أقلام حرة

أحمد سعد فتال يكتب: أكبر هدف ينبغي أن يعمل له الثوار في سوريا

إن من عظائم القضايا التي يجب أن يتمسّك بها المسلمون اليوم، خاصة في بلاد الثورات، هي قضية تحكيم الشريعة، بل هي أعظم قضية، وأبرز مفهوم، وأكبر هدف ينبغي أن يُسعى له، لأنها ترتبط ارتباطاً وثيقاً بصلب العقيدة، فهي ليست مسألة تكميلية مثلما يظن بعض الناس، ولا تكون بعد أجيال من الاستقرار السياسي والوصول إلى أعظم قوة عسكرية، وتحقيق أكبر قدر من الرفاه المادي، كما قد يتخيّل آخرون.

 وإن مسألة توحيد الله في القوانين والقضاء لا تختلف عن توحيده في الشعائر والنُّسُك، وهذا كله داخل في مفهوم العبادة، قال تعالى: (إِنِ ٱلْحُكۡمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوۤا۟ إِلَّاۤ إِیَّاهُۚ ذَ ⁠لِكَ ٱلدِّینُ ٱلْقَیِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لَا یَعْلَمُونَ). فلا يمكن لمسلم أن يستعلن بدينه ويقول إنه ملتزم بعقيدته، ثم لا يكون تنفيذ الإسلام سياسياً هو كبرى الغايات التي يسعى إليها. والأقبح من ذلك أن يكون داعياً مخلصاً للعلمانية والدولة المدنية ومفرزاتها، مثل الدولة القُطرية ومفهوم المواطنة والانضمام للأمم المتحدة، وهذا ما نراه لدى فئة من الثوار في سوريا. وأقبح منه أن نرى بعض المسلمين يستهزئون بتطبيق الشريعة ويسخرون ممّن يدعون لها، لأنهم يختلفون معهم سياسياً في بعض الجزئيات والمواقف، أو لأن هناك مَن قدّم مثالاً سيئاً عن الدولة الإسلامية (تنظيم الدولة)، فليس هناك أي مبرر لأي مسلم أن يرفض إقامة الإسلام، أو حتى ألا يكون مهتماً بذلك.

وقد عاب الله على قسم من الناس، يدّعون الإيمان ثم يرفضون الانصياع إلى أوامر الله في جميع مناحي الحياة، وهؤلاء الناس هم المنافقون! قال جل جلاله: (وَیَقُولُونَ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَبِٱلرَّسُولِ وَأَطَعۡنَا ثُمَّ یَتَوَلَّىٰ فَرِیقࣱ مِّنْهُم مِّنۢ بَعْدِ ذَ ⁠لِكَۚ وَمَاۤ أُو۟لَٰۤىِٕكَ بِٱلْمُؤۡمِنِینَ * وَإِذَا دُعُوۤا۟ إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ لِیَحْكُمَ بَیْنَهُمۡ إِذَا فَرِیقࣱ مِّنْهُم مُّعْرِضُونَ * وَإِن یَكُن لَّهُمُ ٱلْحَقُّ یَأۡتُوۤا۟ إِلَیْهِ مُذۡعِنِینَ * أَفِی قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَمِ ٱرۡتَابُوۤا۟ أَمۡ یَخَافُونَ أَن یَحِیفَ ٱللَّهُ عَلَیْهِمۡ وَرَسُولُهُۥۚ بَلۡ أُو۟لَٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلظَّٰلِمُونَ). ثم بيّن الله صفات المؤمنين المستجيبين لله ورسوله، الذين لا يرون الدنيا إلا وسيلة للفوز برضوان الله والظَفَر بجنّته، فقال: (إِنَّمَا كَانَ قَوۡلَ ٱلْمُؤۡمِنِینَ إِذَا دُعُوۤا۟ إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ لِیَحْكُمَ بَیْنَهُمۡ أَن یَقُولُوا۟ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَاۚ وَأُو۟لَٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ * وَمَن یُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَیَخْشَ ٱللَّهَ وَیَتَّقْهِ فَأُو۟لَٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلْفَاۤىِٕزُونَ).

أما عن القدرة والاستطاعة والمجتمع الدولي، فإذا جعل الإنسان تطبيق الشريعة نصب عينيه، فإنه سيسعى لتذليل كل الصعاب التي تحول دون تحقيق هذا الهدف، فإذا كانت القوة العسكرية ناقصة سعى لتكميلها، وإذا كانت الأموال اللازمة قليلة عمِل لتكثيرها، وإذا كان هناك عقبات عسكرية من أعداء خارجيين وطابور خامس في الداخل وضع الخطة المناسبة للتعامل معهم وكفّ شرّهم، وإذا كان البلد المراد تنفيذ الإسلام فيها لا تستطيع القيام بهذا الأمر لوحدها بذل جهده للتنسيق مع القوى المخلصة في البلاد المجاورة لضمّها والتوحّد تحت راية الحق.

باختصار، إذا أراد الإنسان أمراً سعى له، وما من إرادة أعظم من إرادة الإنسان الثائر الذي واجه آلة القتل الغربية على مدى 13 عاماً في سوريا فصمد بوجهها. لكن يجب على هذا الثائر أن يتذكر أنه مسلم، وأن ربه أمره بإزالة الطغيان وإزالة الطاغوت، أما الطغيان فقد زال بزوال النظام المجرم، وأما الطاغوت فهو لا يزول إلا ببسط سلطان الإسلام، فالطاغوت هو التحاكم إلى غير شريعة الرحمن: (فَمَن یَكْفُرۡ بِٱلطَّٰغُوتِ وَیُؤۡمِنۢ بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱسْتَمۡسَكَ بِٱلْعُرۡوَةِ ٱلْوُثْقَىٰ لَا ٱنفِصَامَ لَهَاۗ وَٱللَّهُ سَمِیعٌ عَلِیمٌ) و: (أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِینَ یَزۡعُمُونَ أَنَّهُمۡ ءَامَنُوا۟ بِمَاۤ أُنزِلَ إِلَیْكَ وَمَاۤ أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ یُرِیدُونَ أَن یَتَحَاكَمُوۤا۟ إِلَى ٱلطَّٰغُوتِ وَقَدۡ أُمِرُوۤا۟ أَن یَكْفُرُوا۟ بِهِۦۖ وَیُرِیدُ ٱلشَّیْطَٰنُ أَن یُضِلَّهُمۡ ضَلَٰلَاً بَعِیداً).

أحمد سعد فتال

ناشط سياسي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى