أحمد سعد فتال يكتب: الحراك الشعبي وفـخ «رفض الحزبية»
دائماً ما يسعى الطغاة المستكبرون، الجدد منهم والقدماء، إلى مواجهة أية حركة احتجاجية تنشأ ضدهم عبر عدة أساليب، خشنة وناعمة، من أبرزها «سياسة التفكيك»، القائمة على تجزئة الحراك الشعبي إلى فئات، وترتيبها بحسب خطورتها على الطاغية، ثم التركيز على ضرب فئة تلو الأخرى وفق درجة الخطورة.
وكثيراً ما تكون الأحزاب السياسية هي أول فئة مستهدفة، لأنها جماعات منظمة تستطيع أكثر من غيرها التأثير على الظالم المستبد وزعزعة أركان ملكه وفضح خططه الماكرة وأدواته القذرة، وتبصرة الشعب بها، فالطاغية يغضب إن انتفض الناس في وجهه، لكن غضبه يصل إلى الذروة إن كانت احتجاجات الناس يقودها أو يؤثر عليها حزب قوي، يعرف هدفه، ويمتلك إرادته، وقادر على الحشد والتوجيه.
ولأن زعيم هيئة تحرير الشام، أبا محمد الجولاني، من جنس الظالمين المستبدين، فهو يتّبع هذه السياسة حذو النعل بالنعل، إذ يعمد في الوقت الراهن إلى إضعاف الحراك الشعبي السلمي المناهض له في إدلب، باستخدام «سياسة التفكيك»، عبر التركيز على فئات معينة بالحراك، والترويـج بأن الاحتجاجات تابعة لها، حتى يتبرأ أفراد الحراك منها فيسهل على الطاغية إنهاءها أو إضعاف فاعليتها على الأقل، وذلك قبل أن يتفرّغ للتخلص من بقية شرائـح المحتجّين.
هذا ما يرغب به الطاغية ويخطط له، لكن: ماذا عن الحراك والجماهير؟ ماذا يجب عليهم أن يتصرفوا إزاء هذه السياسية؟
في الحقيقة، إن أكبر خطأ يرتكبه أي حراك شعبي هو السماح للطاغية بأن يجزّئه حين يعلن -أي الحراك- أو أجزاء منه، عدم تبعيتهم لأي حزب دون أن يؤكدوا في الوقت ذاته على حق الأحزاب والجماعات «المخلصة» بالمشاركة في الحراك وفي النشاطات السياسية عموماً، فهذا يمنح الظالم «رخصة» الاستفراد بهذه الجماعة أو تلك، التي هي جزء أصيل من الاحتجاجات، وإضعافها يعني إضعاف المحتجين والتقليص من قوتهم.
وإن كان بعض المنخرطين بالحراك في إدلب يرفضون الاصطفاف مع أي حزب، فلا أقلّ من أن يؤكدوا أن كل المشاركين بالاحتجاجات، على اختلاف توجهاتهم، هم إخوة ربما يختلفون بأفكار جزئية لكن تجمعهم أهداف كلية مشتركة هي إسقاط الجولاني، وحلّ جهاز الأمن العام، وإخراج المعتقلين، واستئناف المعارك ضد نظام الإجرام، كما يجب التشديد على أن استهداف أي فئة من الحراك هو استهداف للحراك بأجمعه.
ينبغي على أهلنا الكرام في إدلب أن يدركوا أن العمل الحزبي القائم على الإسلام ليس سبّةً ولا عاراً، بل هو واجب، فقد قال الله جل جلاله: (وَلۡتَكُن مِّنكُمۡ أُمَّةࣱ یَدۡعُونَ إِلَى ٱلۡخَیۡرِ وَیَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَیَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِۚ وَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ)، وأنه إذا كان هناك حزب سياسي أو حتى فصيل عسكري، يعمل لصالح الأمة، وتغيب المنافع الآنية والمصالح الشخصية عن منهجه وأدبياته، فإن دعمه ليس من خوارم المروءة أو رذائل الأخلاق، بل من محاسن الأعمال، فمناصرة المخلصين بعضهم بعضاً فيه استجابة لأمر الله بالاعتصام بحبله: (وَٱعۡتَصِمُوا۟ بِحَبۡلِ ٱللَّهِ جَمِیعࣰا وَلَا تَفَرَّقُوا۟ۚ) وفيه تنفيذ لأمره تعالى بالسير مع الصادقين: (یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ ٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ وَكُونُوا۟ مَعَ ٱلصَّـٰدِقِینَ).
فيجب أن نميز الصادق من الكاذب في الأحزاب والجماعات، فندعم الصادقين ونرفعهم، ونلفظ الكاذبين ونؤخّرهم، دون أن نقع في فخاخ الطغاة الذين يبشّعون من صورة الأحزاب، لاسيما المخلصة منها، لإدراكهم بأنها من أقوى أدوات الشعوب في التغيير.
منتدى قضايا الثورة