أحمد سعد يكتب: الخطيب والإمارات.. واستاد الأهلي
منذ اللحظة الأولى لانقلاب الثالث من يوليو 2013، والسلطة الحاكمة في مصر تضع النادي الأهلي موضع الاعتبار كمؤسسة رياضية مهمة، يمثل جمهورها الذي يقدر بعشرات الملايين، أكبر قوة ناعمة في البلد، ومن ثم يجب وضع هذه المؤسسة بجماهيرها تحت المراقبة والمتابعة الأمنية طوال الوقت، كي لا يشذ جمهورها عن الخط المرسوم له ولكل التنظيمات السياسية وغير السياسية، وهو الخرس، والمنع من القيام بأي نشاط سياسي!!
وبالفعل نجحت تلك السلطة في تحقيق هدفها باحتواء النادي والسيطرة عليه عبر مجلس إدارته، وعن طريق رئيسه الكابتن محمود الخطيب، الذي ارتمى منذ اللحظة الأولى للانقلاب في أحضان السلطة، وقرر تقديم خدماته لها في أي شيء تريده من النادي، وكانت باكورة خدماته، هي أنه قدم للأجهزة الأمنية كل ما كانت تعوزه من معلومات وبيانات شخصية عن كل عضو من أعضاء النادي، وفرد من أفراد الجماهير، وذلك ليتسنى لهذه الأجهزة، مراقبة الأعضاء والجماهير، والوصول إليهم وقت اللزوم، ولم تكتف السلطة بهذا، إنما راحت عن طريق شركاتها الخاصة التي تديرها أجهزة أمنية رفيعة، تفكر في كيفية الاستفادة من العوائد المالية الضخمة التي يجنيها النادي الأهلي من وراء اسمه وشعبيته وبطولاته، وهي عوائد تقدر بمليارات الجنيهات، وقد كان لها ذلك، بعد أن أصبحت شركة المتحدة هي المالك الحصري لكافة حقوق النادي الأهلي، وعلى رأسها حقوق الرعاية وبيع تذاكر المباريات والبث التليفزيوني للمباريات وغير ذلك من الموارد، بل أصبحت المتحدة هي المالكة لقناة النادي، وهي أيضا التي تتحكم في منظومة النادي الإعلامية!!
بيد أن كل هذا بدا وكأنه لم يكفيها، حيث راحت تفكر في تملك النادي بأكمله، وهذا ما قرأته في الاحتفالية الضخمة التي أقيمت مؤخرا بمقر النادي بفرع مدينة الشيخ زايد، وهي الاحتفالية التي تم فيها الإعلان عن إنشاء استاد الأهلي الجديد، وقد تصدر المشهد يومها رجل الإعلانات المعروف محمد كامل ممثل الشركة المتحدة، باعتباره رئيسا لشركة (القلعة الحمراء) التي ستتولى تنفيذ المشروع، ويكفي أن ترى ممثلا لشركة المتحدة في أي عمل لتعرف أن الموضوع «فيه إنّ»!، وقد قال كامل يومها إن المشروع الذي أقيم من أجله الحفل، لن يكون مجرد استاد تقام به المباريات فحسب، وإنما سيضم مدينة رياضية متكاملة تُبنى وفق طراز عالمي على مساحة 43 فدانا (أرجو التركيز في الأرقام لأننا سنعود لها لاحقا بإذن الله) وتضم استادا يسع لـ44 ألف متفرج، ومستشفى، ومتحفا، ومدرسة، وجامعة، وفندقا (نسوا المطار والحضانة والمسجد والهايبر ماركت) بتكلفة إجمالية قدرها 12 مليار جنيه، ويتم تنفيذ المشروع في أربع سنوات.
عموما وقبل الخوض في التفاصيل، لابد من التأكيد على أنك لن تستطيع فهم ما جرى في هذه الاحتفالية وتحليل أهدافها وتوقع مآلاتها، دون أن تعود بالذاكرة للوراء قليلا، لتستدعي احتفاليات مماثلة أقيمت في النادي الأهلي، وبحضور نفس المذكور محمد كامل أو غيره ممن يمثلون الشركة المتحدة، للتبشير بإنجازات كبرى للأهلي لا تقل حجما أو قيمة عن هذا المشروع، فعلى سبيل المثال، أقيم في أغسطس 2020 مؤتمرا موسعا بمشاركة المتحدة، تم الإعلان فيه عن تملك الأهلي لاستاد جديد هو استاد السلام، وهذا ما أعلنه الخطيب بنفسه يوم الحادي عشر من نفس الشهر، حيث قال إن الأهلي اشترى استاد السلام دون أن يتحمل مليما واحدا، ولم يكشف الخطيب عن المصلحة العائدة على البائع من بيع استاد بحجم استاد السلام ويفترض أنه مملوك للقوات المسلحة بدون مقابل، لكن ومع ذلك وقبل أن تمضي سنتان على هذا الإنجاز الذي وصُف وقتها بأنه تاريخي، كانت إدارة الإنتاج الحربي المالكة للاستاد قد فكت ارتباطها مع الأهلي، دون إبداء أسباب، ودون أن يعرف الناس ما هي الدواعي لذلك، وأصبح المشروع العملاق الذي حٌشد له كبار مسؤولي الدولة لافتتاحه، وهلل له كل الإعلام المصري، وكأنه لم يكن شيئا مذكورا!!
وبعد مرور أقل من عام على شراء استاد السلام وبالتحديد في مارس 2021، تم الإعلان عن مشروع عملاق أخر للنادي الأهلي، وهو إنشاء فرع جديد للنادي الأهلي بمدينة الأقصر، ليصبح للنادي بين يوم وليلة، خمسة فروع بعدما كانوا أربعة فقط هي (الجزيرة ومدينة نصر والشيخ زايد والتجمع الخامس) وقد حظي هذا المشروع بنفس الزخم الذي حظي به مشروع استاد السلام، لكن ها قد مر على افتتاحه ثلاثة أعوام كاملة، ولا أحد يعرف معلومة واحدة عنه، بل ودون أن يعرف أعضاء الأهلي وجماهيره، ما إذا كان هذا الفرع تابعا بشكل رسمي للنادي الأهلي، أم أنه يتبع جهة أخرى غير معلومة، منحها مجلس الإدارة الحق في استخدام الاسم والعلامة التجارية للنادي الأصلي، لتنشئ مقرا باسمه، ولكن خارج منظومة النادي الرسمية، لأنه لو أن هذا المقر كان تابعا قانونا للنادي الأصلي، لكان لأعضائه الحق في الترشح والتصويت بانتخابات مجلس الإدارة الأخيرة، التي جرت في نوفمبر 2021، أو حتى يأتي ذكر إيراداته ومصروفاته، في الميزانيات المالية العامة للنادي، وهذا ما لم يحدث في الحالتين!! كذلك وقبل عام تقريبا من هذا التاريخ، كان قد تم الإعلان عن مشروع كبير أخر أحدث ضجة كبيرة وقتها، وهو إعادة افتتاح قناة النادي الأهلي بعد تجديدها، وقيل وقتها إن القناة ستنافس القنوات العالمية، وستنقل كبرى الدوريات والبطولات، وسيكون لها شبكة مراسلين في مختلف دول العالم، وقد رأينا بالفعل يوم الافتتاح مراسلين من عدة دول أجنبية، منها اليونان، وقد تساءلت وقتها عن عدد مشجعي الأهلي باليونان، وهل هذا العدد يستحق أن يكون للقناة مراسلا هناك؟ وقد تبين فيما بعد أن التغيير كان بسبب نقل ملكية القناة من النادي الأهلي إلى الشركة المتحدة، دون أن يفصح أحد عن هذا حتى الآن!
