مقالات

أحمد سعد فتال يكتب: إنكم تضعونها في غير موضعها (4)

 ﴿وَٱلۡفِتۡنَةُ أَشَدُّ مِنَ ٱلۡقَتۡلِ﴾

يفهم بعض الناس قوله تعالى: ﴿وَٱلۡفِتۡنَةُ أَشَدُّ مِنَ ٱلۡقَتۡلِ﴾ على غير المراد منه، ويُنزِلونه على غير محلّه، فيظنون أن المقصود بالفتنة هنا هو ما يحصل من صراع بين المسلمين والظالمين، وما ينتج عنه من قتل وفوضى واختلال لأحوال البلاد، ويستشهدون بهذه الآية لمنع مقاومة الناس للحكام العملاء، فيقولون إن الخروج عليهم يسبب فتنة، والله عظّم من شأن الفتنة فقال ﴿وَٱلۡفِتۡنَةُ أَشَدُّ مِنَ ٱلۡقَتۡلِ﴾.

أما قوله تعالى: ﴿وَٱلۡفِتۡنَةُ أَشَدُّ مِنَ ٱلۡقَتۡلِ﴾ فهو جزء من آية: ﴿وَٱقۡتُلُوهُمۡ حَیۡثُ ثَقِفۡتُمُوهُمۡ وَأَخۡرِجُوهُم مِّنۡ حَیۡثُ أَخۡرَجُوكُمۡۚ وَٱلۡفِتۡنَةُ أَشَدُّ مِنَ ٱلۡقَتۡلِۚ..﴾ [البقرة ١٩١]، التي تتحدث عن العلاقة بين المسلمين في المدينة، والمشركين بمكة، والقتال الناشئ عنها، فيأمر الله جل جلاله المسلمين بقتل الكفار المحاربين في أي مكان تمكّنوا فيه منهم. قال الإمام الطبري: “يعني تعالى ذكره بذلك: واقتلوا أيها المؤمنون الذين يقاتلونكم من المشركين حيث أصبتم مَقاتِلَهم وأَمْكنكُم قتلَهم، وذلك هو معنى قوله: ﴿حيث ثقفتموهم﴾”. وأضاف “وأما قوله: ﴿وأخرجوهم من حيث أخرجوكم﴾ فإنه يُعنى بذلك المهاجرون الذين أُخرجوا من ديارهم ومنازلهم بمكة، فقال لهم تعالى ذكره: أخرجوا هؤلاء الذين يقاتلونكم – وقد أخرجوكم من دياركم – من مساكنهم وديارهم كما أخرجوكم منها”.

أما قوله تعالى: ﴿وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ﴾، فالمقصود به الكفر، أي أن فتنة الكفار للمسلمين بمحاولتهم إرجاع المسلمين عن دينهم وإعادتهم لحظيرة الكفار أعظم من القتل. قال الطبري: “﴿والفتنة أشد من القتل﴾: والشرك بالله أشدُّ من القتل”. وتابع “فتأويل الكلام: وابتلاء المؤمن في دينه حتى يرجعَ عنه فيصير مشركاً بالله من بعد إسلامه، أشدُّ عليه وأضرُّ من أن يُقتل مقيمًا على دينه متمسكاً عليه، مُحقَّاً فيه”.

وذكر الإمام ابن كثير في تأويل هذه الآية: “ولمّا كان الجهاد فيه إزهاق النفوس وقتل الرجال، نبّه تعالى على أن ما هم مشتملون عليه من الكفر بالله والشرك به والصد عن سبيله أبلغ وأشد وأعظم وأَطم من القتل”. وقد قال مجاهد وسعيد بن جبر وعكرمة والحسن وقتادة وغيرهم في قوله تعالى: ﴿وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ﴾ أن “الشرك أشد من القتل”.

إذن، هذا هو المعنى الصحيح للآية، الذي عبر عنه التابعون وأئمة التفسير، وهي لا تدل بأي حال من الأحوال على منع القيام بالحق، وتحرك الناس لإزالة الظلم، وكفاح المُبطِلين، بل على العكس، فالآية تؤكد أن بقاء الكفر -الذي يتمثّل اليوم بالأنظمة العلمانية والحكام الذين يطبّقونها- وتحكمها بالمسلمين وإخضاعهم لقوانينها أعظم من أن يُقتل مسلمون في سبيل تحييد هذه الأنظمة وإعادة الأمور إلى نصابها: حكماً بالشرع وقيادةً بالحق والعدل.

إن الفهم الخاطئ لهذه الآية جعل كثيراً من المسلمين لا يقومون بواجبهم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والصدع بالحق، ومقاومة الظالمين، وإذن قد خرجوا من معادلة الصراع مع الحكام الخونة، والذين لا شك يفرحون ويطمئنون بهذا، فلا شيء يُسعِد الطاغية أكثر من “تدجين” الناس باسم الإسلام والشريعة.

لذلك يجب أن يدرك المسلمون أنه لا يوجد نص من كتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، يُجيز لهم السكوت عن الأنظمة العلمانية والرضى بها، فالإسلام بطبيعته يرفض الكفر، ويأبى إلا أن تكون له السيادة والغلبة، كما قال المصطفى عليه الصلاة والسلام: «الإسلام يعلو ولا يعلى عليه» رواه البيهقي.

كما ينبغي أن يعلم المسلمون أنهم مُحاسبون إن قصّروا في العمل لإقامة الدين وتطهير الأرض من القوانين الوضعية، قال تعالى مخاطباً نبيه -والخطاب يشمل الأمة كذلك-: ﴿ثُمَّ جَعَلۡنَـٰكَ عَلَىٰ شَرِیعَةࣲ مِّنَ ٱلۡأَمۡرِ فَٱتَّبِعۡهَا وَلَا تَتَّبِعۡ أَهۡوَاۤءَ ٱلَّذِینَ لَا یَعۡلَمُونَ إِنَّهُمۡ لَن یُغۡنُوا۟ عَنكَ مِنَ ٱللَّهِ شَیۡـࣰٔاۚ وَإِنَّ ٱلظَّـٰلِمِینَ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِیَاۤءُ بَعۡضࣲۖ وَٱللَّهُ وَلِیُّ ٱلۡمُتَّقِینَ﴾ [الجاثية ١٨-١٩].

منتدى قضايا الثورة

أحمد سعد فتال

ناشط سياسي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى