الأمة الثقافية

“أبو تمّام وعروبة اليوم”.. شعر: عبد الله البردوني

ما أَصْدَقَ السَّيْفَ! إِنْ لَمْ يُنْضِهِ الكَذِبُ

وَأَكْذَبَ السَّيْفَ إِنْ لَمْ يَصْدُقِ الغَضَبُ

بِيضُ الصَّفَائِحِ أَهْدَى حِينَ تَحْمِلُهَـا

أَيْدٍ إِذَا غَلَبَتْ يَعْلُو بِهَا الغَلَبُ

وَأَقْبَحَ النَّصْرِ نَصْرُ الأَقْوِيَاءِ بِلاَ

فَهْمٍ سِوَى فَهْمِ كَمْ بَاعُوا وَكَمْ كَسَبُوا

أَدْهَى مِنَ الجَهْلِ عِلْمٌ يَطْمَئِنُّ إِلَـى

أَنْصَافِ نَاسٍ طَغَوا بِالعِلْمِ وَاغْتَصَبُوا

قَالُوا : هُمُ البَشَرُ الأَرْقَى وَمَا أَكَلُوا

شَيْئَاً كَمَا أَكَلُوا الإنْسَانَ أَوْ شَرِبُـوا

مَاذَا جَرَى يَـا أَبَا تَمَّـامَ تَسْأَلُنِي؟

عَفْوَاً سَأَرْوِي وَلا تَسْأَلْ وَمَا السَّبَبُ

يَدْمَى السُّـؤَالُ حَيَاءً حِينَ نَسْأَلُُه

كَيْفَ احْتَفَتْ بِالعِدَى حَيْفَا أَوِ النَّقَـبُ

مَنْ ذَا يُلَبِّـي؟ أَمَـا إِصْـرَارُ مُعْتَصِـمٍ؟

كَلاَّ وَأَخْزَى مِنَ الأَفْشِينَ مَـا صُلِبُوا

اليَوْمَ عَادَتْ عُلُوجُ الـرُّومِ فَاتِحَـةً

وَمَوْطِنُ العَرَبِ المَسْلُوبُ وَالسَّلَبُ

مَاذَا فَعَلْنَـا؟ غَضِبْنَا كَالرِّجَالِ وَلَمْ

نصدُق وَقَدْ صَدَقَ التَّنْجِيمُ وَالكُتُبُ

وَقَاتَلَـتْ دُونَنَا الأَبْوَاقُ صَامِدَةً

أَمَّا الرِّجَالُ فَمَاتُوا ثَمَّ أَوْ هَرَبُوا

حُكَّامُنَا إِنْ تَصَدّوا لِلْحِمَى اقْتَحَمُوا

وَإِنْ تَصَدَّى لَهُ المُسْتَعْمِرُ انْسَحَبُوا

هُمْ يَفْرُشُونَ لِجَيْشِ الغَزْوِ أَعْيُنَهُمْ

وَيَدَّعُونَ وُثُـوبَاً قَبْلَ أَنْ يَثِبُوا

الحَاكِمُونَ ووَاشُنْـطُـنْ حُكُومَتُهُمْ

وَاللامِعُونَ وَمَا شَعَّوا وَلا غَرَبُوا

القَاتِلُـونَ نُبُوغَ الشَّـعْبِ تَرْضِيَةً

لِلْمُعْتَدِينَ وَمَا أَجْدَتْهُمُ القُرَبُ

لَهُمْ شُمُوخُ المُثَنَّى ظَاهِرَاً وَلَهُمْ

هَـوَىً إِلَـى بَابَك الخَرْمِيّ يُنْتَسَبُ

مَاذَا تَرَى يَا أَبَـا تَمَّـامَ هَلْ كَذَبَتْ

أَحْسَابُنَا؟ أَوْ تَنَاسَى عِرْقَهُ الذَّهَبُ؟

عُرُوبَةُ اليَوَمِ أُخْرَى لا يَنِمُّ عَلَى

وُجُودِهَـا اسْمٌ وَلا لَوْنٌ وَلا لَقَـبُ

تِسْعُونَ أَلْفَـاً لِعَمُّـورِيَّـة َاتَّقَدُوا

وَلِلْمُنَجِّمِ قَالُوا : إِنَّنَاالشُّهُبُ

قِيلَ : انْتِظَارَ قِطَافِ الكَرْمِ مَا انْتَظَرُوا

نُضْجَ العَنَاقِيدِ لَكِنْ قَبْلَهَا الْتَهَبُوا

وَاليَـوْمَ تِسْعُونَ مِلْيونَاً وَمَا بَلَغُوا

نُضْجَاً وَقَدْ عُصِرَ الزَّيْتُونُ وَالعِنَبُ

تَنْسَى الرُّؤُوسُ العَوَالِي نَارَ نَخْوَتِهَا

إِذَا امْتَطَاهَا إِلَى أَسْيَادِهِ الذَّنَبُ

حَبِيبُ وَافَيْتُ مِـنْ صَنْعَاءَ يَحْمِلُنِي

نَسْرٌ وَخَلْفَ ضُلُوعِي يَلْهَثُ العَرَبُ

مَاذَا أُحَدِّثُ عَـنْ صَنْعَاءَ يَا أَبَتِي؟

مَلِيحةٌ عَاشِقَاهَا :السِّلُّ وَالجَرَبُ

مَاتَتْ بِصُنْدُوقِ وَضَّاحٍ بِلاَ ثَمَنٍ

وَلَمْ يَمُتْ فِي حَشَاهَا العِشْقُ وَالطَّرَبُ

كَانَتْ تُرَاقِبُ صُبْحَ البَعْثِ فَانْبَعَثَتْ

فِي الحُلْمِ ثُمَّ ارْتَمَتْ تَغْفُو وَتَرْتَقِبُ

لَكِنَّهَا رُغْمَ بُخْلِ الغَيْثِ مَا بَرِحَتْ

حُبْلَى وَفِي بَطْنِهَـا قَحْطَـانُ أَوْ كَرَبُ

وَفِي أَسَى مُقْلَتَيْهَـا يَغْتَلِي يَمَـنٌ

ثَانٍ كَحُلْمِ الصِّبَا يَنْأَى وَيَقْتَرِبُ

حَبِيبُ تَسْأَلُ عَنْ حَالِي وَكَيْفَ أَنَـا؟

شُبَّابَةٌ فِي شِفَاهِ الرِّيحِ تَنْتَحِبُ

كَانَتْ بِلاَدُكَ رِحْلاً ظَهْـرَ نَاجِيَةٍ

أَمَّـا بِلاَدِي فَلاَ ظَهْـرٌ وَلاَ غَبَبُ

أَرْعَيْتَ كُلَّ جَدِيبٍ لَحْمَ رَاحِلَةٍ

كَانَتْ رَعَتْهُ وَمَاءُ الـرَّوْضِ يَنْسَكِبُ

وَرُحْتَ مِنْ سَفَرٍ مُضْنٍ إِلَـى سَفَرٍ

أَضْنَى لأَنَّ طَرِيقَ الرَّاحَةِ التَّعَبُ

لَكِنْ أَنَا رَاحِلٌ فِي غَيْرِ مَا سَفَرٍ

رَحْلِي دَمِي وَطَرِيقِي الجَمْرُ وَالحَطَبُ

إِذَا امْتَطَيْتَ رِكَابَاً لِلـنَّوَى فَأَنَا

فِي دَاخِلِي أَمْتَطِي نَارِي وَاغْتَرِبُ

قَبْرِي وَمَأْسَاةُ مِيلاَدِي عَلَى كَتِفِي

وَحَوْلِيَ العَدَمُ المَنْفُوخُ وَالصَّخَبُ

حَبِيبُ هَذَا صَدَاكَ اليَوْمَ أَنْشُدُهُ

لَكِنْ لِمَاذَا تَرَى وَجْهِي وَتَكْتَئِبُ؟

مَاذَا ؟ أَتَعْجَبُ مِنْ شَيْبِي عَلَى صِغَرِي؟

إِنِّي وُلِدْتُ عَجُـوزَاً كَيْفَ تَعْتَجِبُ؟

وَاليَوْمَ أَذْوِي وَطَيْشُ الفَنِّ يَعْزِفُنِي

وَالأَرْبَعُونَ عَلَى خَدَّيَّ تَلْتَهِـبُ

كَذَا إِذَا ابْيَضَّ إِينَاعُ الحَيَاةِ عَلَى

وَجْـهِ الأَدِيبِ أَضَاءَ الفِكْرُ وَالأَدَبُ

وَأَنْتَ مَنْ شِبْتَ قَبْلَ الأَرْبَعِينَ عَلَى

نَارِ الحَمَاسَةَ تَجْلُوهَا وَتَنْتَحِبُ

وَتَجْتَدِي كُلَّ لِصٍّ مُتْرَفٍ هِبَةً

وَأَنْتَ تُعْطِيهِ شِعْرَاً فَوْقَ مَا يَهِبُ

شَرَّقْتَ غَرَّبْتَ مِنْ وَالٍ إِلَى مَلِكٍ

يَحُثُّكَ الفَقْرُ أَوْيَقْتَادُكَ الطَّلَبُ

طَوَّفْتَ حَتَّى وَصَلْتَ الموصِلِ انْطَفَأَتْ

فِيكَ الأَمَانِي وَلَمْ يَشْبعْ لَهَا أَرَبُ

لَكِنَّ مَوْتَ المُجِيدِ الفَذِّ يَبْدَأه

وِلادَةً مِنْ صِبَاهَا تَرْضَعُ الحِقَـبُ

حَبِيبُ مَا زَالَ فِي عَيْنَيْكَ أَسْئِلَةً

تَبْدُو وَتَنْسَى حِكَايَاهَا فَتَنْتَقِبُ

وَمَا تَزَالُ بِحَلْقِي أَلْـفُ مُبْكِيَةٍ

مِنْ رُهْبـَةِ البَوْحِ تَسْتَحْيِي وَتَضْطَرِبُ

يَكْفِيكَ أَنَّ عِدَانَاً أَهْدَرُوا دَمَنَا

وَنَحْنُ مِـنْ دَمِنَا نَحْسُو وَنَحْتَلِبُ

سَحَائِبُ الغَـزْوِ تَشْوِينَا وَتَحْجِبُـنَا

يَوْمَاً سَتَحْبَلُ مِنْ إِرْعَادِنَا السُّحُبُ؟

أَلاَ تَرَى يَا أَبَا تَمَّامَ بَارِقَنَا

إِنَّ السَّمَاءَ تُرَجَّى حِينَ تُحْتَجَبُ

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى