أقلام حرة

أحمد سعد فتال يكتب: النُصرة المُنتجة لغزة.. كيف تكون؟

في خضم الأحداث الملتهبة في قطاع غزة، والحرب الشعواء التي يقودها المحتل الجبان على المدنيين العزل، وما يقابلها من ثبات أسطوري للمقاتلين والناس على حد سواء، انطلقت جموع المسلمين داخل العالم الإسلامي وخارجه نصرةً لغزة، وتنديداً بعدوان الكيان المحتل المدعوم بقوة من المجتمع الدولي المجرم، وعلى رأسه الولايات المتحدة.

لا ريب أن هذه الجماهير التي اندفعت للتضامن مع إخوانها في غزة هي جماهير صادقة، وفيها خير عميم، لكننا نرى في الوقت ذاته أن حركة الناس تستطيع أن تحقق الفائدة المرجوّة، وتصل إلى مرادها، لو ابتعدت عن الشعارات العامة والأهداف الفضفاضة، وحصرت أهدافها في إطار معيّن يتمثّل في تحديد السبب الذي جعل الأرض المباركة خاضعة للاحتلال، وإزالة العوائق التي تمنع نصرة غزة وفلـسطين عموماً.

وباختصار غير مُخل، فإن سبب احتلال فلسطين وتجمُّع حثالات البشر فيها، هو تفكك الأمة إلى دول متعددة، وغياب الدولة الجامعة للمسلمين، التي ترعاهم بشريعة الله، وتدافع عن أراضيهم كما تدافع الأم عن ابنها الرضيع، ولا أدلّ على ذلك من أن الخليفة العثماني، عبد الحميد خان، وهو آخر الخلفاء الأقوياء في تاريخ دولة لخلافة، رفض كل المغريات المالية اليهودية للسماح لليهود بإقامة حكم ذاتي في فلسطين، وقال حينئذ مقولته التي كتبها التاريخ بمداد من نور «والله إن عمل المبضع في جسدي أهون علي من أن أرى فلسطين قد بُترت من أرض الخلافة»، وهذا ما جعل أعداءه من يهود وحلفائهم من الغرب يصرّحون: «إننا لن نستطيع أن ننفذ ما نريد في وجود هذا الرجل»، وقد دفعهم ذلك إلى الانقلاب عليه عام 1909م، وتسليم الحكم للقوميين الأتراك المُعادين للإسلام، ثم دخلت الجيوش البريطانية فلسطين عام 1917، وأجهزت على دولة الخلافة عبر مصطفى كمال سنة 1924، قبل أن تسلّم فلسطين للعصابات الصهيونية عام 1947، ما يعني أن فلسطين كانت محفوظة بوجود الخلافة، ثم ضُيّعت بسقوط تلك الدولة العظيمة.

هذا عن سبب احتلال فلسطين، أما عن العوائق التي تمنع نصرة المسلمين لفلـسطين، فهو وجود الأنظمة العميلة المتجبّرة، التي لا تقف حاجزاً أمام تحرير الأرض المباركة فقط، بل تحُول بين المسلمين وبين رغبتهم العارمة في توحيد بلادهم من جديد وإعادة دولة الخلافة، وقد رأى الجميع كيف أنها وقفت تشاهد العدو وهو يدمّر البشر والـحجر في غزة، ولم تُحرّك أياً من قواتِها التي تتكوّن من أفراد الأمة، وتم تمويلها من أموال المسلمين، بل إن بعض هذه الأنظمة الذليلة التابعة منعت حتى التعاطف مع فلسطين، مثل النظام السعودي.

إذا علمنا سبب ضياع فلسطين، والحواجز التي تمنع تحريرها، فيجب أن تكون أهداف الأعمال التي تبتغي نصرة فلسطين حالياً متركّزة على إسقاط الأنظمة المجرمة عبر الضغط على المخلصين في الجيوش للانحياز إلى الأمة، ثم توحيد قوى المسلمين تحت راية دولة واحدة تتولّى تحرير فلسطين وطرد اليهود المحتلين وداعميهم الغربيين.

ولا يقولنّ أحدٌ إن هذا «مستحيل» أو «صعب»، فقد جرّب المسلمون كل الطرق الأخرى ولم يحصدوا منها إلا الهوان، وإن الأمة إذا كانت لها إرادة حقيقة وتوكلت على الله الذي وعدها بالنصر، وكتب لها وراثة الأرض، فلا أحد يستطيع الوقوف في وجهها من قوى الشر.

على الأمة فقط أن تدرك حجم قوتها، وتحدد أهدافها بوضوح، وتخوض المعركة عن بصيرة، وقتها سيكون النصر حليفها مهما تكبّدت من خسائر بشرية أو مادية، فهذه التكلفة لا بد من دفعها في سبيل معركة التحرير.

أحمد سعد فتال / ناشط سياسي.

منتدى قضايا الثورة

أحمد سعد فتال

ناشط سياسي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى