“ينابيع المعرفة” للكاتبة رشيدة القدميري.. قصص تربوية هادفة موجهة للأطفال

الأمة: في مجموعتها “ينابيع المعرفة” الصادرة عن “الآن ناشرون وموزعون”، بالأردن (2025)، تقدم الكاتبة المغربية رشيدة القدميري خمس قصص موجهة لفئة الطفولة (10-12 سنة) تنطوي على العديد من الأهداف التربوية الخاصة بهذه الفئة، وتؤكد على مجموعة من القيم والسلوكات والأخلاق الإيجابية.
ففي قصتها “اسق البذرة كي تنمو” تركز الكاتبة على أهمية القراءة في صقل الموهبة وتطويرها، وذلك عبر أحداث تعيشها شخصيتان هما أيمن ونجيبة، حيث يمتلك كل منها موهبة غير خافية في الكتابة، لكن أيمن بمرور الوقت يعزف عن القراءة بسبب غرور أصابه جعله يعتقد أنه الكاتب الأول ولا يمكن لأحد أن ينافسه في هذا الميدان،
بينما تجتهد نجيبة في تطوير موهبتها عبر القراءة والمتابعة لإيمانها أن الموهبة مثل البذور التي تحتاج إلى الرعاية لتكبر، وخلال منافسة كبيرة بين الطلبة تفوز نجيبة بالمركز الأول بينما يتراجع أيمن للمراكز المتأخرة، ويدرك حينها الخطأ الذي وقع فيه حين سمح للغرور أن يملأ نفسه ليعترف أخيراً:
“غُرُورِي بِمَوْهِبَتِي الَّتِي حَسِبْتُهَا نَادِرَةً، لاَ تَحْتَاجُ لِلتَّحْسِينِ وَالصَّقْلِ جَعَلَنِي أُهْمِلُ الْقِرَاءةَ، وَلَا أَهْتَمُّ بِالنَّصِيحَةِ، وَهَا هِيَ النَّتِيجَةُ، كَمَا تَرَيْنَ، حَصَلْتُ عَلَى إِحْدَى الْمَرَاتِبِ الْأَخِيرَةِ فِي الْمُسَابَقَةِ، بَعْدَ أَنْ كُنْتُ الْأَحْسَنَ وَالْأفْضَلَ بَيْنَ زُمَلَائِي. رَدَّتْ نَجِيبَةُ مُحَاوِلَةً التَّخْفِيفَ عَنْهُ: آسِفَةٌ لِأَجْلِكَ، لَكِنْ، مَازَالَتِ الْفُرْصَةُ أَمَامَكَ، اِبْدَأْ مِنَ الْآنَ بِالْقِرَاءَةِ، وَعَوِّضْ مَا فَاتَكَ، وَإِنْ شَاءَ اللهُ سَتَفُوزُ بِالْجَائِزَةِ فِي الْمَوْسِمِ الْقَادِم“.
أما في قصتها “هناك دائماً فرصة ثانية” فناقشت القدميري أهمية حفاظ الطفل على نظافة جسده حتى لا يقع في مشاكل صحية تضر به أو تضر بمن حوله، وتناولت في هذه القصة شخصيتان هما أحمد الذي يعتني بنظافة جسده،
وبدر الذي يهمل نظافته ونظافة البيئة المحيطة به، فيكون أن يطعم أخته الصغيرة بيديه المتسختين فتصاب بتسمم يكاد يودي بحياتها، وحينذاك يتعلم الدرس ويقتنع بأهمية النظافة:
“قَالَ أَحْمَدُ مُشْفِقاً وَحَزِيناً عَلَى حَالِ صَدِيقِهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى سَلاَمَتِكَ، وَسَلاَمَةِ أُخْتِكَ يَا صَدِيقِي، لَكِنِّي كُنْتُ أَوَدُّ لَوْ تَعَلَّمْتَ الدَّرْسَ دُونَ أَنْ تُؤْذِيَ تِلْكَ الْمِسْكينَة الَّتِي لَا ذَنْبَ لَهَا.. ثُمَّ رَبَّتَ بِيَدِهِ عَلَى كَتِفِ صَدِيقِهِ، وَلِيُخَفِّفَ عَنْهُ قَلِيلاً أَضَافَ قَائِلاً: كَفَاكَ بُكَاءً، فَمِنَ أَخْطَائِنَا نَتَعَلَّمُ يَا أَخِي، أُخْتُكَ بِخَيرٍ، وأَنْتَ اسْتَوْعَبْتَ الدَّرْسَ جَيِّدًا، وَهَذَا هُوَ الْأَهَمُّ… والْآنَ تَعَالَ مَعِي نُرَاجِعُ مَعاً نَشِيدَ النَّظَافَةِ الَّذِي أَوْصَتْنَا الْأُسْتَاذَةُ بِحِفْظِهِ“.
أما قصة “أجمل هدية” فتؤكد على أضرار كثرة الحلوى بالأسنان، وما قد تسببه من ألم التسوس، حيث الصديقان سعيد لاعب كرة القدم المميز والذي يعشق الحلوى، وياسر الذي يرى أن كثرة التهام الحلوى أمر غير جيد،
ولا يقتنع سعيد بنصائح صديقه إلى حين تخسر مدرسته البطولة في كرة القدم بسبب تغيبه عن المباراة بعد أن أصيبت أسنان بالالتهاب والتسوس وألزمه الألم الفراش:
“سَامِحْنِي يَا صَدِيقِي، فَوَاللَّهِ خَجِلْتُ جِدًّا مِنْ نَفْسِي. النَّصَائِحُ الَّتِي كُنْتَ تُقَدِّمُهَا لِي، أَعَادَهَا الطَّبِيبُ عَلَى مَسَامِعِي بِالْحَرْفِ، وَوَبَّخَنِي بِشِدَّةٍ لِأَنَّنِي لَمْ أَكُنْ أَعْتَنِي بِنَظَافَةِ أسْنَانِي. أَعْتَذِرُ مِنْكَ صَدِيقِي لِأَنَّنِي لَمْ آخُذْ كَلَامَكَ عَلَى مَحْمَلِ الْجِدّ يَوْمًا، وَهَا أَنَا أُؤَدِّي ثَمَنَ تَهَوُّرِي وَاسْتِهْتَارِي، وَالْمُصِيبَةُ أَنِّي تَخَلَّيْتُ عَنْ فَرِيقِي فِي وَقْتٍ حَرِجٍ. فَكَيْفَ سَأُوَاجِهُ زُمَلَائِي بَعْدَ الْيَوْمِ؟ وَكَيْفَ سَأَعْتَذِرُ لَهُمْ عَنْ غِيَابِي، وَخِذْلَانِي لَهُمْ؟
تَوَقَّفَ سَعِيدٌ عَنِ الْحَدِيثِ لَحْظَةً، اِغْرَوْرَقَتْ عَيْنَاهُ بِالدَّمْعِ، وَنَظَرَ إلى صَدِيقِهِ بِقَلَقٍ مَمْزُوجٍ بِالْخَوْفِ، وَسَأَلَهُ عَنْ نَتِيجَةِ الْمُبَارَاةِ، وَكُلُّهُ أَمَلٌ فِي أَنْ يَخِيبَ ظَنُّهُ، وَيَكُونَ فَرِيقُ مَدْرَسَتِهِمَا قَدِ انْتَصَرَ عَلَى خَصْمِهِ، لَكِنَّ يَاسِرًا لَمْ يَجِدْ بُدًّا مِنْ إِخْبَارِهِ بِخَسَارَةِ فَرِيقِهِم فِي غِيَابِهِ، مُوَاسِيًا إِيَّاهُ بِبِضْعِ كَلِمَاتٍ، وَهُوَ يَكَادُ يَبْكِي حُزْنًا عَلَى ضَيَاعِ اللَّقَبِ مِنْ بَيْنِ يَدَيِّ الْمُؤَسَّسَةِ لِأَوَّلِ مَرَّةٍ فِي تَارِيخِ الدَّوْرِيِّ الْمَدْرَسِيِّ“.
أما في القصتين الأخيرتين “سفر من نوع آخر”، و”وما خفي كان أشد ظلمة” فتناقش الكاتبة موضوعات تركز على ضرر التعلق بالانترنت وبعوالم التكنولوجية الافتراضية،
حيث تركز في القصة الأولى على موضوع ضرر إدمان التكنولوجيا وأهمية الموازنة بين التعلم التقليدي وبين التعلم عن طريق الشبكة العنكبوتية، وتؤكد في القصة الثانية أضرار غياب الرقابة من طرف الأهل على ما يشاهده أطفالهم عبر تلك المواقع وبخاصة تلك التي تفتح لهم المجال للتواصل مع أشخاص افتراضيين عبر العالم:
“قَبَّلَتِ الْأُمُّ ابْنَتَها، وَقَالَتْ: يَا بُنَيَّتِي، نَحْنُ الْكِبَار نَعْرِفُ مَا لَا تَعْرِفِينَهُ، لَا أُنْكِرُ أَنَّ مَوَاقِعَ التَّوَاصُلِ تَزْخَرُ بِالْعَدِيدِ مِنَ الْإِيجَابِيَّاتِ، لَكِنَّ سَلْبِيَاتها كَثِيرَةٌ أَيْضًا، لِذَلِكَ وَجَبَ الْحَذَرُ حَبِيبَتِي، خُصُوصًا حِينَ نَفْتَقِرُ إلى التَّجْرِبَةِ الَّتِي قَدْ نَكْتَسِبُهَا مَعَ تَقَدُّمِنَا فِي الْعُمُرِ،
وَهَذَا مَا كُنَّا طُولَ الْوَقْتِ نُحَاوِلُ شَرْحَهُ لَكِ أَنَا، وَوَالِدُكِ. مَا حَدَثَ لِصَديقَتِكِ لَيْسَ سِوَى نُقْطَةٍ فِي بَحْرِ الْجانِبِ الْمُظْلِمِ لِهَذَا الْعَالَمِ الْاِفْتِرَاضِيِّ، فَمَا خَفِيَ كَانَ أَشَدَّ ظُلْمَةً. اِذْهَبِي، وَاغْسِلِي وَجْهَكِ، وَهَيَّا بِنَا نَزُورُ صَدِيقَتَكِ بِالْمُسْتَشْفَى، فَهِيَ تَحْتاجُ الْآنَ لِدَعْمِكِ وَمَحَبَّتِكِ أَكْثَرَ مِنْ أَيِّ وَقْتٍ مَضَى، والْحَمْدُ لِلَّهِ أَنَّكِ اسْتَفَدْتِ مِنْ تَجْرِبَةِ سَوسَنَ رَغْمَ مَرَارَتِهَا“.
يذكر أن رشيدة القدميري حاصلة على الإجازة في البيولوجيا من كلية العلوم بتطوان بالمغرب، وعملت في التعليم الابتدائي، وصدرت لها مجموعات شعرية منها “ظمأ النهر”، و”صهيل جراح”، ومجموعات قصصية منها “مجرد سؤال”، و”موت بالتقسيط”، ومما أصدرت للأطفال قصة “الأشجار تتكلم”، وللفتيان قصة بعنوان “تأبط سراً“.