الأحد مايو 19, 2024
مقالات

أحمد سعد يكتب: حرب غزة و«الشيزوفرينيا» المصرية!!

مشاركة:

يدهشني موقف الكثيرين من المؤيدين للجنرال عبد الفتاح السيسي قائد الانقلاب العسكري (2013) على الرئيس المصري الراحل محمد مرسي، ممن نراهم يبدون تعاطفهم مع أهل غزة في حربهم ضد الكيان الصهيوني، ويذرفون الدمع حزنا على الضحايا من الأطفال والنساء الذين يتساقطون بالألاف جراء القصف المتواصل على مدار الساعة من الطيران الإسرائيلي!!

أعجب لموقفهم ولا أرفضه أو أشكك في مصداقيته، إنما عجبي سببه هو أن هؤلاء المكلومين على شهداء غزة هم أنفسهم الذين صفقوا وهللوا ورقصوا على جثث المئات من إخوانهم الذين قُتلوا في ميادين مصر المختلفة أعقاب الانقلاب العسكري، فما الذي دفعهم على الاحتفاء بالقتل هنا، وما الذي حملهم على البكاء واللطم منه هناك؟!!

سيقول قائل إن الفارق بين الموقفين كبير، حيث في الحالة المصرية كان القاتل هو الجيش والشرطة المصريين، فيما كان المقتولين من أهل الشر، ممن يتآمرون على الدولة المصرية، ويخططون لتقسيمها، وبيعها للأعداء، ومن ثم كان قتلهم واجبا وتخليص البلد من شرهم حتميا، أما في حالة غزة، فالقتلة هم أعداؤنا من اليهود الصهاينة المغتصبين للأرض الفلسطينية، والمقتول هم إخواننا في العروبة من شعب غزة البريء الذي يدافع عن وطنه وأرضه وعرضه!!

هذا تفسير أتصور أن كثيرين -إن لم يكن الكل- من مؤيدي السيسي يعتنقونه ويؤمنون به، بل وينامون مرتاحي الضمير لاقتناعهم به، إلا أن هؤلاء سيفوتهم شيئا مهما عندما يسوقون رأيا كهذا لتبرير حالة «الشيزوفرينيا» هذه، وهو أن الدوافع التي ساقها أصحاب قرار قتل المصريين في الميادين المختلفة لتبرير الجريمة، وجعلت المؤيدين يرحبون بها ويحتفلون لأجلها، نسفتها الكثير من المواقف التي اتخذتها سلطة الانقلاب فيما بعد، بل وفضحتها حرب غزة التي نحن بصددها..

فقبل الانقلاب وأثنائه وبعده، كان المبرر الرئيسي لقادة الانقلاب وعلى رأسهم السيسي، هو أن الرئيس مرسي ومعه جماعة الإخوان المسلمين، كانوا يتآمرون على الدولة المصرية لصالح جهات أجنبية، وعلى رأس هذه الجهات حركة حماس الإسلامية الحاكمة لقطاع غزة، وهي نفسها الحركة التي اتُهمت في الأيام الأولى لثورة 25 يناير، بأنها وراء فتح السجون وتهريب المساجين، وهي التي أدخلت لمصر مئات الأسلحة وسلمتها لبعض الجماعات الإرهابية، بهدف استغلال الثورة لنشر الفوضى في البلاد، ولعل الذي أطلع على القضايا التي أتٌهم فيها الرئيس مرسي ومعه العشرات من أعضاء جماعة الإخوان، يعرف أن التخابر مع حركة حماس كانت واحدة من أهم تلك القضايا، ورغم عدم ظهور أي أدلة على هذا الاتهام حتى الآن، بل وكل الاتهامات الأخرى المماثلة والتي منها التخابر مع دولة قطر، إلا أن مؤيدي الانقلاب، راحوا يندفعون بكل قوة وراء تصديق تلك الاتهامات ويطالبون بمحاسبة أصحابها، وهم هنا ربما يكونون معذورين في ذلك، لأنهم مضطرون لتصديق رواية قيادات جيش بلدهم الذين لم يعهدوا عليهم كذبا قط من قبل!!

لكن الآن وتحديدا بعد حرب غزة الجارية حاليا، وما تبع ذلك من تحركات مصرية، لم يعد لهؤلاء أية أعذار للتمادي في التصديق وتأييد تلك الجرائم، خصوصا عندما يرون أن قيادات حماس الذين كانوا سببا في الانقلاب وأحد أسباب قتل الآلاف من المصريين، يلتقون بنفس قادة الانقلاب ويتناولون معهم الغداء والعشاء، ويبحثون  معهم الحرب وتداعياتها، وهي لقاءات لم تكن سرية، حتى نقول إنها لم تصل لمؤيدي الانقلاب، فنلتمس لهم العذر، بل هي معلنة وعلم بها الجميع، بل إن السلطة المصرية حرصت على إعلانها عبر بعض وسائل إعلامها، ومنها قناة القاهرة الإخبارية المملوكة لجهاز المخابرات، فهذه القناة هي من أذاعت اجتماعات اللواء عباس كامل مدير جهاز المخابرات العامة مع قيادات حركة حماس إسماعيل هنية وخالد مشعل وخليل الحية، فيما الأهم من ذلك والذي لا يُعتقد أن مؤيدي الانقلاب غفلوا عنه، هو أن من يقود القوات العسكرية في غزة هو حركة حماس، وأبو عبيدة الناطق الرسمي باسم الحركة والذي يحظى بإعجاب الناس جميعا ومنهم مؤيدي الانقلاب، هو من حركة حماس أيضا!!

فإذ لم تكن هذه هي «الشيزوفرينيا»، ففي أي المواقف يمكن أن نجدها؟!

Please follow and like us:
أحمد سعد
كاتب صحفي مصري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

قناة جريدة الأمة على يوتيوب