أحمد سعد فتال يكتب: مبادرات الإصلاح في المحرر وأهداف الثورة السورية
مع مرور الأيام، واستمرار الحراك الشعبي بالاتّقاد، ومواصلة زعيم هيئة تحرير الشام أبي محمد الجولاني مواجهة المتظاهرين بالعنف، عبر الاعتقالات والتهديدات، تظهر مبادرات للإصلاح ورأب الصدع بين الناس، منها مبادرات كُتبت بقلم الجولاني للالتفاف على الحراك، ومنها مبادرات مستقلة على غرار مبادرة الإصلاح والتغيير التي أطلقها 51 شيخاً وأكاديمياً يوم 29/5/ 2024.
لستُ هنا في معرض مناقشة تفاصيل المبادرة، وإبداء الرأي بخطأ أو صواب كل واحد من بنودها، لكنّ الغريب أن أياً من نقاط المبادرة السبع لا يصرّح أو يلمّح إلى المسألة الأهم التي ينبغي -من المنطلق الثوري- أن تكون على رأس أولوياتنا، وهي استئناف المعارك لتحييد نظام الإجرام، حيث ركّزت المبادرة على تشكيل مجلس شورى، ومجلس للقيادة من الفصائل العسكرية والحكومة، وتبييض السجون من المظلومين ومعتقلي الرأي.
في الحقيقة، إن المبادرة الجديدة تشابه مثيلاتها من المبادرات والتوصيات المتعلقة بالحراك الشعبي المناهض للجولاني، والتي تتعامل مع منطقة إدلب تعامل “الدولة المستقرة”، فتسلط الضوء على الإصلاحات التي ينبغي إجراؤها، والكيفية المثلى لإدارة المنطقة، دون التطرّق للجانب العسكري وإستراتيجية التحرير، وكأن تلك الطروحات تتماهى -عَلِم بذلك أصحابها أو جهلوا- مع القرار الدولي الذي يقضي بتكديس الناس في إدلب، وإيقاف قتال نظام الأسد، تمهيداً للتسوية السياسة مع العصابة المجرمة وإنهاء الثورة عملياً.
إن أي طرح تغييري أو مبادرة إصلاحية بهذا الشأن يجب أن ترتكز على معالجة السبب الرئيس لمعاناة الناس، إذ إن الأمور بأساسها وقواعدها، ولا يجوز الالتفات عن الأصل إلى الفرع، والتركيز على النتائج ونسيان الأسباب، بمعنى: أن الحالة السياسية والعسكرية والديمغرافية الراهنة في إدلب جاءت نتيجة فقدان قرار الفصائل من جهة، وإجرام عصابة الأسد التي جعلت مئات آلاف الناس تلجأ للعيش في هذه المنطقة من جهة أخرى.
أما فقدان قرار الفصائل فأدى إلى تصدّر المجرمين والعملاء والمنتفعين للقيادة، ورافق ذلك تجميد للمعارك وفق الخطوط المرسومة دولياً، وحُكْم الناس بأساليب أمنية تفتقد للرعاية والتفهُّم. كما أن إجرام نظام الأسد من خلال حملاته العسكرية -التي تهاونت الفصائل أمامها بتعليمات خارجية- أجبر سكان مناطق مختلفة في حلب ودرعا والغوطتين وحمص وأرياف إدلب وحماة على ترك بيوتهم وأراضيهم والهجرة نحو إدلب، ما أدى إلى اكتظاظ سكاني وتضاعف عدد المخيمات، وتدهور اقتصادي كبير.
هنا، إذا اتفقنا على عوامل الأزمة، فيجب أن ننطلق منها في الحل، فنركّز على إبعاد الصف القيادي الأول في الفصائل العسكرية، إذ إن هؤلاء حجر عثرة أمام قتال النظام، نظراً لارتباطهم بالمجتمع الدولي، وندعو أيضاً إلى تشكيل قيادة جديدة تكون مسألة فتح الجبهات المهمة الأولى لها، لا أن نطالب فقط بقيادة صالحة رحيمة بالناس دون أن تلتزم بثوابت الثورة وضرورات المرحلة.
يجب على المتصدّرين للشأن العام أن يكونوا جريئين في الطرح، ويخرجوا من الأقفاص التي وضعها الغرب على الثورة وحَوْلها، فالناس لم يخرجوا قبل 13 عاماً من أجل إدارة إدلب، ولا حتى أن يَحكموا ما يُعرف اليوم بالمناطق المحررة، بل زأروا بصوتهم من أجل إزالة نظام عميل سامهم سوء العذاب وخان مصالح الشعب والأمة خِدمةً للأعداء، فلا يجوز للمشكلات البينية وعثرات الطريق أن تنسينا هذا الهدف الأسمى، بل ينبغي الانتباه إلى أن تلك المشكلات صنعها أعداؤها ليشغلونا عن غايتنا الكبرى المتمثلة بإسقاط نظام الأسد الذي يُعد إحدى الركائز الأساسية للنظام الدولي، بما يحمله من اتفاقيات استعمارية كاتفاقية سايكس بيكو ومعاهدة سان ريمو، والتي حصلت إثر هزيمة الدولة العثمانية الإسلامية في الحرب العالمية الأولى؛ فلا حل لمشكلة المحرر والثورة عموماً إلا بتغيير القيادة وتصويب السهام نحو النظام، دون ذلك سنبقى غارقين بالمستنقع، نهوي في غياهبه يوماً تلو الآخر.
منتدى قضايا الثورة