فيما يبقى الرابط بين الاحتفالية الأخيرة وسابقاتها من الاحتفاليات الأخرى، هو أن جميع الاحتفاليات تأتي بشكل مفاجئ ودون تمهيد مسبق لها، يتناسب مع حجم وضخامة المشروعات التي يتم الإعلان عنها، بما يعني أن ما يتم في الغرف المغلقة أكبر بكثير مما هو معلن، فالاحتفالية الأخيرة مثلا، تم الإعلان عنها يوم الإثنين 3 يونيو، أي قبل يوم واحد فقط من إقامتها، وهو نفس الحال في الاحتفاليات الأخرى، كما يجمع بين كل الاحتفاليات، اللجوء للديكور الزاعق جدا، والمبالغة الزائدة في استخدام المؤثرات الضوئية والصوتية، وارتداء الضيوف من الرجال لأزياء حديثة، تشعر المتابع أنه أمام حفل جوائز الأوسكار، وليس مجرد مؤتمر صحفي للإعلان عن مشروع رياضي، وفوق هذا وذاك المبالغة الشديدة في توصيف المشروعات، ونعت كل مشروع فيها بأنه مشروع القرن، فكم قرن في القرن عندهم إذا كانوا كل عام يقدموا لنا مشروع القرن؟! وإذا كانت كل تلك المظاهر تهدف بشكل أساسي إلى إضفاء شيء من والهيبة الخادعة، والقيمة الزائفة للحدث، إلا أنه يهدف بالدرجة الأولى إلى تغييب وعي الجماهير، حتى تنشغل بالشكل ولا تبحث في المضمون، لأنها لو أنها بحثت في المضامين لربما فهمت الألاعيب التي تتم منذ سنوات وتهدف إلى استراق الأهلي من أصحابه الحقيقيين، كما أني أرى هذه المبالغات أقرب للاستخفاف بالعقول، والاستهانة بالرأي العام، وقدرة الفاهمين به على التحليل والاستنباط وفهم الخلفيات، حيث يحرص المتحدثون على الوعد بإنجاز مشروعات وأعمال لا تتناسب أبدا مع المنطق أو الواقع الذي تعيشه البلد، وهي في الغالب أقرب للكذب والخداع، كما سنذكر لاحقا بإذن الله..
من نصدق.. الخطيب أم محمد كامل؟!
والمبالغة في حجم المشروع الجديد، وفي الأرقام التي تم ذكرها سواء بالتهويل أو التقليل، هو ما يثير الشكوك، ويضفي الريبة، ويزيد الأسئلة حول مدى مصداقية العمل برمته، فقد ذكر محمد كامل أن المدينة ستقام على مساحة 43 فدانا، أي ما يساوي 180 ألف متر، وهي بلا شك مساحة صغيرة جدا قياسا بحجم المشروع وبعدد المنشآت التي ستقام عليه (استاد ومستشفى وجامعة ومدرسة وفندق ومتحف) فالاستاد وحده الذي يسع لـ44 ألف متفرج على حد الإعلان، يحتاج مساحة لا تقل عن 500 ألف متر (حوالي 120 فدانا) أي أكبر ثلاث مرات من المساحة المذكورة، هذا بفرض أن المساحة التي ذكرها كامل حقيقية وأنها 43 فدانا بالفعل، لأن المعلومة الثابتة والمعروفة والتي ذكرها الخطيب الذي هو صاحب الشأن، هي 48 ألف متر فقط وليست 43 فدانا، فمن نصدق إذن.. الخطيب أم محمد كامل؟!
أما المثير للسخرية هنا، هو ما تعلق بالقيمة المالية التي سيتكلفها المشروع وهي 12 مليار جنيه، فهذه القيمة إن كانت صحيحة، فهي قليلة جدا قياسا بالسعر الحالي للدولار في مصر، لأن التكلفة الفعلية للمشروع يجب أن تقدر بالدولار وليس بالجنيه، لأنه وطبقا لما تم الإعلان عنه فإن معظم الشركات المشاركة في المشروع هي شركات أجنبية، وبالتالي ستكون معاملاتها المالية بالدولار وليس بالجنيه، وطبقا لسعر الصرف الحالي وهو (47.53 جنيه للدولار) فإن هذا المبلغ سيساوي حوالي 250 مليون دولار، وهو وإن كان لا يتناسب مع حجم المشروع الضخم، فإنه أيضا يقل كثيرا عن المبلغ الذي سبق ورصده السعودي تركي آل الشيخ 2017 -قبل خلافه مع الخطيب- لبناء استاد للأهلي، حيث أعلن آل الشيخ وقتها أنه سيدفع ستة مليارات جنيه للنادي الأهلي لإنشاء الاستاد، وكان سعر الدولار وقتها 18 جنيها تقريبا، بما يعني أن مبلغ آل الشيخ بالدولار كان حوالي 330 مليون دولار، أي بزيادة 80 مليون دولار عن المبلغ المذكور، هذا مع الوضع في الاعتبار أن مشروع تركي الشيخ كان سيتضمن إنشاء استاد وفندق فقط لا غير، وليس مدينة رياضية كاملة بها استاد ومستشفى وفندق وجامعة ومدرسة ومتحف، كما تم الإعلان عن ذلك!!
ثم يزيد من الشكوك والريبة أكثر حول تصريحات محمد كامل، هو إعلانه أن عدد الشركات المتحالفة التي ستتولى إقامة المشروع هو 16 شركة محلية وإقليمية وعالمية، وهو عدد كبير جدا قياسا بحجم المشروع، ومقارنة بعدد الشركات التي تشارك في بناء مشروعات أكبر بكثير، ولن نذهب بعيدا، فمشروع مثل مشروع العاصمة الإدارية الجديدة بحجمه الهائل ومساحته الكبيرة والمدة الزمنية المحددة لإنجازه، لا يضم سوى 11 شركة فقط، فهل مدينة الأهلي الرياضية أكبر من العاصمة الإدارية الجديدة؟!
أما ثالثة الأثافي فتتمثل في أن الشركة الأم المسؤولة عن المشروع بأكمله وهي شركة (القلعة الحمراء) ليس معلوما السبب الحقيقي لتسميتها بهذا الاسم بالذات، كما أنه لا أحد يعرف ما إذا كانت هذه الشركة تابعة للنادي الأهلي أم لجهة أخرى، وأن هذه الجهة لديها الحق في استغلال اسم النادي الأهلي وشعاره، كما استغلتهما في نادي الأقصر، لأنه وكما هو معلوم فإن مصطلح (القلعة الحمراء) يعد أحد الأسماء المعروف بها النادي الأهلي، بل إنه يعد أحد علاماته التجارية حتى وإن لم يسجلها في الجهات الرسمية، فالعرف جرى على أن (القلعة الحمراء) هي الأهلي، والأهلي هو (القلعة الحمراء) وكثيرا ما يكتفي الإعلام بذكر اسم (القلعة الحمراء) كناية عن الأهلي، دون الإشارة من قريب أو بعيد لاسمه الأصلي، وليت المصيبة تقف عند هذا الحد، إنما تصل إلى وضع شعار النادي الأهلي بتصميمه المميز بجانب اسم الشركة، ومن ثم أصبحت هذه الشركة وكأنها تمثل الأهلي تمثيلا رسميا، فما هي الصفة، ومن الذي أعطاها هذا الحق إذا لم تكن مملوكة للنادي؟!
دور الإمارات في الصفقة
المؤكد أننا بصدد صفقة، والمؤكد أن السلعة الأساسية في هذه الصفقة هي النادي الأهلي، ومؤكد أن دولة الإمارات حاضر أساسي في هذه الصفقة إن لم تكن هي صاحبتها، والدليل على ذلك هو وجود ممثل لها بالاحتفالية هو المذيع التليفزيوني الشهير يعقوب السعدي، رئيس قنوات أبو ظبي الرياضية، وقد كان السعدي هو المقدم الثاني للحفل مع الإعلامي المصري شريف فؤاد المتحدث الرسمي باسم النادي الأهلي، فما الذي جاء بالسعدي، وما هي صفة وجوده في حدث كهذا، وما سر مشاركته في تقديم فقرات الحفل؟!!
أما الشيء الذي لا شك فيه هو أن الإمارات أصبحت أكثر الدول الأجنبية استثمارا في مصر الآن، وقد نجحت في شراء العديد من الأصول العامة والتي كان أخرها مدينة رأس الحكمة، وإذا كان لا يزال لديها الطموح في تملك المزيد من أصول الدولة المصرية، فالمؤكد أنه يهمها أن تضع يدها على ناد كبير بحجم النادي الأهلي، باعتباره النادي الأكبر والأشهر في الوطن العربي والقارة الأفريقية، وبما يملكه من تاريخ عريق وشعبية واسعة، سواء كان ذلك بالشراء أو الانتفاع أو أي صيغة أخرى، والإمارات كما هو معروف ناشطة جدا في مجال الاستثمار الرياضي، وهي تمتلك الآن ما يربو على الـ25 ناديا وأكاديمية رياضية على مستوى العالم، أشهرها نادي مانشستر سيتي الإنجليزي بطل الدوري لهذا الموسم، وبالتالي فمن غير المستبعد أن تكون هناك صفقة تمت بين الدولة المصرية والإمارات، تقضي باستحواذ الأخيرة على النادي الأهلي، وهي صفقة يجري التمهيد لها الآن، لإخراجها بالشكل المناسب الذي لا يستفز جمهور الأهلي، وأن الاحتفالية التي أقيمت مؤخرا، ما هي إلا تمهيد لاتخاذ خطوة أخطر وأبعد.. أظنها أنٌجزت!