بحوث ودراسات

أحمد سعد حمد الله يكتب: إيران وإسرائيل.. والعداء المصطنع!

لم أكن أضرب الودع، أو أرجم بالغيب، عندما كتبت هنا قبل عام تقريبا، تحت عنوان (إيران وحماس.. والصفقة الأمريكية) أن إيران لن تدخل أبدا في حرب مع إسرائيل، فلم يكن جزمي بهذا الرأي، والقطع به، دافعه الظن، أو التخمين، أو الاعتقاد، إنما ناتج عن قراءة متعمقة، لحقائق تاريخية ثابتة، ووقائع آنية نراها رأي العين، تقول إن إيران لم تكن يوما من الأيام عدوة لإسرائيل، بل ربما صديقة، كما سنثبت بعد قليل، فكل الوقائع التاريخية، والحقائق الماثلة أمام أعيننا، تؤكد أن إيران لم تخض في تاريخها حربا واحدة ضد إسرائيل، ولا أظن أنها تنوي ذلك، على الأقل في المدى المنظور، ونفس الشيء ينطبق على إسرائيل، فكلاهما لا يفكر في محاربة الأخر، بيد أنهما بارعان، في التظاهر بالعداء وتبادل الكراهية، وادعاء الرغبة في دخول الحرب، لدرجة أنهما ومن شدة براعتهما، نجحا في المحافظة على استغفالنا، لأكثر من سبعين سنة متصلة، منذ احتلال إسرائيل لفلسطين 1948 وإلى الآن، بأنها تعادي إسرائيل، فعلى مدار كل تلك العقود وهي وإسرائيل يوهمانا، بأن بينهما وبين بعض ما صنع الحداد، وأن عدائهما لبعضهما متأصل، وعميق الجذور، لن ينتهي إلا بقضاء طرف على الأخر، دون أن نرى لهذا العداء أثرا ملموسا على أرض الواقع، حيث أنهما طوال الوقت، يتمترسان عند حدود التهويش، والتهديد، والوعيد فقط، ويخدران الناس من وقت لأخر ببعض التصرفات الخادعة التي لا تنطلي إلا على فقراء العقل، كأن تغتال إسرائيل مسؤولا إيرانيا، دون أن ندرك الأسرار الحقيقية وراء عملية الاغتيال هذه، لأننا لو أدركنا الأسرار، فلربما اكتشفنا أن كل الاغتيال يتم خدمة لإيران وليس العكس، فيما يعقب كل عملية اغتيال، تهديد ووعيد من جانب إيران لإسرائيل، يتطور التهديد أحيانا إلى رشقة صواريخ محددة الزمان والمكان حتى تأخذ إسرائيل حذرها منها، وتستعد لها، وبالتالي فهي لا تطول بشرا ولا حجرا ولا شجرا، وكلما شعر الإثنان بقرب استفاقة الناس من المخدر، كررا نفس المعلوب بنفس السيناريو مرة ثانية وثالثة ورابعة وألف، دون كلل أو ملل!

ولو أن إيران كانت صادقة يوما في عدائها لإسرائيل، وأمينة في موقفها من المقاومة الفلسطينية، ومخلصة في دعمها لحركة حماس، لرأيناها استغلت حربا واحدة من الحروب العديدة التي خاضتها حماس في مواجهة إسرائيل، لتنقض عليها، وتنتقم منها، إلا أن ذلك لم يحدث!

ومنذ أيام قليلة كنت قد نشرت (بوست) على صفحتي الشخصية بـ”الفيس بوك” تحديت فيه كل المخدوعين في موقف إيران من إسرائيل، قلت فيه: (اذكر لي حربا واحدة خاضتها إيران ضد إسرائيل) لم يكن هدفي من الـ(بوست) التهكم على هؤلاء المخدوعين، ولا السخرية ممن ردوا على السؤال باستهزاء، إنما لمجرد العلم بالشيء، ولتصحيح المعلومات، فلعلني أكون مخطئا، فأجد من يصحح لي خطأي، وانتظرت أياما، أخبرتني فيها الإحصائيات، أن الـ”بوست” قرأه أو شاهده أكثر من ألفين زائر، دون أن يكذبني أحد منهم، فاعتبرت ذلك بمثابة انتصاري في التحدي، وعليه فإنه يدهشني، أن أجد كل هذه الجموع من أبناء الأمة العربية والإسلامية، منهم صحفيون وكتّاب ومثقفون ومفكرون كبار، يعتقدون بغير، ويثقون بمعاداة إيران لإسرائيل، ما دليلهم؟ بل العجيب أنهم يبنون مواقفهم وآرائهم على هذا الأساس، معتبرين أن إيران الشيعية، على اختلاف مذهبها الديني معنا، أشرف وأنبل من كل دول الإسلام السني، لدرجة أن البعض منهم يتعصب لها، ولا يتحمل فيها كلمة نقد، أو لفظ اتهام مني أو من غيري، ممن يقولون على أن عدائها لإسرائيل، مصطنع، ولو أنهم أعملوا عقولهم، وحكموا منطقهم، في فهم المواقف بتحقق، وقراءة الأحداث بتعمق، لا بالظاهر منها، أو المنقول لهم عبر وسائل الإعلام الإسرائيلية والإيرانية، والأمريكية أيضا، لفطنوا إلى أنهم بصدد عملية استغلال، هدفها استغفالهم واستكرادهم، لترديد أكاذيب، وترويج أوهام، عن معاداة إيران لإسرائيل والعكس!

 فضيحة كونترا.. وكشف المستور

ومسؤولية الانخداع في إيران، والسير وراء السراب الذي يحسبه الظمآن ماء، لا تقع على العامة والبسطاء من الناس، بل تقع على السادة الصحفيين، والكتّاب والمثقفين، والعلماء، ممن ينساقون خلف الروايات الكاذبة، عن وجود عداء حقيقي بين إيران وإسرائيل، أو بين إيران وأمريكا، فتلك الفئات من الناس، التي تمثل النخبة المثقفة، ويٌفترض فيها أن تكون البوصلة الهادية لحقائق الأمور، والسراج المبدد لظلام السياسة، وجدناها تتوه بين الحقائق، وتتخبط في الظلمات، شأنها شأن العامة، حيث آراؤهم المكتوبة، وتصريحاتهم المعلنة، تنم عن قصور شديد في المعرفة، والجهل بالخلفيات، فهم لو كلفوا خاطرهم، وأجهدوا أنفسهم قليلا في البحث والقراءة، لعرفوا الكثير والكثير من الوقائع والحوادث، التي تجعل العلاقة بين الثلاثة (أمريكا وإيران وإسرائيل) أشبه بالرباط المقدس، الذي لا ينفصل أبدا، فالواضح أن القليل منهم هو من يعلم بالفضيحة الكبرى التي اشترك فيها هذا الثلاثي، قبل أربعين عاما تقريبا، وقطعت وقتها قول كل خطيب، تلك الفضيحة التي تفجرت أحداثها نهاية عام 1986 أثناء الحرب الشهيرة بين العراق وإيران ( 1980 – 1988) وعٌرفت باسم فضيحة (إيران -كونترا) أو ( إيران – جيت ) ذلك عندما قامت الولايات المتحدة الأمريكية وقت رئاسة الراحل رونالد ريجان، بتوقيع صفقة سرية مع إيران، لتزويدها بالأسلحة المتطورة، بهدف  دعمها في الحرب ضد العراق، مقابل إطلاق إيران سراح بعض الأمريكان الذين كانوا محتجزين في لبنان، حيث قضى الاتفاق على أن تبيع أمريكا لإيران عن طريق الملياردير السعودي عدنان خاشقجي، نحو ثلاثة ألاف صاروخ (تاو) و(هوك أرض جو) الأول مضاد للدروع، والثاني مضاد للطائرات، إضافة إلى دفع مبلغ مالي قيمته مليار ومائتين وسبعة عشرة مليون دولار، وقد تم توقيع تلك الصفقة في العاصمة الفرنسية باريس، بحضور كل من جورج بوش الأب الذي كان نائبا للرئيس الأمريكي في ذلك الوقت، وأبو الحسن بني صدر رئيس الوزراء الإيراني وقتها، بالإضافة إلى آري بن ميناش مندوب جهاز المخابرات الإسرائيلي (الموساد) والذي تولى مهمة الإشراف على نقل تلك الأسلحة الأمريكية إلى إيران، جزء عن طريق إسرائيل، والأخر عن طريق البرتغال، فيما تم إيداع المبلغ النقدي بأحد البنوك السويسرية، في حساب تاجر السلاح الإيراني (قرباني فر) وقد سميت الفضيحة بـ(كونترا) نسبة للجماعة السياسية المعارضة التي كانت موجودة في ذلك الوقت بدولة نيكاراجوا، وكان اسمها (كونترا) حيث كانت أمريكا تدعم تلك الجماعة، لمعاداتها للنظام الشيوعي الذي كان يحكم نيكاراجوا، وقد قامت أمريكا بتوجيه عائد هذه الصفقة بالكامل إلى تلك الجماعة.

أمريكا وإيران وإسرائيل والرغبة المشتركة

 ولكي نفهم الصورة أكثر، ينبغي علينا القول بإن أمريكا وإيران تجمعهما رغبة واحدة هي كراهية الإسلام السني، ويشتركان في هدف هو محاربته، فكلا الدولتين لا ترى على الأرض خطرا يهدد وجودها، أكثر من الإسلام السني، شاء من شاء وأبى من أبى ، ومن ثم فكلاهما يعمل طول الوقت على كيفية مواجهته، والسعي للخلاص منه، والقضاء عليه، ولأن رغبات أمريكا، هي بالضرورة رغبات إسرائيل، فإن إسرائيل تجمعها مع أمريكا وإيران نفس هذا الهدف، حتى وإن بدا المعلن غير ذلك، أو أقسم ثلاثتهم على المصحف والإنجيل والتوراة بغير ذلك، ومن هنا فإنه ليس من صالح أمريكا ومعها إسرائيل، معاداة إيران أو التخلص منها، لأنهما لو فعلا ذلك، لقُضي على الإسلام الشيعي الذي ترعاه إيران، ذلك الإسلام الذي تريد أمريكا أن تستبدله بالإسلام السني، ولذلك تتركه يلعب ويرتع في الشرق الأوسط، فضلا عن أنها تستخدمه لإخافة بعض كارهيها بالمنطقة مثل تركيا، ولو أن أمريكا كانت بالفعل جادة في عدائها لإيران كما يظهر من التصريحات، لاستغلت حربها الطويلة مع العراق، فأجهزت عليها، حيث كانت الفرصة وقتها سانحة جدا، نظرا لحالة الانهيار التي كانت عليها إيران، بعد تكبدها خسائر بشرية هائلة قدرت بأكثر من مليون قتيل وجريح، فضلا عن تداعيات الحرب الاقتصادية والسياسية والنفسية عليها، بيد أن الذي حصل كان العكس من ذلك تماما، حيث تركت أمريكا خصمها المعلن وهو إيران يلتقط أنفاسه من الحرب، ويستعيد قوته، فيما راحت تضرب في الحليف الذي هو العراق، فبعد الحرب بفترة غير طويلة وبالتحديد 2003، راحت أمريكا تفتعل أزمة سياسية مع النظام العراقي الذي كان يرأسه الرئيس الراحل صدام حسين، حيث اتهمته بحيازة أسلحة دمار شامل، وعلى إثر هذه التهمة الملفقة، قامت هي وسبع دول أوروبية بغزو العراق، وقضت على نظامه الحاكم، وفككت بذلك الجيش الوحيد الذي كان يخيف إيران بالمنطقة، بل الأعجب من ذلك هي أنها قدمت العراق على طبق من ذهب للعدو إيران، لتحول العراق من دولة سنية النظام، إلى دولة شيعية بامتياز، بعد أن أعادت رسم جغرافيته من جديد، وتمكين الميليشيات الشيعية منه، فيما كان الأكثر من ذلك، هو أن سمحت لإيران بالتمدد وتوسيع النفوذ في منطقة الشرق الأوسط بالكامل، كما سمحت لها بإنشاء جيش شيعي عابر للحدود، يضم قرابة المائة فصيل مسلح، كل فصيل يضم عشرات الآلاف من المقاتلين، يتوزعون في سوريا والعراق ولبنان، واليمن، وباكستان، وأفغانستان، وأذربيجان!

أعطوني أمارة واحدة، تدل على أن أمريكا وإسرائيل، تعاديان إيران!

أحمد سعد حمد الله
كاتب صحفي مصري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *