بحوث ودراسات

أحمد سعد يكتب: العسكر والإخوان.. وأخطاء يناير (13)

هل كانت جماعة الإخوان المسلمين، جديرة بتولي حكم الدولة المصرية، إبان ثورة 25 يناير 2011؟

سؤال قد تبدو الإجابة عليه سهلة وبسيطة، ولا تحتاج إلى تفكير عميق، أو بحث طويل، لما عانت منه الدولة المصرية خلال فترة حكم الجماعة، وأجمع الناس فيها على فشل الإخوان وعدم جدارتهم بالمسؤولية، بيد أن واقع الحال، والعدالة في الحكم، قد لا تجعل مهمة الوصول إلى الإجابة، بكل هذه السهولة التي نظنها، أو يظنها الناس، إنما هي صعبة وعويصة، إن لم تكن مستحيلة، كما سنذكر لاحقا!!

فحكم الإخوان لمصر، تجربة مر عليها الآن 12 سنة كاملة، لكن حتى هذه اللحظة لم يتم تحليلها، أو مناقشتها، أو تقييمها، بالرغم من تأثيرها الكبير في ماضي وحاضر ومستقبل البلد، شعبا ودولة، فهي تجربة انعكست نتائجها (رغم الأنوف) على كل المصريين، سواء من جاءوا بالإخوان، أو من خرجوا للمطالبة برحيلهم، ففي وجود الإخوان انقسم الشعب نصفين، نصف مؤيد لهم والأخر معارض، والاثنان شريكان في المسؤولية، إيجابا أو سلبا، فإما أن تكون المسؤولية على النصف الذي جاء بهم إلى الحكم، لكونه ورّط البلد في جماعة غير جديرة بالمسؤولية، أو عند النصف الأخر الذي شارك في الإطاحة بهم، باعتباره تعجل في الحكم عليهم وأعطى الذريعة للجيش للانقلاب عليهم، ومن هذا المنطلق فهي تجربة تخص الشعب كله، وعليه وجبت دراستها، وتحليلها، ومناقشتها بعمق، واهتمام، ليس بهدف الثرثرة، والسفسطة، والمغالبة السياسية، التي لم تنته منذ يوليو 2013، ولا للـ«النكش» في الماضي، وفتح جراح اندملت، ولا لإعادة مداولة في قضية أعلن القاضي حكمه النهائي فيها، إنما للمحاسبة والحكم على الإخوان كفصيل سياسي مصري عريق، استطاع من بين عشرات الفصائل السياسية أن يفرض وجوده على قمة هرم السلطة، ويحقق ما عجز عنه أي فصيل سياسي آخر، بالارتقاء إلى كرسي الحكم، فيكون منه  أول رئيس مدني في تاريخ الدولة المصرية الحديث، بل ونجاح هذا الرئيس في الاستواء على كرسي الحكم، لفترة ليست قليلة (سنة كاملة) قبل أن يتم الانقلاب عليه والإطاحة به..

وبالتالي فدراسة التجربة حتى وإن حكم الناس والتاريخ عليها بالفشل، مهمة ومطلوبة، بل ضرورية وحتمية، لنعرف أولا ما إذا كانت ثورة يناير ظلمت الإخوان، لأنها جاءت بهم إلى موقع هم أقل منه، أو هو أكبر منهم، أم أنهم هم من ظلموا الثورة، وأهدروا فرصتها الثمينة، في إنجاح تجربتهم وتجربة الحكم المدني، وعتق رقبة الدولة المصرية من الحكم العسكري الجاثم على السلطة منذ ستة عقود، ثانيا وهو الأهم معرفة ما إذا كان الذي حاق بتنظيم الإخوان من عقاب، وطال أفراده من قتل واعتقال وتنكيل، بسبب جرأة تنظيمهم على منازعة العسكر في سلطانهم، يمكن أن يحيق بالفصائل السياسية الأخرى، إذا ما ارتكب أحدها نفس الحماقة وأقدم على نفس الخطوة، بمنافسة العسكر في السلطة؟!

وأسئلة أخرى كثيرة تفرضها التجربة، ونتائجها، وأثارها، بيد أن المعضلة الحقيقية التي ستواجهنا عند البحث عن إجابات لها، هي أننا قد لا نستطيع الوصول لأي إجابة واحدة منها، والسبب هو أنه لم يوجد إلى الآن، من يملك الشجاعة أو الإرادة، أو حتى الرغبة، في فتح ملف المرحلة وإعادة قراءتها، والبحث عن إجابات لأسئلتها، لا الإخوان، ولا خصومهم!!

لكن ولعل قسوة التجربة ومرارتها في حلوق الجميع (إخوان وغير إخوان) وتدافع الأحداث بعدها، هو ما جعل غالبية المصريين يعملون على تجاوزها، وطي صفحتها، هربا منها إلى مستقبل، ظن كثيرون أنه أفضل من الماضي، فيما كان الواجب أولا قبل تجاوز الصفحة وطيها، هو التوقف مليا أمام التجربة، والعكوف على قراءة اوراقها، بتأن وتأمل وتدبر، ثم نصدر حكمنا عليها، ونستخرج دروسنا منها، فلا يٌعقل ابدا أن نخرج صفر اليدين، من تجربة كبرى كهذه، شهدت عليها ثورة عظيمة، تم تعميدها بالنار والدم، أو بدون  دروس مستفادة، تنفعنا في قراءة طالعنا السياسي، إذا ما كرر التاريخ نفسه، وفاجأنا بعودة الإخوان للحكم مرة ثانية، والتاريخ دوار!!

قبل الحكم على التجربة

أعلم مقدما أن الانقلاب على الرئيس محمد مرسي (مرشح الإخوان) وانتزاع الحكم منه بالقوة القاهرة، تم تحت شعار عريض هو (فشل الإخوان) برر به العسكر انقلابه، وأيدته الكثير من القوى السياسية، كما باركته الملايين من الجماهير، إلا أن الارتكان إلى هذا الشعار، والاكتفاء به كمقدمة لا كنتيجة، للقطع بعجز الإخوان عن قيادة الدولة المصرية، يخل بميزان التقييم، وينسف مبدأ العدل في الحكم على التجربة، ذلك لأن الإخوان لم يحصلوا على فرصتهم كاملة في إدارة الدولة، فقد كان مٌقدرا لرئيسهم الاستمرار في الحكم أربع سنوات، فيما تم الانقلاب عليه بعد سنة واحدة فقط، وهذا في حد ذاته قد يكون دليل براءة الإخوان ورئيسهم من الفشل، لأن عزل الرئيس بعد سنة واحدة فقط من بداية ولايته، يتعارض ومعايير التقييم الموضوعية للتجارب الكبيرة، كتجربة حكم الدولة المصرية، خاصة وأن سابقه الرئيس المخلوع حسني مبارك، مكث في الحكم ثلاثين سنة كاملة، كما أن رؤساء الدول الذين يتم اختيارهم بالانتخاب في المجتمعات الديموقراطية (مثل مصر أثناء ثورة يناير) يتم تقييمهم على جملة فتراتهم الانتخابية التي يكفلها لهم الدستور، وليس باليوم والشهر والسنة كما حصل مع الرئيس مرسي، والذي بدأت محاسبته بعد مرور مائة يوم فقط من تسلمه السلطة، وحتى وإن سلمنا بأن مرسي فشل من تلقاء نفسه، باعتباره لم يكن أهلا للحكم، فالأعراف السياسية تقول إن الأنظمة تسقط بالجرائم الكبرى، لا بالفشل، ومرسي لم يرتكب جريمة كبرى تدعو للانقلاب عليه والإطاحة به!!

