أبو الهيجاء يكتب: ترامب.. هل يختطف رسالة النبوة في الأرض المباركة؟
إضاءات شرعية منهجية سياسية أخلاقية

لا وألف لا… فكل الإحصائيات والتقديرات والتخمينات لا تساوي ذرة أمام حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم، لا تزال طائفة من أمتي منصورين لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة. صححه الألباني.
وقد وردتني كثير من التعليقات بعد مقالتي التي كتبتها تحت عنوان: الأخطر في لقاء الشرع-ترامب هو اتفاقية ابراهام!
وقد عرضت في المقال حلا ووسيلة تعين الرئيس السوري أحمد الشرع على التحايل السليم تجاه الضغوط الأمريكية ولأجل تمرير قرار رفع الحصار عن سورية الجديدة، دون السقوط المريع في رذيلة اتفاقية ابراهام المفضية تلقائيا للتطبيع مع العدو الإسرائيلي القاتل والمحتل.
وأما الوسيلتين، فهما:
1/ وضع تلك المسألة السياسية على طاولة مفتي الجمهورية العربية السورية ومجموع علماء الشام الربانيين والكبار، وذلك بهدف الوصول للحكم الشرعي انطلاقا من المرجعية الإسلامية الأصولية الفقهية في النظر لقضايا السياسة الشرعية المعتبرة لأصول الشريعة والمستوعبة لواقع الحال.
2/ عمل استفتاء شعبي حول التطبيع، لا يستهدف الوصول لحكم الشريعة -المنوط بالعلماء-، ولكن يستهدف إبراز حقيقة الخيار الشعبي لأهل الشام المنتمين والكرام، لاسيما وأنهم نزفوا من دمائهم أنهارا طيلة سبعة عقود، نتيجة تمسكهم بدينهم وطلبهم لتحكيم شرع الله في حياتهم، وليس طلبا لرغيف الخبز، ويشهد على ذلك أن العقد والنصف الأخير شهد تضحيات جليلة قدم فيها أحفاد الصحابة في الشام أموالهم ودماءهم وذراريهم وهجروا قصورهم تمسكا بدينهم.
وبكلمة أقول لكل من يرتاب من فكرة الاستفتاء الشعبي الحر:
إن مرآة السوريين هي في مصر، فشعبها المنتمي والعظيم لم يقبل بالتطبيع الذي فرضه عليه أنور السادات عام 1979، ولم يضعف أمام مغرياته رغم القهر والجوع والفاقة طيلة نصف قرن.
دهاء ترامب يفوق خبث ومكر الشيطان الرجيم!
لا يغيب عن عقل ترامب حجم الفاقة التي يعيشها الشعب السوري، ولا حجم تطلعه لرفع الحصار الاقتصادي، لاسيما أن ذبح مليوني سوري على يد الأسد الأب والابن جاء ضمن الرؤية الأمريكية لمعاقبة السوريين على ثوراتهم ضد النظام، والذي هيأ عناصر قوته كيسنجر والإدارات الأمريكية المتعاقبة، الأمر الذي جعل ترامب الرجيم يربط بين رفع العقوبات الظالمة واستحقاق سياسي ثقافي أخلاقي مصيري، وهو الموافقة على إتفاقية ابراهام!
التماهي الإسلامي مع مطالب ترامب الخطرة فيه اختطاف لمضمون الرسالة وتجاوز لأهداف النبوة في حياة المسلمين، وهو ما وقع فيه أصحاب السبت!
إن سيل التبريرات التي عرضها الكثير من الإسلاميين -حتى تفوقوا على العلمانيين- بتلبيس الحق والباطل على الناس، من خلال خلق فجوة بين الاستقامة والتمسك بدين الله والثبات عليه، وبين مراعاة الواقع السياسي والاقتصادي دون اعتبار الثوابث الشرعية والسياسية والأخلاقية، هو منهج أعوج يتطابق مع سلوك بني إسرائيل في التحايل على الله وعباده.
لا فرق بين التطبيع مع أصحاب السبت يوم الجمعة أو الأحد!
التطبيع هو التطبيع.. الزنا هو الزنا.. الربا هو الربا.. السرقة هي السرقة.. الخمر هو الخمر.. مهما طال الزمان أو تعددت الأسباب والأشكال، والمسلم الموحد هو عنوان الثبات على أحكام الله البينات.
من المؤسف القول أن الاضطراب الحاصل اليوم في أرض الشام المباركة والثائرة، حول مسألة التطبيع المحرمة مع الكيان الإسرائيلي الغاصب والقاتل، إنما جاء نتيجة تسويغ البعض لمنطق المصالح بمعزل عن الشرائع، وفي هذا خلخلة وتراجع عن إرث النبي صلى الله عليه وسلم ورسالته التي غرست غرسا في أرض الشام وأهلها، الأمر الذي يوجب على العلماء الصدع بالحق، مهما كان السياسيون معذورون أو مناورون في الكلمات والتصريحات.
إن عدم البيان في وقت الحاجة إليه يقود للزيغ والتراجع والخلاف، وقد ظهرت علامات التوسع في تسويغ مطالب ترامب الرجيم، وبدأ بعض المتفلتين وضعاف العقول والقلوب يقعدون لجواز ما لا يجوز، وما لم يقل به أحد العلماء المعتبرين في استنباط الأحكام، حتى باتت أحكام الشريعة عبارة عن وجهة نظر يتلاعب بها من خلال وسائل التواصل ذات الحدين والثلاثة!
في التحديات الخارجية يتقدم الجسد على الرأس.
بلا شك أن الأخ أحمد الشرع يسعى جاهدا للحفاظ على مصالح الناس وصرف الشرور عنهم، وهو عمل جليل مأجور ترفع له القبعة، ويستحق عليه التأييد والدعاء والولاء…
لكن هذا كله وأكثر منه لا يمنحه شيكا على بياض، ولا ينزهه عن الخطأ في الاجتهاد، الأمر الذي يوجب على العلماء الإحاطة به والالتفاف حوله، لئلا يكون هو الغنمة القاصية التي يأكلها الحوت الأمريكي المتصهين المتنكر في قناع ترامب الرجيم.
فهل سيبادر العلماء ببيان الحق في وقت الحاجة إليه، وإظهار تمسك الجسد الجماهيري به، ليزداد رئيسهم قوة أمام التحديات؟
مضر أبو الهيجاء فلسطين-جنين 15/5/2025