الجمعة أكتوبر 11, 2024
أقلام حرة

أحمد سعد فتال يكتب: نماذج مضيئة عن ضباط مخلصين في جيوش المسلمين

مشاركة:

يستهجن بعض الناس، بمن فيهم علماء ومثقفون، دعوةَ الضباط المخلصين في جيوش العالم الإسلامي للقيام بواجباتهم الشرعية ونصرة قضايا الأمة، ومن بينها قضية فلـسطين.

هذا الاستهجان سببه أن الجيوش لم تقاتل بصف الأمة وتوقِف المجازر التي تعرضت لها منذ ما يُعرف بفترة الاستقلال، أو حتى قبل ذلك، لكن في الوقت ذاتِه، فمن يستنكر فكرة استنصار الشرفاء في الجيوش يغفل عن أن التاريخ قديماً وحديثاً سجّل لنا نماذج مضيئة، أبطالُها رجال صادقون خرجوا من وسط قوى الكفر وانحازوا للإسلام، أو اتخذوا مواقف مشرّفة، وسأستعرض باختصار أبرز هذه النماذج بحسب ترتيبها الزمني من الأقدم للأحدث:

1- قيس بن مكشوح المرادي: كان الأسود العنسي أول من ادّعى النبوة، وسيطر على بلاد اليمن حين انتزعها من المسلمين سنة 11 هجرية وقد نكّل بالمسلمين، وارتكب الجرائم، وكان ذلك في أواخر حياة رسول الله ﷺ الذي أرسل إلى المسلمين في اليمن أن ينهضوا لمواجهة ذلك الكذاب، فاستطاع فيروز الديلمي ومَن معه أن يستميلوا قائد جند الأسود العنسي -قيسَ بن مكشوح- للإسلام، مستغلّين خلافه مع العنسي، وتمكّنوا من قتل الأسود العنسي داخل قصره وإراحة المسلمين من شروره.

2-  علي خان، ضابط برتبة بريجادير (عميد) في الجيش الباكستاني، وملحَق بقيادة الجيش، كان مخلصاً لدينه وأمته، رافضاً سياسة الحكومة الباكستانية وخِدمتها للولايات المتحدة، وكان يعد لانقلاب ينفذه مع مجموعة من الضباط في الجيش الباكستاني لتغيير نظام الحكم، وإقامة دولة الخلافة وتسليم السلطة لحزب التحرير، لكن قيادة جيش باكستان وتلبية لطلب الاستخبارات الأمريكية بإقصاء الضباط المتصلين بقضايا أمتهم، فكان التضييق والملاحقة لكل ضابط يظهر الاعتراض على هذا الإذلال للجيش الباكستاني، وتبعية قيادته للأوامر الأمريكية، فاكتشفت تلك المجموعة، وتم إلقاء القبض على خان عام 2011، وحكم عليه بالسجن 5 سنوات.

قائد معركة الكرامة الضابط الأردني مشهور حديثة الجازي والعميد في الجيش الباكستاني علي خان

3- مشهور حديثة الجازي: حاولت القوات اليهودية في 21/ 3/ 1968م احتلال مرتفعات السلط في الأردن، فتحرك الجيش الأردني لمواجهتها بقيادة الضابط مشهور حديثة الجازي الذي تقدّم صفوف القتال بعد أن أدى صلاة الفجر وتوجّه إلى الله بالدعاء، ثم أمر بفتح النيران على حشود العدو وأوقع بهم مقتلة كبيرة قُدرت بنحو 1200 جندي بين قتيل وجريح، وحوالي 400 إلى 500 آلية و7 طائرات، ما دفع قوات الاحتلال لطلب الهدنة ريثما تنسحب من الأراضي الأردنية، فوافق الملك حسين على ذلك وأمر مشهور الجازي بالتوقف عن القتال لكنّ الجازي -وفي خطوة جريئة- رفض أوامر الملك وأصرّ على استمرار القتال حتى انسحاب آخر جندي من أراضي الأردن، وكان له ذلك، حيث خرج جيش يهود مذلولاً مدحوراً، وسُميت المعركة حينئذ بـ«معركة الكرامة».

4- خالد الإسلامبولي: ارتكب الرئيس المصري السابق، أنور السادات، الخيانة الكبرى، حينما وقّع اتفاقية كامب ديفيد مع الكيان المحتل عام 1979، ما أدى إلى غضب في الشارع المصري وأوساط الجيش، دفَع الملازم أول في الجيش، خالد الإسلامبولي، ومجموعة أخرى من الضباط، لاغتيال السادات يوم 6/10/1981 في الحادث المعروف إعلامياً بـ«حادث المنصة»، خلال عرض عسكري كان يُقام كل سنة احتفالاً بذكرى حرب أكتوبر، أو حرب تشرين كما تُسمى في سوريا.

جوهر دوداييف رئيس جمهورية الشيشان

5-  جوهر دوداييف: في أواخر التسعينيات كان الاتحاد السوفييتي -وأثناء انغماسه بحرب أفغانستان- يواجه دعوات الاستقلال في بلاد البلطيق، وذاتَ يوم طلبت موسكو من القائد الشيشاني المسلم في القوات الجوية السوفييتية، جوهر دوداييف، التصدّي بالقوة العسكرية لحملة الاستقلال في إستونيا، فرفض قائلاً جملته المشهورة: (لا أحارب قط شعباً يناضل من أجل استقلال بلاده)، ثم استقال دوداييف من الجيش السوفييتي في 1990 قبل أن يُنتخب رئيساً للشيشان عام 1991 ويعلن الاستقلال، ويخوض في سبيل ذلك حرباً مع روسيا التي غزت الشيشان عام 1994، حيث قاد دوداييف الشعب الشيشاني للمقاومة مدة عامين حتى اغتيالِه سنة 1996.

 

6- الضباط المنشقون عن نظام الأسد: أحاط النظام المجرم جيش سوريا بطوق استخباراتي سميك ليأمَن محاولات الانقلاب، واستخدم سياسة التعتيم الإعلامي وغسل الأدمغة مع الضباط والجنود ليبقي على ولائهم له، لذلك كان كثير من الناس يستهزؤون ممن يقول إن هناك ضباطاً صادقين في الجيش السوري، لكن ما إن اندلعت الثورة وطالب الناس بإسقاط النظام، حتى انشق 3 آلاف ضابط بالحد الأدنى، أبرزهم حسين الهرموش، مِن هؤلاء الضباط مَن انضم إلى الجيش الحر، ومنهم من عاد إلى حياته المدنية.

ما عرضناه من أمثلة عن رجال مخلصين وضباط شرفاء يندرج ضمن فئة النماذج المشهورة، وإلا فإن هناك محاولات أخرى للتغيير في بلاد المسلمين قام عليها عشرات الضباط الذين أبَوا العيش في ظل الأنظمة العميلة، وحاولوا تغيير السلطات الخائنة، ورفْع راية الإسلام، بيد أنهم لم يستطيعوا الوصول إلى مرادهم لأسباب مختلفة.

هذه الوقائع تؤكد أن ثمة خيراً في الجيوش، لكن المراقبة التي يفرضها عليهم الغرب والحكام، والتهديدات التي يتلقّونها من المجرمين، تمنعهم من التحرك، وهنا يبرز دور الأمة بأن تشجّعهم وتؤكد لهم استعدادها لحمايتهم ومؤازرتهم حتى يتخذوا قراراً جريئاً وينفضّوا عن الحكام. وإن ما حصل في النموذج السوري خير دليل، حيث إن الضباط لم ينشقّوا إلا بعد توفر بيئة حاضنة لهم من الثوار، مع التنويه ههنا إلى أننا لا نطالب الضباط في الجيوش بالانشقاق، إنما بالبقاء في مراكزهم واستعمال قوتهم لنصرة الأمة والدفاع عن قضاياها.

منتدى قضايا الثورة

أحمد سعد فتال/ ناشط سياسي.

Please follow and like us:
أحمد سعد فتال
ناشط سياسي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *