يسري الخطيب يكتب: هكذا كان يصلي النبي قبل فرض الصلاة
– عندما كتبتُ عن السيدة خديجة (رضي الله عنها) في ذكرى وفاتها، راسلني أحد الأصدقاء الأفاضل المهذّبين، على الفيس، يسأل: كيف كانت تصلي مع النبي، وكلنا نعرف أنها ماتت قبل رحلة الإسراء والمعراج التي فُرضت فيها الصلاة؟؟؟
وكان سؤاله هو الذي دفعني للقراءة باستفاضة في هذا الموضوع، وعدتُ لكتاب الباحث الإسلامي العراقي القدير، د. جواد علي، وكتابه الأشهر: (تاريخ الصلاة في الإسلام)
– دلَّت النصوص الكثيرة على أنّ النبي (صلّى الله عليه وسلّم) وأصحابه كانوا يصلون قبل حادثة الإسراء والمعراج التي فرض الله فيها الصلوات الخمس،
فقد أجاب أبو سفيان هرقل ملك الروم حين سأله عن مضمون رسالة النبي صلّى الله عليه وسلّم قائلاً: (اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا، واتركوا ما يقول آباؤكم، ويأمُرُنا بالصلاةِ والصِّدقِ والعَفافِ والصِّلةِ) وهذا الخبر يدل ظاهره على أنّ الأمر بالصلاة كان على الوجوب في أول الإسلام، وقد قيل: أول ما فُرضت الصلاة ركعتان في الغداة، وركعتان في العشيّ.
– أجمع أهل العلم أن الصلاة كانت مفروضة أول الأمر ركعتين بالغداة، وركعتين بالعشي.
– ثبت في صحيح مسلم، عن أنس أن النبي (صلى الله عليه وسلم)، صلى ليلة الإسراء ببيت المقدس ركعتين، كما ثبت فيه أيضًا أنه صلى بالأنبياء إمامًا.
– الصلاة كانت معروفة قبل ليلة الإسراء، وإنما اختصت ليلة الإسراء بفرض الصلوات الخمس ولم تكن مفروضة قبل ذلك، ويرى علماء الإسلام أن الصلاة المفروضة قبل ذلك كانت ركعتين أول النهار وركعتين آخره،
– رُويَ عن الحسن في قوله تعالى: وسبّح بحمد ربك بالعشي والإبكار، أنها صلاة النبي بمكة حين كانت الصلاة ركعتين غدوا، وركعتين عشيًا، فلم يزل فرض الصلاة على ذلك ما كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) والمسلمون بمكة 9 سنين، فلما كان قبل الهجرة بسنة؛ أسرى الله بعبده ورسوله من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، ثم عرج به جبريل إلى السماء، وفُـرضت الصلوات الخمس ليلة الإسراء بالنبي (صلى الله عليه وسلم) وذلك بمكة قبل الهجرة بسنة، وكان الفرض قبل ذلك ركعتين بالغداة وركعتين بالعشي، فأول ما صلى جبريل بالنبي (صلى الله عليه وسلم) الظهر، فسمّيت الأولى.
– يقول المؤرخ العراقي الشهير الدكتور جواد علي (1907م – 1987م) في كتابه “تاريخ الصلاة في الإسلام”: (يخرج الرسول أول النهار إلى صلاة الضحى، وكانت صلاة لا تنكرها قريش، فيصليها في الكعبة، وكان وأصحابه إذا جاء وقت العصر، تفرّقوا في الشعاب فرادى ومثنى، فيصلون العشي)
– انتظمت صلاة الرسول في مكة على هذا النحو الذي تنقله كتب السير والروايات، بصلاة الركعتين، مرتين في اليوم: وهما صلاة الغداة في أول النهار، وصلاة العشي وقت العصر، أو كما يحددها المقريزي في كتابه “إمتاع الأسماع”، صلاة قبل طلوع الشمس وأخرى قبل غروبها.
– تنقل سيرة ابن هشام عن مقاتل بن سليمان أنه “فرض الله تعالى في أول الإسلام الصلاة ركعتين بالغداة والعشي.
كانت «صلاة الركعتين» هي الصلاة المفروضة في حياة زوجة الرسول السيدة خديجة (رضي الله عنها) حتى وفاتها قبل الهجرة.
قال الحافظ رحمه الله في الفتح:
«ذَهَبَ الْحَرْبِيُّ إِلَى أَنَّ الصَّلَاة كَانَتْ مَفْرُوضَة رَكْعَتَيْنِ بِالْغَدَاةِ وَرَكْعَتَيْنِ بِالْعَشِيِّ، وَذَكَرَ الشَّافِعِيّ عَنْ بَعْض أَهْل الْعِلْم أَنَّ صَلَاة اللَّيْل كَانَتْ مَفْرُوضَة ثُمَّ نُسِخَتْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى (فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ) فَصَارَ الْفَرْض قِيَام بَعْض اللَّيْل، ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِالصَّلَوَاتِ الْخَمْس»
وقال أيضا:
إِنَّ الْفَرْض أَوَّلًا كَانَ صَلَاة قَبْل طُلُوع الشَّمْس، وَصَلَاة قَبْل غُرُوبهَا، وَالْحُجَّة فِيهِ قَوْله تَعَالَى: (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّك قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا) وَنَحْوهَا مِنْ الْآيَات
ويقول د. جواد علي: وليس لدينا من شك في أن الأمر بالصلاة كان قد نزل على الرسول وهو بمكة وذلك قبل الهجرة لورود (الصلاة) في سورة مكية مثل سورة المدثر وسورة الكوثر وهي السورة الثانية عشرة من السور بحسب ترتيب النزول، وقد نزلت كلها في مكة، وورد فيها (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ)
ويؤيد هذا الرأي ما نراه في كتب السير والأخبار من أن الرسول كان يصلي بالسيدة خديجة وذلك حتى وفاتها، وكانت وفاتها قبل الإسراء، ومن أنه كان يخرج مع علي بن أبي طالب إذا حضرت الصلاة إلى شعاب مكة، فيصليان الصلوات فيها، فرآهما أبو طالب مرة وهما يصليان، فسأل الرسول عن هذه الصلاة التي يصليها، وقد كانت وفاة أبي طالب قبل الإسراء، ومن أخبار أخرى تفيد أن أول الناس إسلاما كانوا يصلّون وذلك قبل الإسراء، ففي كل ذلك دلالة إذن على أن الأمر بالصلاة كان بمكة وقد كان قبل الإسراء.
ويخلص د. جواد علي من هذه الدراسة التي استخلصها من الروايات العديدة، بنتيجة هي أن الصلاة في الإسلام قد كملت وتمت واتخذت شكلها النهائي في المدينة.. وأن في المدينة ظهرت صلوات لم يكن الأمر قد نزل بها في مكة، وذلك لتغير الظروف ولتبدل الأحوال ولانتشار الإسلام.. فصار المسلمون يصلّون علنا جهارًا