين إن إطلاق صاروخ تفوق سرعته سرعة الصوت وخطاب الرئيس بوتين يمثلان رسائل واضحة للغرب – واصفًا الخطوة للسماح لأوكرانيا باستخدام أسلحتها لضرب روسيا بأنها «متهورة».

ومع ذلك، كان الهدف من الصاروخ هو إرسال رسالة. ونقلت صحيفة الجارديان البريطانية عن جيمس أكتون، المدير المشارك لبرنامج السياسة النووية في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي: أن عملية الإطلاق بمثابة تذكير للولايات المتحدة بأن مخاطر التصعيد النووي لا تزال قائمة”.

وعلى الرغم من أن المسؤولين الروس بدوا حريصين على تجنب التصعيد العرضي مع الولايات المتحدة من خلال تقديم «إخطار مسبق» بعملية الإطلاق لكن مع ذلك، فمن الواضح أن قرار بوتين بإبلاغ واشنطن مسبقًا بالتجربة كان يهدف إلى تجنب سوء تفسير الإطلاق والتخفيف من مخاطر التصعيد النووي الفوري.

في الواقع، أعتقد أنه من غير المرجح أن يستخدم بوتين الأسلحة النووية في ضوء انتخاب ترامب واحتمال توقف الولايات المتحدة عن تقديم المساعدة لأوكرانيا.

لحظة حاسمة

ومن جانبها، علقت شبكة «سي إن إن» الإخبارية الأمريكية بأن استخدام روسيا لصاروخ باليستي قادر على حمل رؤوس نووية يوم الخميس أحدث تصعيدا في حرب أوكرانيا. كما أنه يمثل لحظة حاسمة وربما خطيرة في صراع موسكو مع الغرب.

واعتبرت إن استخدام صاروخ باليستي مزود برؤوس حربية متعددة في القتال الهجومي يعد خروجًا واضحًا عن عقود من عقيدة الردع في الحرب الباردة.

يقول الخبراء إن الصواريخ الباليستية ذات الرؤوس الحربية المتعددة، والمعروفة باسم «مركبات إعادة الدخول المتعددة المستهدفة بشكل مستقل»، أو MIRVs، لم تُستخدم مطلقًا لضرب العدو.

والفكرة هي أنه إذا نجت حتى بضعة صواريخ من ضربة نووية أولى، فسيكون هناك ما يكفي من القوة النارية في ترسانة الخصم للقضاء على العديد من المدن الكبرى للمعتدي، وبالتالي ضمان عدم قدرة أي من الطرفين على الهروب من عواقب الأعمال النووية.

وفي هذا السياق، تم تصميم الصواريخ الباليستية لتكون بمثابة حارس لمستقبل حيث لن يتم إطلاق الأسلحة النووية مرة أخرى في حالة غضب. والقدرة التدميرية العالية للـMIRVs تعني أنها أسلحة محتملة للضربة الأولى وأهداف للضربة الأولى، وذلك لأنه من الأسهل تدمير رؤوس حربية متعددة قبل إطلاقها، بدلاً من محاولة إسقاطها أثناء سقوطها بسرعة تفوق سرعة الصوت على أهدافها.

ووفقًا لمنشور حديث صادر عن اتحاد العلماء المعنيين، وهي منظمة غير ربحية للدفاع عن العلوم ومقرها الولايات المتحدة، فإن هذا يخلق سيناريو من نوع «استخدمهم أو أخسرهم» – وهو حافز للضرب أولاً في وقت الأزمات.

وفي مقابل القوة الروسية، التي لا يستطيع الغرب الاستهانة بها، تزداد المخاوف لدى أوكرانيا وجيرانها شرق أوروبا.

فاستمرار الحرب -من وجهة النظر الروسية- قد يعني الانفلات على مواجهة عالمية، ربما يستخدم فيها السلاح النووي.

هذه الانفلات، لا يضمن ان تحارب الولايات المتحدة وأوروبا فيه لأجل أمن وسلامة أوكرانيا وحتى جيرانها الأعضاء في الناتو.. فهل يعقل أن تضحي بكاليفورنيا في مقابل وارسو؟!

وقال تحليل نشره المجلس الأطلسي، وهو مركز بحثي مقره واشنطن، أن أوكرانيا قلقة بالفعل من الانقسام الغربي الذي قد يحدث الفترة القادمة.

ويدرك المسؤولون الأوكرانيون أن حالة عدم اليقين الحالية بشأن الدعم الدولي المستقبلي يمكن أن تعتبرها موسكو علامة على ضعف العزيمة الغربية.

ومع وضع هذا في الاعتبار، فمن المفهوم أنهم حريصون على تجنب أي مؤشرات على الانقسامات المتنامية بين شركاء أوكرانيا.

ولذلك كان هناك قدر كبير من القلق في كييف الأسبوع الماضي مثلا بشأن القرار الذي اتخذه المستشار الألماني أولاف شولتز بإجراء مكالمة هاتفية مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لأول مرة منذ حوالي عامين.

كما علق رئيس الوزراء البولندي دونالد تاسك بكلماته على تلك التطورات قائلا إن الحرب في أوكرانيا تدخل «مرحلة حاسمة» بعد أن أطلق بوتين صاروخا باليستيا جديدا يظهر أن التهديد بنشوب صراع عالمي «خطير وحقيقي». وقال تاسك: «نحن لا نعلم ما نحن مقبلون عليه».

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى