اعتمدت صناعة السرديات سابقا على الخطابة ثم الراديو ثم القنوات التلفزيونية، واليوم أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي ساحة أساسية للتأثير على الجمهور، ولذا تُخصص لها الدول ميزانيات ضخمة وأجهزة ولجان مهمتها صناعة رأي عام يساير ويعزز خيارات تلك الدول.
ذات مرة أخبرني صديق بأن جهازا سياديا في دولة عربية عقد سريعا ندوة داخلية حول حلقة بودكاست شاركت بها عن حدث في تلك الدولة، وأنه في ختام الندوة تم تقديم توصيات للتشويش على ما قيل في الحلقة. وبعد يوم واحد تقريبا وجدت مئات التعليقات على يوتيوب وتويتر تردد كلاما بنفس المضمون، فأدركت أن هذه الحملة ضمن توصيات الندوة.
كذلك أحيانا أجد تفاعلات إيجابية مع منشور ما، ثم بمجرد تعليق أحد رموز الذباب الإلكتروني من العاملين بما يسمى بأجهزة الأمن الفكري، تتوالى تعليقات كثيرة بذات المضمون، مما يدل أن الذبابة الكبيرة افتتحت الحملة.
الشاهد إن أحيانا يغفل البعض عمن يحركون تلك الحملات، ويظنون أن الشعب الفلاني أو العلاني يقول كذا، والبعض الآخر يستغرب من ردود الفعل غير المنطقية، بينما المفترض إدراك أن وسائل التواصل الاجتماعي هي ساحة صراع بكل معنى الكلمة لصناعة السرديات، فالمطبعون وأبواق الاستبداد يقومون بدورهم، مثلما علينا أن نقوم بدورنا في مواجهتهم.