السبت أبريل 27, 2024
أقلام حرة

أحمد سعد فتال يكتب: التعذيب وتجربة «سجن ستانفورد»

كيف يتحوّل الثائر إلى جلّاد؟ هذا سؤال طُرح مراراً مع ظهور نماذج مشوّهة كان يُفترض بها أن تناهض الظلم، وتُقدم صورة مشرقة عن العدل، وإذ بها تصير نسخةً مصغّرة عمّن ثارت عليه. وعلى سبيل التخصيص، كيف يستطيع مَن كان ضحيةً معذَّباً في معتقلات نظام الأسد، أن يمارس التعذيب نفسه -أو ربما أشد منه- حينما قَبَضَ على شيء من السلطة فيما يُعرف بالمناطق المحررة شمال غربي سوريا؟

أو لَمْ تكن ممارسات الأفرع الأمنية لنظام البعث من الدوافع الرئيسة للثورة؟

ألا يناقض ذلك مفهوم الثورة أساساً؟

تذكّرني هذه الظاهرة بتجربة عالم النفس الأمريكي، فيليب زيمباردو، في جامعة ستانفورد التي اشتُهرت بتجربة «سجن ستانفورد».

التجربة التي هدفت لمعرفة تأثير الأدوار والبيئة على الأشخاص حصلت عام 1971م بعد إنشاء بيئة سجن في أحد أقسام الجامعة، ثم أُعلن عن فرصة للتطوع في التجربة، فتقدم فرابة 70 متطوعاً، واختير 24 شخصاً منهم بعد المقابلات والاختبارات المعيارية للتأكد من استقرارهم النفسي. وُزعت الأدوار على المتطوعين عشوائياً بين حرّاس وسجناء، وطلب من مجموعة السجانين أن يذهبوا لمحل أزياء عسكرية ليشتروا الثياب العسكرية، ومن أجل تعزيز دور السلطة والقوة في الحرس، ألبسوهم نظارات سوداء، وسلموهم العصي الخاصة بهم.

بدأت التجربة من لحظة اعتقال المجموعة الثانية (المساجين) إلى التحقيق ثم السجن، مُنع السجانون من تعنيف المساجين فقط، أما ما سوى ذلك فقد طلب العالم الأميركي زيمباردو من السجانين أن يضغطوا نفسياً على المعتقلين، وطمأنهم بأنهم محصّنون قانونياً، ولن يمسهم أي أذى بسبب تصرفاتهم. مر اليوم الأول من التجربة بسلام؛ لكن في الأيام التالية، وبعد أن علا صوت المساجين بالتذمر، استطال عليهم السجانون (الأسوياء والمستقرون نفسياً) وبدأوا بتعنيفهم والاعتداء عليهم؛ بل تفتّقت أذهانهم عن أساليب مختلفة في إذلال المساجين، منها أنهم كانوا يأمرون بعض المساجين بتنظيف المراحيض بأيديهم دون قفازات! وكانوا أحياناً يأمرونهم بالتعرّي والنوم عرايا على البلاط، وحين ظن السجانون أن الكاميرات لا يمكن أن تراهم في الليل، فقد وصل الحال بهم إلى الانتهاكات الجنسية. لم تمنع التعليمات الصارمة التي تلقاها السجانون بمنع الضرب والتعذيب من أن يسلكوا هذا المسلك ويبالغوا فيه إلى حد كبير، لذلك فإن التجربة التي كان من المقرر أن تستمر أسبوعين، اضطر الدكتور زيمباردو لإنهائها في اليوم السادس، بعد أن أصبح الوضع لا يُحتمل أبداً.

مع أن التجربة كانت تريد معرفة سلوك المسجونين حين يتعرضون للضغط النفسي، إلا أن من طرأت عليه التحولات النفسية الكبيرة بدايةً هم مجموعة السجانين، ولم يسلم من ذلك حتى الباحث زيمباردو، الذي كان يشاهد كل التصرفات في غرفة مراقبة خاصة، وأعلن فيما بعد أنه ومع الانغماس في التجربة، صار يتصرف وكأنه مدير السجن وليس باحثاً في #علم_النفس!

استخلص زيمباردو من هذه التجربة عدة استنتاجات، أهمها أن طبيعة المكان وأدوات القوة من: (بزّة عسكرية، وأحذية ثقيلة، وكلبشات، وعصي، ونظارات عاكسة) قد تؤثر على سلوك الإنسان وتطبعه بطباعها القاسية الغليظة، كما أن غياب الرقابة يخرج أسوأ ما في داخل الإنسان، وهذا بالمناسبة ما حصل مع الجهاز الأمني في الفصائل العسكرية التي ظهرت في ثورة الشام.

لكن هذه التجربة تطرح سؤالاً ضرورياً: هل أدوات القوة تُجبر أي إنسان يمتلكها على التعذيب وممارسة الظلم عموماً؟

والجواب «لا» حتماً، فالأمر بأجمعه مرتبط بما يحمله الإنسان من فكر، ومدى التزامه بهذا الفكر واستحضاره له في سلوكه، فطبيعة المكان ومظاهر القوة وانعدام المحاسبة، قد تدفع الأشخاص غير المحصنين فكرياً إلى هذا المنزلق الوخيم من اعتداء واستكبار وتعذيب، وهؤلاء مَن تنطبق عليهم تجربة زيمباردو، أما من تشرّبوا أحكام الإسلام وكانوا مهيّئين تهيئة صلبة للقيادة والمسؤولية، فلا يمكن للقوة والسلطة أن تغيرهم بحال.

لذلك يجب على الثورات أن تتسلّح بالفكر فهو أساس التغيير، وصانع الحضارة، وعماد النهضة، أما مَن يركز على القوة العسكرية والنفوذ فحسب، فقد بدأ من حيث انتهت الأنظمة الكافرة العميلة التي ثارت الجماهير لإسقاطها.

منتدى قضايا الثورة

Please follow and like us:
أحمد سعد فتال
ناشط سياسي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

قناة جريدة الأمة على يوتيوب