وقبل أن نتطرق إلى الأسباب الحقيقية التي أدت إلى فشل تجربة الإخوان في الحكم، وجب علينا القول بإن أي جماعة أو تنظيم أو حزب يرى في نفسه القدرة على التصدي لمسؤولية حكم الدولة -أي دولة- لابد وأن تكون لديه الأدوات التي تؤهله لتلك المهمة، والأدوات هنا لا يجب أن تقف عند حد قدرة الجماعة أو التنظيم أو الحزب على حشد الناس والفوز بأصواتهم في الانتخابات (هذا أكثر ما تتميز به جماعة الإخوان) إنما في امتلاك الكوادر المؤهلة والمدربة على القيادة وشغل المناصب الكبرى كرئاسة دولة، وأن تكون تلك الكوادر لديها الرؤية الشاملة لإدارة الدولة، بما يساعد قائدها على الانتقال من ضيق الجماعة أو الحزب إلى سعة الدولة، ومن قبل ذلك قدرته على إدارة الصراعات والمعارك السياسية الكبرى التي تنتظره وتنتظر أي رئيس دولة جديد ينجح بالانتخابات أو بغيرها، وفوق هذا وذاك أن تمتلك جماعته أو حزبه، القوة البشرية والمادية والسياسية، التي تمكنها من دعم رئيسها، وحمايته، وتحصين قراراته!!

فهل كان الإخوان لديهم هذه الأدوات؟

هذا ما سنحاول الإجابة عليه في السطور القادمة..

مرشح الرئاسة وخطيئة الإخوان

عندما قررت جماعة الإخوان المسلمين الدفع بمرشح في الانتخابات الرئاسية نهاية مارس 2012، خرجت كل الأصوات، السياسية، وغير السياسية، الفاهمة، وغير الفاهمة، لتنتقد القرار، وتؤكد على أن الإخوان ارتكبوا خطأ تاريخيا جسيما بدفعهم بمرشح لهذه الانتخابات، حتى أن كثيرين ممن يؤيدون الجماعة، رأوا أن هذا القرار بمثابة الضربة السياسية العنيفة التي قد تّعجل بنهاية التاريخ السياسي للتنظيم، لما في ذلك القرار من مغامرة سياسية غير محسوبة، ومخاطرة تاريخية لم تأخذ حقها في الدراسة، وقد رأى المنتقدون لقرار الإخوان، أن التحديات الداخلية والخارجية التي ستواجهها الجماعة، أكبر من أن يتصدى لها فصيل أو تيار سياسي بمفرده، وأول وأخطر وأعنف هذه التحديات، هو الاصطدام المؤكد بالمؤسسة العسكرية، التي تحتكر حكم الدولة المصرية منذ ستة عقود كاملة، وهي مواجهة لا قبَل للإخوان أو غيرهم بها، لأنها معركة غير متكافئة القوى، ونتائجها غير محمودة العواقب، والنهايات لن تكون في صالح الإخوان أبدا، والتاريخ يشهد!!

أما منافسو الإخوان السياسيون من رفقاء الميدان، فقد ذهبوا إلى القول بإن قرار الجماعة بالترشح للانتخابات الرئاسية، يعد حنثا لعهودهم السابقة، وإخلالا بتعهداتهم التي قطعوها على أنفسهم في بداية الثورة بعدم الدفع بمرشح رئاسي، واعتبر البعض أن هذا القرار كاشف عن رغبة جامحة لدى الإخوان في «التكويش» على السلطة بأكملها، لا سيما وأنهم كانوا قد فازوا قبل فترة وجيزة بغالبية مقاعد مجلسي الشعب والشورى..

فريق أخر رأى قرار الإخوان، بأنه خطأ استراتيجي كبير، ستدفع الجماعة ثمنه غاليا، باعتبار أنهم -أي الإخوان- ليسوا مؤهلين لتولي حكم الدولة المصرية في تلك الفترة، خاصة وأن هذه هي المرة الأولى في تاريخ الجماعة التي تتاح لها فرصة الترشح لمنصب كبير كهذا، حيث أن السلطات المتعاقبة على حكم مصر منذ حركة الضباط الأحرار 1952، لم تسمح لهم، لا بالمشاركة في إدارة الدولة، ولا بالعمل السياسي أو الدعوي العلني، ولولا ثورة يناير لما أتيحت لهم مثل هذه الفرصة، ولظلوا على حالهم الذي كانوا عليه قبل الثورة، يمارسون نشاطهم السياسي والدعوي تحت الأرض بعيدا عن أعين السلطة، وبالتالي فهم في حاجة للتدريب والتأهيل على الممارسة السياسية العلنية أولا، ثم التدرج في العمل العام، ثم التفكير في المنافسة على كرسي الحكم!

فيما ذهب البعض الأخر بعيدا بالقول إن وصول الإخوان للسلطة في مصر وهم يمثلون جماعة إسلامية على المذهب السني، سيدفع بالكثير من الدول المعادية للإسلام، والخائفة من عودة دولة الخلافة، للترصد بمصر، وربما إعلان الحرب عليها، بهدف التخلص من تلك الجماعة، خوفا من تنامي حكمها داخل الدولة المصرية، ثم التمدد خارجها، ومن ثم كان واجبا على الإخوان إدراك ذلك جيدا، والابتعاد ولو لفترة محدودة عن المنافسة على السلطة، لحين تتقبلهم المجتمعات الدولية كشركاء سياسيين، ثم تقبل بهم كقيادة للبلد..

نفس الشيء رآه سياسيون أخرون، أكدوا على أن وصول الإخوان للحكم حتى وإن كانوا جديرين به، فستكون فيه مخاطرة كبيرة، ربما لا يدرك الإخوان أبعادها، على اعتبار أنهم سيواجهون تحديات خارجية كبرى، قد تكون سببا في العصف بتاريخهم السياسي، والقضاء على شعبيتهم الواسعة التي صنعوها في عشرات السنين، وعلى رأس هذه التحديات، هو كيفية تعاملهم مع المعاهدات الدولية التي وقعتها الأنظمة المصرية على مر العصور، وعلى رأس هذه المعاهدات، معاهدة السلام مع إسرائيل، التي وقعها الرئيس الراحل محمد أنور السادات 1979، وهي معاهدات سيٌجبر الإخوان في حال وصولهم للحكم، على قبولها والإذعان لها وتنفيذ بنودها، حتى وإن كانت ضد مبادئهم الدينية والأخلاقية والسياسية، خصوصا معاهدة السلام، والتي بها من البنود ما يخالف مواقفهم المعلنة من القضية الفلسطينية، تلك المواقف الرافضة للاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، والداعمة لتحرير المسجد الأقصى، والمعاهدة كما هو معلوم، تقضي بالاعتراف بدولة إسرائيل، والتطبيع معها، بل وتأمين حدودها من جهة مصر!!

أين الجريمة هنا

لا جدال في أن كل الآراء سالفة الذكر، فيها من الوجاهة والمنطق الكثير، خصوصا فيما يتعلق بانعدام خبرة جماعة الإخوان في إدارة الدولة، وحاجة أبنائها الضرورية للتدرج في العمل السياسي العلني، ثم الترقي في السلم الوظيفي داخل مؤسسات الدولة قبل المنافسة على الحكم، إلا أن هذا لا يمنعنا من القول وبيقين، إن الانقلاب على الإخوان والإطاحة بهم خارج الحكم، كان سيتم في كل الأحوال، سواء أصابت تلك الرؤى، أم لم تٌصب، سواء نجح الإخوان في الحكم أو لم ينجحوا، سواء استجاب الرئيس لمطالب القوى السياسية أو لم يستجب، سواء وافقت الرئاسة على الدعوة لانتخابات رئاسية مبكرة أو لم توافق، سواء قال مرسي «لبيك سورية» أو لم يقل، سواء قال «عزيزي بيريز» أو لم يقل، سواء خرجت الجماهير ضده في 30 يونيو 2013 أو لم تخرج، سواء كان مرسي إسلاميا أو ماركسيا، سواء كان أسمه محمد مرسي، أو محمد البرادعي، فالانقلاب كان واقعا وقدرا مقدورا في كل الأحوال، لأن الهدف منه كان أكبر وأبعد بكثير من مجرد القضاء على الإخوان ورئيسهم، فالهدف كان هو إجهاض ثورة 25 يناير، والخلاص من كل فصائلها السياسية، والإخوان كانوا مجرد قنطرة عبور لهدف أكبر، هو الثورة، وهو مخطط بدأ العمل عليه، والترتيب له من أول يوم للثورة، ولعل الذي شجع على تنفيذه والإسراع في إنجازه، هو الدعم الخارجي الكبير الذي تلقاه المخططون له والقائمون عليه، حيث أن الرغبة في القضاء على ثورة يناير لم تكن مجرد رغبة داخلية، خطط لها ونفذها مجموعة من قيادات الجيش، بهدف الحفاظ على مصالحهم ومصالح المؤسسة العسكرية التي هددتها الثورة، إنما كانت رغبة الكثير من الدول الإقليمية والدولية، وعلى رأس هذه الدول الولايات المتحدة الأمريكية حتى وإن تظاهرت بغير ذلك، حيث لم تأت الثورة المصرية وكل ثورات الربيع العربي على هواها، لما مثلته تلك الثورات من تهديد مباشر وخطير لمصالحها الأمنية والاقتصادية والسياسية بالشرق الأوسط، خصوصا وأن جميع ثورات الربيع جاءت بقوى الإسلام السياسي ” السني ” والذي يمثل وجوده هاجسا دائما للأمريكان وللكثير من الدول الأوروبية والإقليمية، الذين يخشون من استعادته لدولة الخلافة مرة ثانية، هذا فضلا عما شكلته الثورة المصرية من تهديد صريح وكبير لوجود دولة إسرائيل في فلسطين، تلك الدولة التي تمثل بالنسبة لأمريكا شرطي الحراسة الذي يحمي لها مصالحها بالشرق الأوسط، ويحفظ لها جودها وتمددها بالمنطقة، وقد شارك أمريكا الرغبة في الانقلاب على الثورة المصرية، عدد من دول الإقليم، السعودية والإمارات تحديدا، وهما الدولتان اللتان خشيتا على بلادهما من أن تنتقل إليهما عدوى الثورة المصرية وثورات الربيع العربي، فتطير فيها عروش ملوكهم وأمرائهم، فراحت هذه الدول تمول وتدعم قادة الانقلاب والثورات المضادة داخل الدول التي وصلها الربيع العربي، لتجهض كل ثوراته، وفي المقدمة الثورة المصرية، وقد نجحوا!

ولعل الذين ذهبوا إلى نقد فعل الإخوان بالدفع بمرشح للانتخابات الرئاسية، لم يلتفتوا إلى أن معظم ما ساقوه من أراء وانتقادات، رفضا للقرار، يمكن أن ينطبق على كل المرشحين الذين دفعت بهم القوى السياسية الأخرى، فباستثناء المرشحين المحسوبين على فلول مبارك والدولة العميقة وهما الفريق أحمد شفيق والدبلوماسي عمرو موسى، فإن كل ما قيل عن عدم خبرة مرشح الإخوان، ومأزقه في التعامل مع معاهدة السلام مع إسرائيل، يٌفترض أن يقال مع باقي المرشحين وهم (عبد المنعم أبو الفتوح وحمدين صباحي ومحمد سليم العوا وخالد علي) فبخصوص معاهدة السلام، فموقف هؤلاء المرشحين منها هو نفس موقف الإخوان، وهذا ما أعلنوه جميعا في برامجهم الانتخابية، بأنهم لن يلتزموا بأي معاهدات مع إسرائيل، وأن قضية تحرير الأقصى وفلسطين ليست قضية الإخوان وحدهم، بل قضيتهم هم أيضا وقضية كل العرب والمسلمين، والحال كذلك فيما يتعلق بانعدام خبرة الإخوان في إدارة شئون الدولة، فهؤلاء المرشحون لم يؤثر عن أي منهم أنه ترعرع في بلاط الملكية، أو تربى بين جدران القصور الرئاسية، ليكون مؤهل لتولي الحكم، بينما مرشح الإخوان لا، بل وإن جئنا للحق، فالإخوان مقارنة بكل الفصائل السياسية الأخرى التي دفعت بمرشحين للرئاسة -غير الفلول طبعا- هم الأفضل والأجدر والأنسب، على الأقل بحكم الشعبية والتاريخ، والصندوق أيضا!!

وعلى أية حال، فإن كل ما سبق لا يجب أن يٌفهم على أنه دفاع عن الإخوان، أو بحثا عن مبررات لأخطائهم في الثورة، إنما هو رغبة في توضيح رؤية غامت، فحجبت تحتها الكثير من الحقائق عن الناس، واختلطت داخلها المصداقية بالخداع، وغلبت فيها المزايدة على الإخلاص، لأن كثيرين ممن قالوا إنهم نصحوا الإخوان وحذروهم من الترشح للرئاسة، واعتبروا أن الانقلاب عليهم هو العقاب الإلهي لهم، لعدم استجابتهم لنصائحهم وتحذيراتهم، وجدناهم يغضون الطرف ويصمون الأذان، ويحجبون القلوب، عن إدراك الأسباب الحقيقية التي أدت للانقلاب، وهي وللإنصاف أخطاء شارك في ارتكابها الجميع، وليس الإخوان فقط، ومن ثم وجب مساءلة جميع القوى السياسية، خصوصا القوى المدنية التي بدت في الثورة وكأنها اتفقت فيما بينها على هدم المعبد على الجميع، ذلك بعد أن عجزت عن مصارعة الإخوان في حلبة السياسة، حيث خسرت أمامهم كل الانتخابات، وفشلت في الفوز بأي استحقاق انتخابي يتناسب مع غرورها، وضجيجها، وصوتها العالي داخل الميدان وخارجه، فراحت تصب غضبها وحقدها على الثورة والإخوان معا، عازمة وبقوة على إفساد العرس الثوري على الجميع.. والحقيقة أنه لولا تواطؤ هذه القوى وارتمائها في أحضان العسكر والثورة المضادة، هي وبعض القوى الإسلامية مثل حزب النور، لما سهٌلت مهمة العسكر في تنفيذ الانقلاب، والإجهاز على الثورة، فهذه القوى وفي مقدمتها حزب النور هي التي وفرت الغطاء السياسي والشعبي لعودة الجيش للمشهد السياسي مرة ثانية، بعد أن كان قد خرج منه في 30 يونيو 2012 عقب تسليمه السلطة للرئيس المنتخب، فعودة العسكر للشارع مرة ثانية كانت بناء على طلب وتفويض من تلك القوى، وقد كان مبررها المعلن وقتها، هو فض النزاع الدائر بين جماعة الإخوان وبقية القوى السياسية الأخرى، وهو النزاع الذي اخترعته النخب السياسية المحسوبة على القوى المدنية، تلك النخب التي تجمعت لاحقا في جبهة واحدة هي جبهة الإنقاذ، وقد ظلت هذه النخب محافظة على قوة وسخونة هذا النزاع طيلة الوقت توطئة للانقلاب، حيث رفض أعضاء الجبهة كل الحلول والمقترحات التي تقدمت بها مؤسسة الرئاسة، أو قدمها الوسطاء من الراغبين في التهدئة والخائفين على الثورة من الفشل، واستمرت على نفس هذا الحال واضعة العقدة في المنشار، مع الحرص المستمر على تأزيم الموقف كلما أوشك على الانفراج، إلى أن استحكمت حلقات الأزمة وتعقدت وأغلقت مثل الدومينو، ووصلت للدرجة التي عجز معها الجميع عن حلحلتها أو تفريجها، وبالتالي لم يكن هناك بد من تدخل الجيش، وقد تدخل فعلا بدعوى التهدئة وحفظ النظام وإنقاذ البلد من الحرب الأهلية، فيما كان هدفه الحقيقي، هو إسقاط الثورة ومحوها من التاريخ، لكن ومع ذلك ظلت القوى المدنية على عشمها في الجيش، متصورة أنه جاء لها ومن أجلها، وأن عودته للمشهد السياسي مؤقتة، ستنتهي بمجرد خلع الإخوان والخلاص منهم، بعدها سيقوم الجيش بتسليمهم السلطة على طبق من ذهب.. هكذا وعدوهم، وهكذا صدقوهم!!

خيرت الشاطر فقط!!

الدفاع عن الإخوان وتوزيع مسؤولية الفشل على جميع القوى السياسية بالتساوي، والتأكيد على أن الانقلاب على الثورة كان أمرا واقعا في كل الأحوال، وفي وجود أي فصيل سياسي بالحكم مهما كان أسمه أو حجمه أو أداؤه، لا يمنعنا من التأكيد على ارتكاب الإخوان لمئات الأخطاء التي أدت إلى فشل تجربتهم وضياع الثورة منهم ومن الجميع، فقد أهدر التنظيم فرصة العمر لإنجاح التجربة وإنقاذ الثورة، عندما وصلوا إلى الحكم، وأصبحت السلطة في حوزتهم، وخضعت لهم الرقاب، وقد كان بإمكانهم، فرض كلمتهم وقرارهم على الجميع، وعزل من شاءوا والإبقاء على من شاءوا، إلا أن رعونتهم  السياسية، ومواءماتهم البرجماتية، وتصديقهم للعسكر، حال دون فرض هيمنتهم في الحكم، وقد كان ذلك مرهونا بإدراكهم لأبعاد المسؤولية وحجمها، وفلسفة إدارتها، والأهم من كل ذلك هو توفر الأدوات اللازمة لقيادة دولة وإدارتها، وهي أدوات أشرنا إليها في المقدمة أعلى الصفحة، وعلى رأسها الكوادر المؤهلة والمُعَدة، بالشكل الذي يمّكن أصحابها من أن يكونوا رجال دولة عند الحاجة، وأن تكون لديهم -أي الإخوان- المنهجية التي تمكنهم من توفير البدائل المناسبة التي تعوض غياب الكوادر أو نقصها، إذا لم يكن بالتنظيم الأعداد الكافية التي تمكنه من تكوين منظومة حكم، يضمن من خلال أفرادها، الإخلاص والولاء، إلا أنه وبكل أسف لم يكن لدى الإخوان أي من تلك الأدوات، لا الكوادر، ولا المنهجية، حيث أن نقص الكوادر بالتنظيم، أو انعدامها إذا شئت الدقة، مثل اختبارا أول للإخوان في الثورة، لكنهم وللأسف رسبوا فيه وبجدارة، ولأنه كان أول الاختبارات، وكان الجسر الذي لا يمكن العبور للنجاح إلا به، فقد ترتب عليه الرسوب في كل الاختبارات التالية، ما أدى إلى سقوط دولتهم، وفشل تجربتهم، ثم الإطاحة برئيسهم!!

والحقيقة أن أزمة افتقاد الإخوان للكوادر الصالحة لقيادة دولة، ظهرت جليا عندما قررت الجماعة الدفع بمرشح للانتخابات الرئاسية، ذلك القرار الذي كشف عن حالة فقر شديدة بالكوادر داخل التنظيم، فقد تبين وقتها أن هذا التنظيم العريق صاحب التاريخ السياسي الطويل، الممتد لقرابة مائة عام، ويضم بين صفوفه ملايين الأعضاء، ليس به إلا رجلا واحدا فقط هو الذي يصلح للترشح لهذه الانتخابات، هو المهندس خيرت الشاطر نائب المرشد العام، والذي قرر التنظيم الدفع به في الانتخابات كاختيار أول وربما وحيد، إلا أنه وبعد قرار اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية برفض قبول أوراق ترشحه، لإدانته من إحدى المحاكم العسكرية، في قضية لم يٌرد إليه الاعتبار فيها، رأينا التنظيم وكأنه يتعرى وينكشف على حقيقته، ويظهر بلا رجال أو كوادر مؤهلة لمهام كبرى كهذه، فبعد استبعاد الشاطر، بدت الجماعة تائهة، حائرة، مشتتة، عاجزة عن الدفع بمرشح أخر يمتلك نفس مواصفات الشاطر، تلك المواصفات التي لم تشأ الأقدار والظروف أن نراها ونتعرف عليها لاستبعاد الشاطر من الترشح، صحيح مجلس شورى الجماعة، كان قد استقر على اختيار مرشح أخر كاحتياطي، تحسبا لأي ظروف تحول دون ترشح الشاطر، وكان البديل هو الدكتور محمد مرسي والذي كان يشغل في ذلك الوقت منصب رئيس حزب الحرية والعدالة (الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين) إلا أن الاختيار بدا للجميع أنه مجرد سد خانة، وتحسبا لظروف لم تتوقع لها الجماعة أن تحدث وهي استبعاد الشاطر، وقد رأى كثيرون داخل وخارج الجماعة، أن مرسي لم يكن اختيارا موفقا لاعتبارات عدة (لمسناها نحن لاحقا في أدائه السياسي) إلا أن تبرير الجماعة وقتها لهذا الاختيار، كان هو عدم وجود شخصيات -بعد الشاطر- أفضل من مرسي تصلح لهذه المهمة، وهو أمر بدا واقعيا ومنطقيا إلى حد كبير، بعد أن رأينا أداء ومهارات أبناء الجماعة في العمل السياسي والعمل العام بالدولة خلال تلك الفترة، متواضع للغاية، ولا يناسب تاريخ التنظيم وشهرة رجاله العظام، حيث لم يكن بينهم عنصر مسؤول واحد يصلح للدفع به في الانتخابات الرئاسية، خاصة وأن التنظيم قبلها كان قد قرر فصل أحد رموزه وقياداته البارزة، وهو الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، والذي كان يفترض أن يكون مكان مرسي بعد الشاطر، وهو ما أجمع عليه الناس وقتها، فالمعارضون للإخوان قبل المؤيدين، كانوا يرون أن أبو الفتوح هو أنسب من يمثل الإخوان في هذه الانتخابات، إلا أنه ولاعتبارات متعلقة بقواعد السمع والطاعة داخل التنظيم، وتفضيل أهل الثقة والإخلاص والانتماء، على أهل الخبرة والكفاءة والطموح، تمت الإطاحة بأبو الفتوح، بفصله من الجماعة، لأنه تمرد وطالب بحقه في الترشح للرئاسة دون رغبة التنظيم، مفضلين عليه الشاطر ثم مرسي، لكن الأقدار في النهاية جاءت بمرسي!!

والحقيقة أن افتقار الإخوان للكوادر المؤهلة والمدربة على شغل المناصب والوظائف المهمة، كان مفاجئا وصادما لكثيرين، في ظل التاريخ السياسي والنضالي الطويل للجماعة، فالناس كانت تعتقد – أنا منهم –  أن التنظيم به من الرجال الأكفاء أصحاب الخبرات السياسية والتنظيمية الكبيرة، ما يميزهم عن غيرهم بالتيارات السياسية الأخرى، وكنت أظن أن وجود تنظيم دولي للجماعة، يضم المئات وربما الألاف من الأعضاء المنتشرين في كل أنحاء الأرض، والمتغلغلين في الكثير من المؤسسات الكبرى بمختلف دول العالم، سنرى أثره على أرض الواقع، وسينعكس بالإيجاب على أداء الجماعة في ثورة يناير، ومن ثم في إدارة الدولة، ولعل ما ساهم في تعظيم هذا الاعتقاد، والتوقع بأن يقدم التنظيم ما لا يقدر عليه فصيل سياسي أخر، هو التاريخ السياسي الطويل للتنظيم، وخصوصا مكانة رجاله الأوائل من أصحاب التاريخ النضالي المشرف ضد الإنجليز في مصر، وضد اليهود في فلسطين، وشتان الفارق بين ما قرأناه في التاريخ عن رجال التنظيم الأوائل، وبين ما شاهدناه في رجاله الذين رأيناهم في ثورة يناير وبعدها، ولا شك أن الذي رفع من اسم ومكانة أبناء الإخوان في النفوس، هو العمل السري للجماعة في معظم الحقب التي مر بها التنظيم منذ النشأة 1928، حيث كان الناس يسمعون بالإخوان، ولا يرونهم، يقرأون عن نضالهم وبطولاتهم، وصمودهم أمام الأنظمة المختلفة، ولا يعرفون أماكنهم، أو صورهم، فكل الأخبار والمعلومات عن التنظيم ورجاله قبل ثورة يناير، كانت إما بالسمع أو القراءة فقط، وقد يكون هذا هو ما أكسب التنظيم الهالة الضخمة التي صحبته قبل وأثناء الثورة، حيث أنه كثيرا ما يكون غموض الشيء، وتخفيه، والتعرف على أصحابه من الكتب أو عن طريق وسطاء تحكي أمجاده، داعيا لإضفاء صفات هيبة وجلال على صاحبها، حتى وإن لم تكن به، إلى أن يخرج للعلن، ويراه الناس، ووقتها إما تتأكد هذه الهيبة وتتنامى إلى حب وتقدير ودعم، أو تسقط وتصبح سخرية وتهكم وتجاهل، وللأسف كان ظهور الإخوان على السطح في يناير، ومعاينة الناس لأدائهم السياسي والإداري على أرض الواقع، خصما من رصيدهم، لا إضافة، فالأداء السياسي الركيك للجماعة، والفشل الذريع في إدارة شئون الدولة، والعجز عن مواجهة الدولة العميقة، والانخداع لمكر العسكر، ترك انطباعا سيئا لدى الجميع، وسهّل كثيرا من مهمة الإعلام والدولة العميقة في النيل من رجاله والتشكيك في جدارتهم بالمسؤولية، كما أن ظهورهم على الناس وممارستهم للسياسة والعمل العام على الملأ، أثبت للجميع افتقاد التنظيم للرجال أصحاب المؤهلات السياسية التي تمكنهم من تولي مناصب عليا بالدولة، فكل الرجال الذين تم الدفع بهم في المواقع المختلفة بالدولة إبان الثورة، سواء في البرلمان بغرفتيه الشعب والشورى، أو الحكومة، أو الرئاسة، لم يجد الناس فيهم واحدا جديرا بالدفع به في انتخابات الرئاسة مكان خيرت الشاطر، وأن الدكتور محمد مرسي بأدائه السياسي المتواضع، وأسلوب إدارته اللين للدولة، الذي كان يشبه إلى حد كبير أسلوب إدارة الأب للأسرة، والمعلم للطلاب، والشيخ للتلاميذ، كان يمثل النموذج الأفضل والأنجح داخل التنظيم، قياسا بمن رأيناهم خلال الثورة، أو مقارنة بالأسماء التي تم الدفع بها في المواقع المختلفة بالدولة لاحقا!!

حكومة الإخوان.. المأساة الأكبر!

ولأن الفصيل واحد والنشأة والتربية هي نفسها، فما ينطبق على الدكتور محمد مرسي الذي أصبح رئيسا لمصر، ينطبق على فريقه الرئاسي الذي كان كل أفراده من الإخوان، ووضح على جميعهم انعدام الخبرات السياسية والإدارية، بل والحياتية، وهي خبرات يجب أن تتوفر في كل من يتم اختياره لوظيفة كبيرة وحساسة، كوظيفة مستشار لرئيس الجمهورية، فالتجربة أثبتت أن المسؤولية كانت أكبر منهم، والمواقف أقوى منهم، وقد جاءت الأحداث لتؤكد ذلك، وبينت أن كل أعضاء الفريق الرئاسي لمرسي كانوا عبارة عن مجموعة من الهواة، دُفع بهم في مهام لا يقدر عليها إلا المحترفون المخضرمون، حيث أن جميعهم افتقد للرؤية السياسية التي تواكب المهمة وتلاحق الأحداث، صحيح غالبيتهم إن لم يكن كلهم من ذوي الألقاب العلمية الرفيعة مثل الطبيب والصيدلي والمهندس ودكتور الجامعة، وجميعهم تبدو عليهم سمات التدين والأخلاق الحميدة، إلا أن هذه الصفات وإن كانت مستحبة ومطلوبة في الحياة الاجتماعية، خصوصا المصاهرة والتناسل، فهي في السياسة قد لا تكون ضرورية أو واجبة، إن لم تشفع لأصحابها بالمقومات والخبرات السياسية اللازمة، فمن الجائز أن يكونوا جميعا من المتميزين والمتفوقين والنوابغ في تخصصاتهم العلمية وأعمالهم الخاصة، إلا أن هذا لا يعني أنهم يصلحون بالضرورة لمهام سياسية كبرى كالتي اختيروا لها، ولا يمنع أيضا من احتمالية فشلهم في العمل السياسي، إذا لم يتدربوا عليه ويستعدوا له، فالسياسة لها ناسها رجالها العالمون بها، حتى وإن لم يكونوا من المتفوقين دراسيا، أو المتميزين علميا، وفريق مرسي الرئاسي، حتى وإن كان جميعهم من صفوة المتعلمين، إلا أنه لم يكن بينهم موظفا واحدا لفت الانتباه إليه، أو ترك بصمة تذكره الناس بها، فأداؤهم جميعا كان واحدا، أخلاق عالية، وسياسة صفر!!

وحالة الفقر الشديد في الكوادر السياسية داخل تنظيم الإخوان، ظهرت وبشكل أكبر وأوضح، وقت تشكيل الرئيس مرسي للحكومة، حيث ظن الناس وقتها أن مرسي سيأتي بحكومة إخوانية مليئة بالكفاءات التي تليق باسم وسيرة وتاريخ التنظيم، لا سيما وأنها الوزارة الأولى في التاريخ التي تشكلها الجماعة، فضلا عن أنها أول وزارة باسم ثورة يناير، إلا أن النتائج كانت صادمة، ومخالفة لكل التوقعات، لأن الحكومة جاءت هشة، وضعيفة، وبلا أهداف أو خطط، بل ودون توجه سياسي واضح، يحدد منهجها الاقتصادي، الذي ستدير به الدولة، ما إذا كان اشتراكيا أم رأسماليا، أم خليطا بين الإثنين، فقد كان وزراء تلك الحكومة من أطياف سياسية مختلفة، بدعوى أنها حكومة تكنوقراط، إلا أن الأيام أثبتت أنه لم يكن بالإمكان أفضل مما كان، وأن رئيس الحكومة والوزراء الذين معه، كانوا هم كل البضاعة المتاحة بالسوق السياسي أمام مرسي، لذلك كانت الاختيارات اضطرارية، ولم يكن عند مرسي بدائل أخرى تمكنه من تشكيل حكومة أفضل، لدرجة أن كثيرين (ربما الغالبية) من أعضاء هذه الحكومة كانوا من المحسوبين على دولة الرئيس المخلوع مبارك، فيما كانت القلة تمثل الثورة، وهم ستة وزراء فقط، خمسة من الإخوان، وسادسهم هو الدكتور محمد محسوب عضو حزب الوسط والذي اختير وزيرا للشئون القانونية والبرلمانية!!

ومع تسليمنا بالأخطاء العديدة التي يتحمل الإخوان مسؤوليتها، إلا أن هناك العديد من العوامل التي اضطرت مرسي لأن يشكل حكومته على النحو الذي خرجت عليه، وهذه العوامل هي التي صعّبت من مهمته في تشكيل وزارة قوية، مخلصة، تليق بالثورة وتحقق أهدافها، ويضمن من خلالها وجود وزراء مخلصين، أمناء على مصلحة البلد، وعلى سلامته الشخصية أيضا، لا مجموعة من الغادرين والمتربصين، يعادون الثورة، ويطعنون الرئيس في ظهره، مثلما حصل من بعض وزراء هذه الحكومة كما سنعرف بعد قليل، وعلى رأس هذه العوامل هي الضغوط التي واجهها مرسي، وفرضتها حالة الغليان والتناحر التي كان عليها الشارع المصري خلال تلك الفترة، في ظل الاستقطاب السياسي الذي فرضه التعارك المستمر بين القوى المدنية وقوى الإسلام السياسي، فضلا عن حرب الأعصاب التي شنها الإعلام والدولة العميقة على مرسي باتهامهم الدائم له، بالعمل على أخونة الدولة وأسلمتها، فقد تسببت كل تلك العوامل، في تقييد حرية الرئيس في اختيار وزرائه، كما أخافته حرب الإرهاب الفكري بأخونة الدولة، فكان يعمل حسابا كبيرا لردود الفعل، قبل الإقدام على الفعل نفسه، وكان حريصا على إرضاء كل الأطراف، حتى وإن على حساب الإخوان، أو الإسلاميين عموما، أو تعارض ذلك مع مصلحة عامة، أو تصادم مع رؤيته السياسية.. وعلى الرغم من أن الجميع أقر بالحق السياسي للرئيس في تشكيل وزارة على النحو الذي يراه ويريحه، حتى وإن كان جميع أفرادها من المنتمين للإخوان، أو من حزبه السياسي، وهو توجه ليس بالبدعة أو الضلالة، إنما تٌقر به كل الأحزاب والفصائل السياسية بالعالم، كما تخضع له أكبر وأعرق الدول الديمقراطية، حيث أنه وفي أمريكا مثلا عندما يأتي الرئيس من الحزب الجمهوري، تكون حكومته وفريقه الرئاسي بالكامل من الجمهوريين، ولا يجرؤ أحد من الأحزاب الأخرى على اتهامه بـ«جمهرة» الدولة، وكذلك الحال مع الرئيس القادم من الديمقراطيين، حيث يكون جميع أفراد حكومته وفريقه الرئاسي من الديمقراطيين ولا يُتهم بـ«دمرقطة» الدولة، وهكذا الحال في كل الدول، إلا أن معضلة مرسي الحقيقة لم تكن في كثير مما سبق، بقدر ما كانت في عدم وجود كوادر بالتنظيم تصلح لشغل المناصب الوزارية والوظائف الكبرى بالدولة، وتكفي لأن يشكل منها الرئيس منظومة حكم كاملة، كما يحدث في الأحزاب السياسية في الدول الكبرى، فللأسف بدا تنظيم الإخوان على كبر حجم، واتساع قاعدته” مخوخ ” خال من الكوادر الناجحة، وأن الذين يصلحون منه لأن يكونوا رجال دولة، لا يزيد عددهم عن عدد أصابع اليد الواحدة، ولو أن مرسي أراد أن يفعل مثلما تفعل الأنظمة في كل دول العالم، ويأتي بنظام كله من الإخوان، لما أسعفه التنظيم، ولما وجد أسماءً تصلح،  ولعل هذا هو ما دعاه لاختيار رئيس حكومة من خارج التنظيم، وهو الدكتور هشام قنديل والذي بالرغم من سمته الديني، ولحيته التي تكسو وجهه، لا تربطه علاقة بالإخوان، بل إن البعض يحسبه على الدولة العميقة، باعتباره كان وزيرا سابقا للري بحكومة عصام شرف ثم حكومة كمال الجنزوري، وكلاهما شكلهما المجلس العسكري أثناء الثورة، هذا فضلا عن حصوله في عهد مبارك على وسام الجمهورية من الطبقة الثانية (1995)، ورغم كل ذلك لم يكن اختيارا مقبولا لدى قوى الثورة، حيث رأى كثيرون أن مقوماته الشخصية والإدارية لا تتناسب أبدا مع المرحلة الثورية التي تعيشها مصر، باعتبارها مرحلة تحتاج لرئيس وزراء بروح الثورة، شجاع، قوي، حازم، ومن قبل كل ذلك محنك سياسيا، بيد أن قنديل كان عكس ذلك تماما، حيث بدا سهلا، لينا، هينا، ضعيفا، بدون خبرات سياسية!!

ولم تقف أخطاء الإخوان عند الفشل في اختيار رئيس مناسب للحكومة، أو في تحديد هوية سياستها، إنما كانت الأخطاء الحقيقية، بل الجرائم إن شئت، هي غض طرف السلطة عن سيطرة دولة مبارك على هذه الحكومة، حيث ضم التشكيل كما أشرنا عددا كبيرا من الوزراء المحسوبين على نظام مبارك، بلغوا سبعة وزراء، منهم وزيرا الدفاع الداخلية، ويكفي أن تكون هاتين الوزارتين بالحكومة تابعين للفلول والدولة العميقة، وليس محسوبتين على الثورة، فيما كان الوزراء الإخوان خمسة فقط أصبحوا عشرة في التعديل الوزاري الذي أُجري لاحقا وبعد فوات الأوان ( قبل شهر تقريبا من الانقلاب) وقد كان الوزراء السبعة الفلول، وعلى رأسهم الراحل المشير حسين طنطاوي وزير الدفاع، أقرب إلى الثعابين والأفاعي داخل حكومة قنديل، فقد لعبوا دورا مهما وخطيرا، في إفشال الحكومة، وأيضا في التمهيد للانقلاب على الرئيس وعلى الثورة، خصوصا وزيرا الداخلية اللواء أحمد جمال، وخليفته اللواء محمد إبراهيم، فالأول تمت في عهده أحداث قصر الاتحادية التي وصفها البعض بمحاولة انقلاب أولى على الرئيس، والثاني تم في عهده الانقلاب، وفض ميداني رابعة والنهضة، فيما كان الدور التخطيطي والتنفيذي لوزيري الدفاع حسين طنطاوي وبعده عبد الفتاح السيسي، ووجود كل هؤلاء الوزراء بحكومة الإخوان، مثّل أحد أهم الأسباب التي أدت لفشل الحكومة، ثم سقوطها، لكن المثير هنا هو أن تصرفات هؤلاء الوزراء لإفشال الحكومة وإسقاطها، كانت علنية وظاهرة للجميع ولا تخطئها عين، ومع ذلك لم يتحرك لا رئيس الوزراء، ولا رئيس الدولة، لتغييرهم أو اتخاذ موقف معهم، ولعل هذا هو ما أثار حفيظة وغضب، الوزراء الداعمين للرئيس والمحسوبين على الثورة، خصوصا محمد محسوب، الذي لم يتحمل تلك الأوضاع، فقرر الانسحاب في هدوء، بعد أن تقدم بالاستقالة لرئيس الجمهورية، حيث آثر الرحيل والابتعاد عن الاستمرار في أجواء تآمرية، لا تساعد على العمل وتحقيق مطالب وأهداف الثورة، بل إنها تنبئ بفشل مؤكد للحكومة، وتؤشر لوجود مخطط للانقلاب على الرئيس والثورة، والحقيقة أنها مؤشرات كان يستطيع أن يستنبطها المواطن العادي، قبل السياسي المخضرم، ولعلها هي التي جعلت كثيرين من المحيطين بالرئيس والقريبين منه، يطالبونه بضرورة إقالة قنديل وتعيين رئيس حكومة بدلا منه، قوي الشخصية، يعبر عن الثورة، ويقدر على مواجهة المتآمرين عليها، بصرف النظر عن أسمه أو فكره أو معتقداته السياسية، حتى وإن كان هذا البديل، هو الليبرالي دكتور محمد البرادعي، أحد خصوم مرسي!!

ولم يكن الحال أقل سوءا إن لم يكن أسوأ، عند اختيار الوزراء، حيث جاءت الاختيارات لتثبت أن هذا التنظيم العريق الضارب في عمق التاريخ، ليس به سوى خمسة أشخاص فقط من أبنائه هم من يصلحون لشغل وظيفة وزير، في حكومة تضم 31 وزيرا، وكان الخمسة هم أسامة ياسين وزير الشباب، وصلاح عبد المقصود وزير الإعلام، وخالد الأزهري وزير القوى العاملة، وإبراهيم غنيم وزير التعليم، ومصطفى مسعد وزير التعليم العالي، أضيف عليهم خمسة أخرين قبل الانقلاب بشهر فقط وهم محمد علي بشر للتنمية المحلية ويحيى حامد للاستثمار وباسم عودة وعمرو دراج للتخطيط وحاتم عبد اللطيف لوزارة النقل، ليصبح العدد 10 وزراء إخوان،  ولم يكن اكتفاء التنظيم بوجود هذا العدد فقط في الحكومة، نابع عن قناعة لدى التنظيم بالاكتفاء بتمثيله بهذا العدد، بالرغم من كونه هو الحاكم للدولة وصاحب الأغلبية البرلمانية الكاسحة في مجلسي الشعب والشورى، كما لم يكن استجابة للضغوط التي تعرضت لها الجماعة وممثلها في رئاسة الجمهورية بعدم احتكار المواقع المهمة بالدولة، إنما السبب الحقيقي وراء هذا التمثيل الهزيل، هو الافتقار للكوادر المؤهلة لشغل مناصب كبيرة، مثل منصب وزير!!

والحقيقة أن مشكلة الافتقار للكوادر، لم تكن هي الأزمة الوحيدة التي واجهت الإخوان والرئيس عند تشكيل الحكومة، إنما الأزمة الحقيقية كانت في عدم وجود رؤية أو منهجية مسبقة لدى الجماعة أو الرئيس، تحدد عملية اختيار الوزراء وكبار موظفي الدولة، فعند اختيار الوزراء بدا الرئيس مرسي عاجزا عن الوصول لتشكيل كامل للوزارة، حتى أن الأمر وصل في بعض الوزرات إلى عمل ما يشبه الإعلان عن حاجة الدولة لشغل وظيفة وزير، وذلك لسد الفجوة الناجمة عن عدم وجود كوادر بالتنظيم، وأيضا لاعتذار العديد من الأسماء التي عٌرض عليها الانضمام للوزارة، لذا لجأت الرئاسة لما يشبه عمل الإعلان لاستكمال بقية الحقائب الوزارية، وقد كانت تلك الطريقة هي التي جاء بها الراحل العامري فاروق (نائب رئيس النادي الأهلي سابقا) وزيرا للرياضة، حيث علم العامري وقتها، أن الدولة تبحث عن وزراء جدد من بينهم وزير للرياضة، فاتصل بأحد أصدقائه بجماعة الإخوان ممن لهم صلة برئاسة الجمهورية، ليتأكد من صحة ذلك، وقد أكد له هذا الصديق صدق الأنباء، فقرر على الفور التقدم لمنصب وزير الرياضة باعتباره عضوا سابقا بالنادي الأهلي، وباعتباره أحد المهتمين بلوائح وقوانين الرياضة، وكانت الجماعة قد رشحت قبله علاء عبد الصادق لاعب الأهلي السابق، لكنهم علموا أنه بدون مؤهل جامعي، فقرروا صرف النظر، والبحث عن وزير أخر، ولعل الذي ساعد على قبول العامري ضمن هذه الحكومة، هو الأخبار التي ترددت وقتها بأنه لديه تصورا لقانون جديد للرياضة، وقيل إنه قدم هذا المشروع ضمن مسوغات تعيينه وزيرا للرياضة، وهو قانون كان من المفترض أن يقدمه العامري للحكومة السابقة للثورة (حكومة أحمد نظيف) والتي كانت تفكر في تغيير قانون الرياضة أو تعديله، إلا أن الثورة لم تمهلهم الوقت، وقد رأى مسؤولو الإخوان وقتها أن تعيين وزير للرياضة لديه تصور لقانون جديد للرياضة، سيكون بمثابة الإضافة للحكومة، باعتباره يناسب التوجه العام للسلطة الجديدة الساعية إلى التخلص من القوانين القديمة، خصوصا التي وضٌعت في عهد مبارك، ولو أنهم سألوا أهل الذكر من العاملين بالوسط الرياضي عن حقيقة هذا القانون الذي مع العامري، لعلموا أنه لم يكن قانونا، وإنما كان مجرد تصور للائحة أعدها العامري لتقديمها لوزارة الرياضة وكان اسم الوزارة وقتها (المجلس القومي للرياضة) وكان يرأسه المهندس حسن صقر، وهي لائحة قاتل العامري من أجل تطبيقها، ليس بهدف المصلحة العامة، إنما لهدف شخصي محض، هو إلغاء (بند الـ8 سنوات) الذي كان معمولا به حديثا، ذلك البند الذي صدرت به لائحة في عهد حسن صقر، وكان يقضي بحظر الترشح بالهيئات الرياضية على كل من أمضى ثماني سنوات في منصبه، وقد أثار ذلك البند وقتها ضجة كبرى، بل تسبب في صدام عنيف بين المجلس القومي للرياضة ومراكز القوى التي كانت تحكم وتتحكم في الحركة الرياضية المصرية في ذلك الوقت، كما كانت تحتكر السلطة في كل الهيئات الرياضية الكبرى، مثل اللجنة الأوليمبية واتحاد كرة القدم والنادي الأهلي، وتعرض وقتها حسن صقر لحرب إعلامية شعواء، كان يقودها من الكواليس الراحل اللواء منير ثابت شقيق سوزان مبارك زوجة الرئيس المخلوع حسني مبارك، وكان ثابت يرأس اللجنة الأولمبية في ذلك الوقت، ومعه حسن حمدي رئيس النادي الأهلي سابقا، وكلاهما كان ينطبق عليه بند الثمان سنوات، وكان يدعمهما من الخارج صديقهما الدكتور حسن مصطفى رئيس الاتحاد الدولي لكرة اليد، وأذكر أن المهندس حسن صقر أسر إلي وقتها، أنه كان قد حصل على الضوء الأخضر من الرئيس مبارك قبل إصدار هذه اللائحة، وهذا ما قوى قلبه ذلك، وجعله يصمد أمام هذا اللوبي القوي، خصوصا منير ثابت شقيق الهانم، وكان دور العامري في هذه المعركة هو التقدم بمشروع اللائحة التي تقضي إلغاء هذا البند، وقد ظنت دولة الإخوان وقتها أن تعيين العامري وزيرا للرياضة وهو المحسوب على النادي الأهلي، من شأنه أن يمنحها مؤازرة ودعم جماهير النادي الأهلي التي تقدر بالملايين، وهو تقدير خاطئ، لأن جماهير الأندية (الأهلي خصوصا) لا تشجع إلا من يعمل داخل أسوار ناديها وليس خارجها، لكن وعلى أي الأحوال كان انتماء العامري للنادي الأهلي، أحد أهم العوامل التي شجعت على اختياره وزيرا للرياضة، وربما يكون هو نفسه السبب الذي جعل الإخوان والرئيس مرسي، يتجاوزون عن انتماءه السابق للحزب الوطني الذي قامت بسببه الثورة، حيث كان عضوا سابقا بلجنة السياسات التي كان يرأسها جمال مبارك والتي كانت تضم كل رموز الفساد في مصر قبل ثورة يناير، وهو أمر طالما كان يفاخر به العامري قبل الثورة، ويعتبره مصدر قوته السياسية والمعنوية بجانب قوة شعبية النادي الأهلي، ولذا لم يكن غريبا أن يكون العامري أحد الناقمين على ثورة يناير، وربما المعادين لها، ولعل ذلك هو ما جعله يصبح لاحقا أحد الداعمين للانقلاب، حيث كان من بين الوزراء الذين تقدموا باستقالاتهم قبل فترة وجيزة من الانقلاب، ضمن مخطط مرسوم يهدف لإحراج الحكومة وإسقاطها.. وعلى أية حال لم يكن أمام الرئيس مرسي من خيارات، سوى الموافقة على ضم العامري وأمثاله للتشكيل الوزاري، حتى وإن وصل الأمر لتشكيل وزارة كاملة من رجال مبارك، أو من الدولة العميقة، فمرسي فقد كل الحلول التي تمكنه من تغطية عجزه هو وجماعته عن الوصول لتشكيل كامل لحكومة يدين أفرادها بالانتماء للثورة، وبالولاء للرئيس، فالرجل لم يكن بيده سوى الاختيار العشوائي للوزراء، وقبول الصالح والطالح على حد سواء!

وإذا كان بعض الوزراء الإخوان بحكومة قنديل في تشكيلها الأول والثاني، خصوصا الشباب منهم، مثل أسامة وياسين في وزارة الشباب وخالد الأزهري في وزارة القوى العاملة، بالإضافة إلى باسم عودة في وزارة التموين، ويحيى حامد في وزارة الاستثمار، نجحوا في أداء مهمتهم على الوجه المأمول في حدود قدراتهم المحدودة، وخبراتهم المعدومة، إلا أن إدارة الدولة -أي دولة- أكبر بكثير من أن يديرها أربعة أو خمسة أشخاص أو حتى مائة أو ألف، ولا أظن أن عدد مسؤولي الإخوان بمن فيهم الرئيس ومستشاريه في ذلك الوقت، كان عددهم يزيد عن الألف، فهذا الرقم وإن كان حقيقيا فهو ضئيل جدا، ولا يتناسب أبدا مع تنظيم بحجم الإخوان المسلمين، ولا يتلاءم مع جماعة سياسية، دفعها الطموح لحكم دولة كبيرة بحجم الدولة المصرية، لأن إدارة دولة بحجم مصر تحتاج أضعاف أضعاف هذه الأرقام، وهو ما كان يستحيل على الإخوان إيجاده أو الوصول إليه، ليس من قلة الرجال بالجماعة، فالأعداد بها غفيرة، لكنهم كغثاء السيل، إنما المشكلة الحقيقية كانت هي عدم تأهليهم وإعدادهم، وهو أمر وإن كان يمكن القبول به مع أي جماعة سياسية أخرى شاركت في ثورة يناير، فإنه لن يكون مقبولا أو مٌنتظرا من جماعة رأت في نفسها القدرة والإمكانية، لحمل مسؤولية ضخمة، بحجم إدارة الدولة المصرية، ثم اكتشفت أن المهمة أكبر منها!!

نكمل في الحلقة القادمة بإذن الله.

أحمد سعد حمد الله

كاتب صحفي مصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى