مقالات

أحمد سعد فتال يكتب: مشروع قانون مناهضة التطبيع مع الأسد 

بعد عدة أشهر من طرحه، أقر مجلس النواب الأميركي، فجر الخميس 15 من فبراير، مشروع قانون «مناهضة التطبيع مع نظام بشار الأسد» بتأييد كبير من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، وفق ما أعلن «التحالف الأمريكي من أجل سوريا» (ACS).

ينص مشروع القانون على أن الولايات المتحدة لن تعترف أو تطبع العلاقات مع أي حكومة سورية تحت قيادة بشار الأسد، إلى جانب تعزيز العقوبات المنصوص عليها بموجب قانون «قيصر» لعام 2019، ويقضي أيضاً بأن تعارض واشنطن اعتراف أي حكومة أخرى أو تطبع العلاقات مع النظام السوري، من خلال التطبيق الكامل لعقوبات «قيصر».

في الوقت نفسه، يسعى مشروع القانون إلى الاستفادة من جميع السلطات المتاحة لردع جهود إعادة الإعمار في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام السوري، ويحظر على أي مسؤول أو موظف فيدرالي أميركي اتخاذ إجراءات أو تخصيص أموال تشير ضمناً إلى اعتراف الولايات المتحدة ببشار الأسد أو حكومته. ولكي يصبح مشروع القرار نافذاً، يجب أن يقره الكونغرس (مجلس النواب ومجلس الشيوخ)، ثم يحوَّل لمكتب الرئيس الأميركي جو بايدن ليوقعه كمرحلة نهائية.

ولمعرفة الأهداف الأميركية من وراء هذا القرار، ينبغي الإشارة إلى أن إقرار مجلس النواب لمشروع القانون يأتي بعد عدة أشهر من التطبيع العربي الرسمي مع نظام الأسد، والذي تمثّل باستئناف العلاقات بين السعودية والنظام في أبريل 2023، وإعادة الأسد إلى الجامعة العربية خلال قمة جدّة في مايو 2023.

إن التطبيع العربي مع النظام السوري كان بدفعٍ أو موافقة أميركية على أقل تقدير، لأن من تولّى كِبره، وهي السعودية ومصر، يعملان لخدمة واشنطن. وكان الهدف منه إخضاع الحاضنة الثورية من جهة، ومحاولة تعديل سلوك النظام من جهة أخرى؛ لكن حينما لم تحقق عملية التطبيع النتائج المرجوّة، فخرج الأهالي في الشمال السوري المحرر وأعلنوا رفضهم عودة الأسد إلى الجامعة العربية، ولم يُذعنوا لهذه الخطوة، كما لم تفلح الأنظمة العربية في تغيير سلوك النظام فيما يتعلق بمفاوضات الحل السياسي وملف تجارة المخدرات، اتجهت الولايات المتحدة لفرملة عجلات التطبيع، بهدف الضغط على نظام الإجرام لدفعه إلى السير بخطة الحل السياسي وفق القرار 2254.

إن هذا الموقف الأميركي لا يتناقض مع حقيقة أن نظام الأسد عميل للولايات المتحدة، إذ إن سياسة واشنطن -فيما يتعلّق بالنظام السوري- شبيهة بسياستها تُجاه الكيان الصهيوني، فهي تدعم الكيان وتعتبر بقاءه مصلحة لها، لكنها بنفس الوقت تضغط عليه لتنفيذ حل الدولتين المتضمّن إقامة دولة فلسطينية على حدود 1967، كذلك فإن أميركا تدعم بقاء الأسد، وقد حافظت على وجوده فعلياً خلال السنوات الماضية، بيد أنها تريد منه الانخراط بحل سياسي يحقق تسوية مستدامة بين أطراف النزاع في سوريا.

لذلك، لا يجوز النظر إلى إقرار مجلس النواب لمشروع قانون مناهضة التطبيع مع الأسد على أنه خدمة للثورة، أو أنه يُمهّد لرحيل النظام، كما فعل بعضهم حين هلّل للمشروع وأشاد به، فهو لا يخرج عن كونه أداة من الأدوات التي تستعملها الولايات المتحدة لتشغيل آلة العملية السياسية، والتي هي أصلاً عملية خيانية، كونها تُقر ببقاء النظام وجعله جزءاً أساسياً من الحل ومن مستقبل البلاد.

ولقد رأينا مثل هذا التهليل والإشادة والتوقعات العالية مع إقرار قانون قيصر عام 2019، ثم مرّت الأشهر والسنوات، وحصل ما كان يقوله الواعون في الثورة من أن القانون لن يسقط النظام السوري، إنما يهدف لمنع أي أطراف أخرى، خاصة روسيا، من العمل لإعادة إعمار سوريا، والخروج عن الرؤية الأميركية لكيفية الحل السياسي وبرنامجه وترتيباته الزمنية.

ما ينبغي أن يكون راسخاً في أذهاننا أن أية مساعٍ خارجية لتسوية الملف السوري إنما تحمل في بُنيتها الشر والفساد، لأن الأطراف التي تقودها هي نفسها التي دعمت نظام الإجرام وحاربت فصائل الثوار، فهل يتحوّل العدو إلى صديق ودود؟

إن مفتاح قضيتنا بأيدينا فقط، عبر الإصرار على إسقاط نظام الأسد بتبني مشروع سياسي نابع من عقيدتنا كمسلمين، لا بتبني المشاريع الغربية، وهذا ما يمكن تحقيقه إذا ما أجمع الثوار المخلصون أمرهم، واتخذوا قراراً بإبعاد القيادات المرتبطة التي سلّمت أمر الثورة للمجتمع الدولي، وأنشأوا عهداً ثورياً جديداً لا مكان فيه للمال السياسي، ومُسايرة الخارج، والرؤى الضبابية، وأنصاف الحلول.

أحمد سعد فتال/ ناشط سياسي.

منتدى قضايا الثورة

أحمد سعد فتال

ناشط سياسي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى