أحمد هلال يكتب: أصحاب الأرض ينتصرون
الجيش الإسرائيلي إذا أراد نشر ترسانته واستعراض قوته وما يمتلكه من قدرات عسكرية فائقة القوة وبالغة التطور التكنولوجي؛ إذا أراد نشر تلك القوات فإنه يحتاج إلى أضعاف مساحة غزة!!
ورغم ذلك فإن ما يحدث ميدانيا وعسكريا هو معجزة تخطت الحدود والجغرافيا والمنطق العسكري.
رغم كل الترتيبات والتجهيزات والتحضيرات ورغم حجم الإنفاق الكبير والحفاظ الدائم على التفوق المعلوماتي والإستخباراتي والتسويق الهائل لتلك الأسطورة؛ لكن المؤكد أنه ميدانيا وعسكريا قد تحطمت وتهشمت الأسطورة للأبد ولم يعد من الممكن إعادة ترميم ما تم سحقه؛ رغم كل جبهات الدعم والمساندة اللامحدود للكيان الصهيوني المحتل.
ورغم سيطرة اليمين المتطرف بزعامة نتنياهو على القرار الأوروبي البريطاني والأمريكي؛ ورغم السماح بمزيد من الوقت لتحقيق انتصار يغسل حجم العار والدمار، ورغم ذلك كله تكسر أنف الجيش الإسرائيلي ولم يعد هناك وقت لمزيد من الخسائر والتورط في وحل هزيمة مؤلمة يبكي لها أعضاء الكنيست الإسرائيلي المنهزم .
وكلما ازدادت المعاندة من نتنياهو كلما تقلصت الفرص في إحراز تقدم ميداني.
لذلك كان لابد أن تتعقل الولايات المتحدة الأمريكية الأمور ولا تندفع نحو تطلعات وطموحات شخصية لرئيس الوزراء المهزوم والمأزوم!!
تلك الحرب وضعت حدا للتحالفات وأظهرت كل المؤامرات وأوضحت كيف تدور السياسة الدولية في العالم وانكشفت مشاهد العبثية التي كانت تفتخر بالإنسانية والحرية والكرامة والمساواة والعدل وقوة الشرعية الدولية لا شرعية الغاب!!
لم تتأكد أمريكا من غباء موقفها غير المدروس إلا بعد توحل الجيش الإسرائيلي في مستنقع غزة وعدم قدرة القيادة السياسية ولا العسكرية على إعادة الأوضاع ما قبل السابع من أكتوبر!!
لذلك كان متغيرا كبيرا حدث في السياسة الأمريكية
عقد وزير الخارجية الأمريكي بلينكن مؤتمرا صحفيا في العاصمة اليابانية طوكيو بعد اجتماع وزراء خارجية الدول السبع..
وقال بلينكن كلاما مهما عن قطاع غزة ومستقبله يعتبر تراجعا كبيرا مهما عن كل المواقف التي أطلقتها الإدارة الأمريكية منذ «طوفان الأقصى»، في 7 أكتوبر.. وتمثل ابتعادا أمريكيا مهما عن كل ما مارسته الإدارة الأمريكية من مواقف تجاه قطاع غزة.
وقبل الدخول في أهم ما قاله بلينكن، نؤكد أن هذا التراجع الأمريكي بعد 33 يوما من المعركة ما كان له أن يحدث، لولا صمود وتضحيات شعبنا وبسالة المقاومة في قطاع غزة ،وشجاعة وقدرة الحاضنة الشعبية علي الصمود ..
أهم ما قاله بلينكن :.
1- إسرائيل لن تستطيع إدارة قطاع غزة.
2- واشنطن ترفض التهجير القسري للفلسطينيين.
3- واشنطن تأمل نهاية الحرب في أسرع وقت.
4- واشنطن تدعم حل الدولتين.
5- على إسرائيل عدم إعادة احتلال قطاع غزة.
6- على إسرائيل عدم فرض حصار على القطاع او اقتطاع اي جزء منه .
هذا يعني أن الإدارة الأمريكية توصلت إلى التالي :
1- استحالة احتلال قطاع غزة.
2- استحالة القضاء على حماس.
3- استحالة تحقيق الهدف الإسرائيلي في إعادة بناء الشرق الاوسط.
4- استحالة طرد الفلسطينيين.
5- صعوبة بقاء الحصار على غزة.
6- سقوط مفهوم احتلال أرض غزة ما يؤدي للربط مع احتلال الضفة الغربية.
7- اقتراب انتهاء الحرب.
8- أهمية وضرورة إغاثة قطاع غزة بشكل عاجل.
9- الاستعداد قريبا لإعلان تراجع أو هزيمة الاحتلال..وما له من تداعيات داخلية على المجتمع الإسرائيلي.
هذا التبدل المهم في الموقف الأمريكي هو ثمرة تضحيات أهلنا في غزة وصمودهم وجهد المقاومة..
وفي نفس الوقت حرصا علي المصالح الأمريكية والمحافظة على الجيش الإسرائيلي وحمايته من السقوط أكثر من ذلك!!
المعركة تلك المرة مختلفة تماما وكشفت حقائق كثيرة وتتمايز المواقف وافتضحت الإنسانية الأوروبية الأمريكية التي كانت مجرد خديعة لم يكتب لها الاستمرار وقتا أكثر من ذلك.
وبالمقارنة بين إنسانية أمريكا وأوروبا في حرب أوكرانيا في مقابل إنسانيتها في حرب أكتوبر غزة يتم اكتشاف الكذب بسهولة حتى رئيس أوكرانيا نفسه الذي نال تعاطف العرب لم يخفي صهيونيته وانحيازه الكامل للمحتل بتصريحاته العنصرية واللاإنسانية.
والذي يتحكم في تلك الصورة البغيضة هي عقلية وعقيدة دينية محرفة مرتكزة على عناصرها الثلاثة
أولها
كراهية العرب واعتبارهم حيوانات يجب التخلص منهم والقضاء عليهم
ثانيا استخدام القوة العسكرية ولت بديل عنها ولا مانع من ارتكاب مجازر إنسانية مهولة.
ثالثا ارتكازهم على عقيدة إسرائيل وحقها في فلسطين وان فلسطين أرض بلا شعب وإسرائيل شعب بلا أرض لذلك هي أرض إسرائيل الكبرى من النهر إلى البحر.
لا يمكن أن تتخلى السياسة الإسرائيلية عن تلك الثلاثية في كل مراحلها وليس هناك بديل عن ذلك .
ورغم القرارات الأممية الصادرة لإقرار حل الدولتين فإن إسرائيل قد دخلت تلك المفاوضات لكسب مزيدا من الوقت والسيطرة على مزيد من الأراضي الفلسطينية واحتلالها وعدم الانسحاب من أي أراضي يتم اغتصابها والاستفادة من درس الانسحاب من غزة الذي كلفهم خسائر هائلة ومؤلمة.
نتنياهو كان أحد أهم الداعمين لوجود حماس في غزة بعد فك الارتباط خصوصا انه أراد أن يصنع منها خصم للسلطة الفلسطينية حتى يحدث حالة من الشقاق الفلسطيني من جهة ومن جهة أخرى التنصل من كل مفاوضات مع السلطة الفلسطينية فيما يخص حل الدولتين.
ورغم واقع الهزيمة العسكرية المؤلمة غير أن الخطاب الإعلامي الرديء لأمريكا وأوروبا وإسرائيل يتحدث عن مستقبل غزة من دون حماس ويتشاورون فيما بينهم عن تشكيل قوة دولية تدير القطاع مع وجود قوات عربية ضمن تلك القوات غير ان الدول العربية رغم موقفها المتخاذل لم توافق على المشاركة في تلك القوات ولن تستطيع ذلك!!.
لم تستوعب أمريكا حتى الآن ميدانيا وعسكريا حجم الهزيمة ولا تبعاتها ولا متغيراتها ولا ترغب بالاعتراف بالفشل والهزيمة وتحاول الاستمرار في نفس مسار ارتكاب فظائع وجرائم حرب ضد الإنسانية في غزة من أجل ترميم ما تم سحقه عسكريا واستخباراتيا.
إذا استمرت المعارك على نفس الفشل والهزيمة سوف تكون إسرائيل مجبرة على التراجع والاعتراف بالهزيمة وقبول وقف إطلاق النار بشروط المقاومة.
طالت الحرب أم قصرت فإن المقاومة الإسلامية صنعت المستحيل وحققت نجاحات كبيرة ومعجزات عسكرية غير مسبوقة وتفوق ميداني كبير علي مستوى التخطيط العسكري والتفوق الإستخباراتي والمعلوماتي واحترافية الخطاب الإعلامي العسكري الرائع الذي جذب انتباه الملايين في العالم وانقلبت معه كل المفاهيم والقيم والأخلاق والمبادئ الجامعة التي يرتضيها ويقبلها العالم الحر؛ وأصبحت القضية الفلسطينية حاضرة في كل المنتديات وكل التجمعات الدولية.
ومن أهم أسباب نجاحات المقاومة هي الحاضنة الشعبية للقضية الفلسطينية التي أذهلت العالم في ثباتها وصمودها رغم الإبادة الجماعية والقصف المجنون ومسح أحياء بكاملها من خارطة العمران في غزة.
وقد انتشرت فيديوهات الثبات الأسطورة لأهل غزة لتصبح الحديث الإنساني المؤثر في توجهات وعقيدة الشعوب الغربية ومعرفتهم بالقضية والدفاع عنها؛ بل والبحث عن سبب ذلك الثبات ليجدوا أنفسهم أمام قوة روحية هائلة تدفع الكثير منهم إلى الخروج للإعلان عن دخوله في الإسلام والتحول من المسيحيَّة واليهودية إلى الإسلام!!
أهم إنجاز في تلك المعركة هو أن الشعوب وأصحاب الأرض ينتصرون مهما تعاظمت قدرات المحتل العسكرية والإستخباراتية فإن الأرض تعرف أصحابها وتحارب المحتل معهم!
لم تجتمع قوة دولية وإقليمية عسكرية في العالم كما اجتمعت أوروبا وأمريكا وإسرائيل لحرب بقعة ضوء صغيرة في بلد محتلة لتصبح غزة هي اصغر مساحة جغرافية في العالم تهزم أقوى جيوش واستخبارات العالم!!
كان اسم المعركة طوفان الأقصى اسما موفقا حيث أنه سارت تداعياته لتحدث طوفان كبير في الخطاب الإعلامي الصحيح لتحقيق مكاسب كبيرة في كل الاتجاهات.
وللقصة بقية
أحمد هلال
حقوقي وكاتب مصري