تقاريرسلايدر

أحجار الدمينو تتساقط في إفريقيا.. هل غربت شمس فرنسا عن القارة السمراء؟

في تأكيد جديد علي غروب شمس فرنسا من الغرب الأفريقي  بشكل خاص والقارة السمراء بشكل عام جاء انقلاب الجابون الذي أطاح بعلي بانجو من السلطة ومعه عائلة ديكتاتور البلاد الراحل عمر بانجو ومعه ٥٦عاما من حكم البلاد بالحديد والنار دون أن تظهر علي شعبها أي تداعيات إيجابية رغم تمتع البلاد بثروة نفطية كان معظم ارباحها يقسم علي العائلة وشركات النفط الفرنسية .

لعل أغرب ما عكسته التطورات الأخيرة التي جرت في الجابون وقبلها في النيجر أن فرنسا والتي كان  طوال تاريخها من أكبر الداعمين للانقلابات العسكرية في القارة السمراء منذ نهاية الحقبة الاستعمارية  صارت من المناوئين لها بل صارت تنظر إليها باعتبارها انتقاصا من حق الشعوب الإفريقية في الديمقراطية والحكم الرشيد.

وهذا نهج جعل باريس بحسب خصومها تقابل بشعور ممزوج بالسخرية والدهشة  رغم أن هذا الموقف يسهل  تبريره فإذا كانت الانقلابات العسكرية تخدم مصالح باريس وتؤمن مساعي شركاتها لنهب حقوق الشعوب الإفريقية  فأهلا بها ام أن  كانت تقود السلطة نخبا معادية لفرنسا فهي رجس من عمل الشيطان ينبغي مقاومتها واتخاذ جميع الوسائل لإسقاطها مادامت قد إطاحت بنخب موالية لباريس ولمصالح شركاتها التي لا هدف لها إلا نهب خيرات إفريقيا وإبقاء شعوبها أسيرة الفقر والتخلف.

انقلاب الجابون

بل إن يا ريس التي خسرت مصالحها وهيمنتها في 7دول أفريقية وأهمها مالي بوركينا فاسو والنيجر والجابون لن تتوقف خسائرها عن هذا الحد بل إن الهواجس صارت تنتاب الساسة الفرنسيين من احتمال تكرار هذا السيناريو في أكبر حليفتين لباربس في غرب وسط أفريقيا وهما الكاميرون وكوت ديفوار في ظل تشابه الأوضاع فيها مع الدول التي شهدت انقلابات عسكرية.

حيث يمثل كل من الرئيسين بول بيا ونظيره العاجي الحسن وتاراحالة صارخة من النفوذ الفرنسي الداعم الديكتاتوريات الإفريقية حيث يسيطر بيا علي الحكم في الكاميرون منذ العام ١٩٨٢ أثر مؤامرة قادتها باريس ضد سلفه وبطل الاستقلال  احمد أهيجوا  ومكنت بيا من مفاصل السلطة في البلاد خلال العقود الأربعة الماضية.

ولكن يبدو أن دوام الحال من المحال حيث أسهم  سقوط ديكتاتور الجابون علي بانجو  علي يد الانقلاب العسكري في زيادة حدة القلق لدي بيا من احتمال تكرار هذا السيناريو ضد  حيث اجري تغييرات كبيرة في المؤسسة العسكرية خشية أن يواجه مصيرا مماثلا يطيح به من السلطة ويدفع نخبا معارضة للنفوذ الفرنسي لصدارة المشهد في الكاميرون.

ولا يختلف الأمر فبما يتعلق برئيس  كوت ديفوار الحسن وتارا الذي اقدم هو الاخر علي إجراء تعديل دستوري امن له ولاية ثالثة في البلاد رغم أنف المعارضة العاجية مصحوبا بصمت فرنسي مطبق لاسيما أن وتارا الحليف الأول لباريس في الغرب الأفريقي قد وصل الي الحكم علي ظهر دبابة فرنسية أسقطت سلفه لوران جاجبو بشكل يجعل السيناريو النيجر ي – الجابوني مرشحا للتكرار في ساحل العاج.

النيجرورفض شعبي للنفوذ الفرنسي

سقوط أحجار الدومينو الموالية لباريس في غرب وسط أفريقيا ليس هو الاختبار الصعب الذي يواجه باريس بل إن انهيارالهيبة الفرنسية قد زاد من حالة الإذلال التي تعاني منها باريس متزامنة من حالة  الجراءة الشديدة عليها  من جانب قادة مالي والنيجروبوركينافاسو ومطالبة حكام نيامي بخروج القوات الفرنسية باعتبارها قوة احتلال.

ولم تكتف السلطات الانقلابيةبذلك بل شرعت في قطع الكهرباء والمياه والغاز عن مبني السفارة وإلغاء الحصانة التي يتمتع بها السفير الفرنسي في النيجر وأسرته  في رسالة واضحة  تؤكد أن المزاج العام في غرب أفريقيا لم يعد يقبل بالوجود الفرنسي باي شكل من الأشكال نتيجة السياسات الاستغلالية التي تعاملت فيها فرنسا مع طموحات الشعوب الإفريقية وثرواتها التي وقعت نهبا للشركات الفرنسية فبما حاصر حزام الفقر القارة السمراء.

فرنسا والكوارث الاستراتيجية

الكوارث الاستراتيجية التي تعرضت فرنسا في أفريقيا لم تقنع إدارة ماكرون بمراجعة السياسات الفرنسية منذ خروجها من مستعمراتها في ستينيات القرن الماضي أو الاعتراف باخطائها بشجاعة حيث  غدت باريس تجني ما زرعته يداها طوال العقود الستة الماضية مفتقدة للشجاعة التي  ابداها مفوض العلاقات الخارجية بالاتحاد الأوروبي بوريل  الذي شدد علي أن الانقلابات الثمانية في ٦دول أفريقية خلال الأعوام الثلاثة الماضية تؤكد خطأ السياسات الأوروبية تجاه القارة السمراء وبل يجب إعادة النظر في هذه السياسات.

فيما راي الدكتور حسن سلمان الخبير في الشئون الأفريقية أن كل التطورات الجارية في شرق ووسط أفريقيا تؤكد أن هذا الحزام الانقلابي ما هو إلا نتيجة السياسات الانتهازية التي اتبعتها باريس طوال العقود الماضية والتي كرست نوعا من المزاج آلافريقي المناهض للنفوذ الفرنسي مشيرا إلي أن شمس فرنسا توشك علي الغروب في أفريقيا أن لم تكن قد غربت.

الانقلاب في النيجر

وأضاف :تواصل الانقلابات العسكرية في إفريقيا في مواجهة الديموقراطيات التي ترعاها فرنسا وتنهب من خلالها ثروات الشعوب وكأنها تقول بأنه لا ديموقراطية حقيقية في ظل غياب السيادة الوطنية وهيمنة الاحتلال الغربي وتحكمه في من يحكم بالانتخابات المزورة.وها هي الجابون تدخل على خط الانقلابات.

ولم يستبعد سلمان إمكانية حدوث انقلابات عسكرية في دول مماثلة في غرب ووسط أفريقيا في ظل وجود نوع من الظروف المشابهة في دول اخري تتمتع فيها باريس بنفوذ كبير لافتا الي أن انقلاب الجابون قد أسهم في خلط الأوراق وأعطي انقلابيي النيجر فسحة من الوقت لالتقاط الأنفاس.

ونبه الي أن كل ما يجري في غرب أفريقيا يؤكد أن خارطة النفوذ قد تبدلت لصالح أمريكا والصين وروسيا حيث لم تعد باريس قادرة علي حماية مصالحها مما دعا واشنطن الدخول بقوة وعدم ترك أفريقيا تقع بين مطرقة روسيا وسندان الصين.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى