أقلام حرة

أحمد سعد فتال يكتب: كيف نضمن تحقيق العدل وردع الطغيان في سوريا؟

من العوامل الأساسية في إرساء العدل واستئصال الاستبداد وقطع دابر الظلم في أية دولة، أن يتوافق الشعب والحاكم على أسس فكرية تحقق رؤية المجتمع للعدل والحرية والكرامة، وسائر القيم التي يحبّونها، فكل أمة وثقافة لها منظورها للعدل والظلم والسعادة والأخلاق. لذلك من الخطأ الفاحش أن يفوّض الناس أي شخص لحكمهم دون أن يطلبوا منه تبيين مشروعه الفكري والسياسي، فيسيرون خلفه بوضوح، ويوالونه بالوعي لا بالعاطفة. هذا المشروع يمثّل ضمانة للناس حتى لا تنحرف الدولة ويتدهور المجتمع، وهو أيضاً ينبغي أن يُسعِد الحاكم إذا كان صالحاً، فهو يمنعه من الطغيان ويجنّبه مزالق الشرّ التي قد يقذفها الشيطان في خاطره.

هذه القاعدة ينبغي أن يضعها الناس بحسبانهم في الواقع السوري الراهن، لاسيما الثوار والمهتمين بالشأن العام، فلا تدفعهم الفرحة بسقوط طاغية العصر، بشار الأسد، إلى إهمال التفكير بنظام الحكم الجديد، فَقِيام نظام حكم مستبد أو فاسد أو مجرم في سوريا بعد الأسد، يعني أن كل التضحيات والعذابات التي بذلها أهل البلاد على مدى نصف قرن ذهبت أدراج الرياح.

ولا يَستهيننَّ أحد بأهمية المشروع السياسي، فهاهم الأنصار (القوة العسكرية لدولة المدينة) اتّبعوا رسول الله على بصيرة، حيث دعَوه أن يطرح مطالبه فقال لهم: «أبايعكم على أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم» فوافقوا بعدما أخبرهم أن جزاء ذلك هو «الجنة»، ثم طلبوا منه ضمانات مقابل النصرة العسكرية التي سيمنحوها له، فقال له أبو الهيثم بن التيّهان «إن بيننا وبين الرجال (اليهود) حبالاً (عُهوداً) وإنا لقاطعوها، فهل عسيت إن فعلنا ذلك ثم أظهرك (نصَرك) الله أن ترجع إلى قومك وتدعنا، فتبسم الرسول وقال: بل الدم الدم والهدم الهدم، أنا منكم وأنتم مني، أحارب من حاربتم وأسالم من سالمتم»

 رواه ابن إسحاق.

فَلَم يمشِ الأنصار وراء النبي الكريم على نحو أعمى، حيث فهموا طبيعة الدعوة وشروط الدولة، واستوثقوا من رسول الله حول بقائهم معهم حتى النهاية وإمكانية انحيازه إلى قومه مجدداً. فإذا كان هذا الأمر حصل مع محمد عليه الصلاة والسلام، وهو النبي المعصوم، فكيف بنا مع الأشخاص في عصرنا الحالي حيث بعُد الناس عن الإسلام، وتكاثر الشر، وحُكمت مجتمعاتنا بيد أعدائها؟

وقد يُقال هنا إن توضيح المشروع لا يضمن العدل، إذ قد ينحرف الرئيس عن القواعد التي وعد بتطبيقها، فتصبح كل هذه الأسس والشروط لا فائدة لها. والجواب على ذلك، أن استيضاح الناس من الحاكم، أو المرشّح للحكم، حول رؤيته السياسية، لا يعني أن ينام الجماهير بعدها ويتركوا الحياة السياسية! بل لا بد من دوام المراقبة والمحاسبة للسلطة واليقظة على أداء القيادة حتى تبقى الأمور مستقيمة، لكن حتى تكون المحاسبة مُجدية فينبغي أن يكون هناك مدوّنة قانونية قد اتفق عليها الناس مع السلطة، وإلا فعلى أي شيء سيحاسب الشعبُ الحاكم؟ إذ قد يقول للناس ببساطة لو طلبوا منه شيئاً وراجعوه في أمر: «أنا لم أتعهّد لكم بتطبيق هذا أساساً!»، وإذن تضطرب أحوال المجتمع وينقسم الناس وربما تلجأ الحكومة للعنف والحل الأمني في التعامل مع الشعب.

إن الأسس الفكرية والقانونية التي يجب أن يطلبها الناس من السلطة في سوريا هي الأسس المبنية على الإسلام، فنحن المسلمون لسنا أمة لقيطة لنستورد المبادئ الدستورية والقوانين المرعيّة من الغرب، ولسنا مجبرين بل نحن آثمون خاسرون إن اتّبعنا معاييره في الحكم والسياسة.

ويجب أن نكون واثقين بأننا لن ننعم بالأمان الطويل والسلام المستدام لو تخلّينا عن الإسلام اتّباعاً للغرب، وأن طريق نهضتنا، وحل مشكلاتنا جذرياً، ومنع الطغيان أن يطل برأسه مجدداً يكون بالإسلام فقط عقيدةً وتشريعاً. فليدرك هذا أصحاب العقول.

منتدى قضايا الثورة

أحمد سعد فتال

ناشط سياسي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى