أحمد سعد يكتب: الإعلان الدستوري في سوريا.. قراءة سريعة

بعد عشرة أيام من تكليفها، أعلنت لجنة صياغة الإعلان الدستوري في سوريا، الخميس 13/3/2025 تفاصيل مسوّدة الإعلان الدستوري، الذي وقعه الرئيس السوري أحمد الشرع.
وبحسب تصريحات عضو لجنة صياغة الإعلان الدستوري، عبد الحميد العواك، فقد نصت المسوّدة على أن الفقه الإسلامي هو المصدر “الأساسي” للتشريع، ونصت على أن يتولى مجلس الشعب السلطة التشريعية، وأن يتولى رئيس الجمهورية السلطة التنفيذية.
إن قليلاً من التأمل الشرعي في الإعلان الدستوري يظهر أنه لم يلبِّ تطلعات المسلمين في سوريا، خاصة حاضنة الثورة، إذ تفوح منه رائحة العلمانية، ولا تتوافق أبرز بنوده مع الإسلام. وهذا أمر طبيعي إذا ما نظرنا إلى أعضاء اللجنة التي صاغته، فهم ليسوا فقهاء على أساس الشريعة الإسلامية، بل على الطراز الغربي.
وأبرز ما يمكن التعليق عليه بخصوص الإعلان، أن الفقه الإسلامي لا يجوز أن يكون المصدر الأساسي للتشريع، فكونه مصدراً أساسياً يعني أن هناك مصادر أخرى بجانبه، أساسية وفرعية، لا علاقة لها بالفقه، وهذا مدخل للحكم بغير الشريعة وتقرير قوانين وضعية، قال الله تعالى لنبيّه: (وَأَنِ ٱحْكُم بَیْنَهُم بِمَاۤ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَلَا تَتَّبِعۡ أَهْوَاۤءَهُمۡ وَٱحْذَرۡهُمۡ أَن یَفْتِنُوكَ عَنۢ بَعْضِ مَاۤ أَنزَلَ ٱللَّهُ إِلَیْكَۖ) إذ أمر الله نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم أن يأخذ الإسلام كله، ونهاه عن الالتفات عن قدر يسير منه، تأكيداً على وجوب الاستمساك بالشريعة الإسلامية كاملة.
لذلك يجب أن تكون الشريعة الإسلامية (أو الفقه الإسلامي) المصدر الأوحد للتشريع وتأسيس القوانين، حتى تُقام العلاقات في البلاد بشكل تام على أساس الإسلام. ثم أليس حرياً بنا -نحن الثوار المسلمين- أن نختلف برؤيتنا القانونية والحضارية عن النظام الذي ثُرنا عليه؟ فكيف نشابه النظام العلماني، الذي كان يُفاخر بعلمانيته، حيث إن دستوره ينصّ أيضاً على أن الفقه الإسلامي “مصدر رئيسي” للتشريع؟
وأما عن تولي مجلس الشعب السلطة التشريعية (إصدار القوانين)، فالإسلام جعل التشريع للوحي وليس للبشر، فلا يجوز لأي إنسان، كائناً من كان، أن يسنّ قانوناً يخالف الإسلام، فيحل حراماً أو يحرم حلالاً، ولا يجوز أن تُعرض أحكام الإسلام في نظام الحكم والاقتصاد والاجتماع والتعليم على تصويت البشر، حتى لو وافقوا عليها في آخر المطاف، فحكم الله يُتبَع بتذلُّل، ويُطبَق بتسليم وخشوع، وهذا أمر ليس من قَبيل الاجتهاد أو الاستنتاج، بل قد أجمع عليه فقهاء الأمة كابراً عن كابر، منذ صدر الإسلام، قال تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤۡمِنࣲ وَلَا مُؤۡمِنَةٍ إِذَا قَضَى ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥۤ أَمْرًا أَن یَكُونَ لَهُمُ ٱلْخِیَرَةُ مِنۡ أَمْرِهِمۡۗ وَمَن یَعْصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَقَدۡ ضَلَّ ضَلَٰلاً مُّبِیناً) وقال (فَلَا وَرَبِّكَ لَا یُؤۡمِنُونَ حَتَّىٰ یُحَكِّمُوكَ فِیمَا شَجَرَ بَیْنَهُمۡ ثُمَّ لَا یَجِدُوا۟ فِیۤ أَنفُسِهِمۡ حَرَجاً مِّمَّا قَضَیْتَ وَیُسَلِّمُوا۟ تَسْلِیماً).
إن ثورة خرجت من المساجد، وهتفت هي لله، وجعلت محمداً صلى الله عليه وسلم قائداً لها، وكان سوادها الأعظم من المسلمين الأتقياء الأبرار، لا يليق بها إلا دستور ينبثق من رحم الإسلام، وينسجم مع تراث الأمة التشريعي، لذلك ننصح الحكومة في سوريا أن يُبطِلوا الإعلان الدستوري الحالي، وينشئوا بدلاً منه مدوّنةً قانونيةً إسلامية. وفي هذا السياق، يمكن الاستفادة من دستور الخمسين الذي قدّمه منتدى قضايا الثورة، وهو رؤية دستورية مختصرة، تقدّم لأهل سوريا والمسلمين عامة نموذجاً لما يجب أن يكون عليه الدستور في ديار الإسلام، من حيث الأساس التشريعي، وطريقة استنباط القوانين، وشمولية الأحكام لمجالات الحياة كافة.
أحمد سعد/ ناشط سياسي.
منتدى قضايا الثورة