تُعد رواية “آلة الزمن” للكاتب البريطاني هربرت جورج ويلز من أبرز علامات الأدب العالمي في القرن التاسع عشر، ليس لأنها أدخلت مصطلح “آلة الزمن” إلى القاموس الثقافي، بل لأنها دشّنت فكرة السفر عبر الزمن كأداة أدبية وفلسفية للتأمل في مصير البشرية. منذ صدورها عام 1895، فتحت الرواية أبواب الخيال العلمي على مصراعيها، وأعادت تعريف الزمن باعتباره فضاءً للتجربة والاكتشاف، لا مجرد قيد يحد وجود الإنسان.
المضمون والفكرة
تحكي الرواية قصة عالم بريطاني غريب الأطوار، يُعرف باسم “مسافر الزمن”، يخترع آلة مدهشة تمكّنه من القفز بين العصور. ينطلق بها إلى المستقبل البعيد ليجد أن البشرية انقسمت إلى صنفين متناقضين:
الإيلوي: مخلوقات وادعة تعيش على سطح الأرض في رخاء وكسل، فقدت الحافز على الابتكار والعمل.
المورلوك: كائنات قوية تعيش في باطن الأرض، تتحكم في الموارد وتبقي الإيلوي تحت سيطرتها.
من خلال هذه الثنائية، يقدم ويلز نقدًا اجتماعيًا حادًا للمجتمع الصناعي في زمنه، ويحذر من مخاطر اتساع الهوة الطبقية. ثم يدفع بالبطل إلى قفزة زمنية أبعد، حيث يشهد نهاية الأرض تحت شمس محتضرة، في مشهد يمزج العلم بالشاعرية الفلسفية، ويجعل القارئ أمام تساؤلات عن معنى الوجود ومصير الحضارات.
أهمية الرواية
“آلة الزمن” لم تكن مجرّد حكاية خيالية، بل كانت عملًا تنبؤيًا سبق عصره، طرح قضايا:
هشاشة الحضارة أمام تغيرات الطبيعة والمجتمع.
أثر التقدم العلمي على العدالة الاجتماعية.
الزمن كبعد رابع يمكن اختراقه، وهي فكرة ستصبح لاحقًا جزءًا من الفيزياء الحديثة على يد ألبرت أينشتاين.
الرواية وضعت الأساس لجيل كامل من الأدباء والمفكرين الذين تناولوا فكرة الزمن من منظور علمي وفلسفي، لتصبح إحدى الركائز الكبرى في ثقافة الخيال العلمي.
أبرز الأحداث
1- العرض الأول: حيث يقدم مسافر الزمن أمام أصدقائه نموذجًا مصغرًا لآلته.
2- الرحلة الكبرى: الانتقال إلى المستقبل وملاقاة الإيلوي.
3- كشف العالم السفلي: مواجهة المورلوك واكتشاف حقيقة علاقتهم بالإيلوي.
4- النهاية الكونية: السفر إلى نهاية الأرض ومشاهدة غروب الحياة على الكوكب.
مقولات لافتة
“المستقبل ليس إلا مرآة لما نزرعه في الحاضر.”
“الحضارات تموت حين تفقد شجاعتها على التساؤل.”
“الزمن طريق، لا جدار.”
سيرة المؤلف
هربرت جورج ويلز (1866 – 1946) كاتب ومفكر بريطاني، يُلقب بـ”أبو الخيال العلمي” إلى جانب الفرنسي جول فيرن. امتاز بدمج الخيال العلمي بالنقد الاجتماعي، وكتب روايات خالدة مثل حرب العوالم والرجل الخفي وجزيرة الدكتور مورو. كما كان ناشطًا فكريًا وسياسيًا، وكتب في قضايا التعليم والتاريخ والمستقبل.
الأثر الثقافي
أثرت الرواية بعمق في الأدب والفن، وألهمت أعمالًا سينمائية وتلفزيونية ومسرحية، من سلسلة Doctor Who إلى أفلام Back to the Future. وفي العالم العربي، جاءت ترجمات متعددة أبرزها هذه النسخة الكاملة المترجمة عن النسخة الأمريكية بقلم شهرت العالم، التي حافظت على روح النص الأصلية مع تبسيط المصطلحات العلمية للقارئ العربي.
الرواية في السياق العربي
فكرة السفر عبر الزمن نادرة في الأدب العربي، لكن يمكن رصد تأثير ويلز في أعمال لاحقة، مثل رواية “الآلة” لصبري موسى، وبعض قصص نهاد شريف التي تناولت الخيال العلمي بلمسة فلسفية. ومع ذلك، يظل ويلز هو الرائد الذي جعل الزمن بطلًا روائيًا قائمًا بذاته.
البعد الفلسفي والعلمي
إذا كانت الفيزياء الحديثة مع أينشتاين قد أثبتت أن الزمن بُعد رابع مرتبط بالمكان، فإن ويلز كان قد صاغ هذه الفكرة أدبيًا قبل ظهور النظرية النسبية بسنوات. كما أن الرواية تلتقي في رؤيتها مع أفكار ستيفن هوكينغ لاحقًا حول إمكان السفر عبر الزمن نظريًا، لتثبت أن الخيال الأدبي قد يسبق الاكتشاف العلمي.
في نهاية المطاف، تظل “آلة الزمن” أكثر من رواية، إنها مرآة تُري القارئ أن المستقبل يُصنع في الحاضر، وأن الحضارة التي تتخلى عن روح الإبداع والتساؤل إنما تكتب فصلها الأخير بيدها. لقد منح ويلز الزمن جسدًا أدبيًا، وجعل من صفحاته آلة تُسافر بنا بين العصور، لندرك أن أخطر ما قد نخسره ليس المال أو السلطة، بل الوقت نفسه.