أحمد هلال يكتب: أنفاق فيتنام ومصيدة الفلوجة ومستنقع غزة نهاية الأسطورة!
بعد السابع من أكتوبر انتبهت أمريكا وأوروبا وإسرائيل على ضربة صادمة ومهينة ومركزة ولطمة في وجه البروبجندا الإعلامية للقوة الأسطورة التي لا تقهر.
كانت قهرا وغما وحزنا شديدا على سقوط إسرائيل في أكتوبر؛ وبعثرة كل المخططات الاستيطانية والاستعمارية وأوقفت التطبيع المجاني من الدول العربية ل إسرائيل؛ وتوقفت الحياة بين عهد قد مضى وتاريخ يتم صياغته من جديد!
بعد الاستفاقة توافدت الزيارات على إسرائيل لنجدتها بعد أن دوت صرختها واسمعت كل العالم عبر الميديا والإعلام الذي يتحكمون فيه؛ وظنوا أنه يمكن أن يستعيدوا شرفهم المهدور وكبريائهم المنهزم عبر دعاياتهم الكاذبة وروايتهم الملفقة!
وجاء الدعم والمساندة اللامحدود للكيان الصهيوني المحتل من أوروبا وأمريكا وبريطانيا وبعض أذيالهم من حكام العرب!
وحيث أن الضربات الجوية المتصاعدة لا تحسم معركة؛ كان لزاما من معركة برية في إقتحام غزة.
ولكن حذر بايدن من وقوع الجيش الإسرائيلي في فخ فيتنام أو حرب الفلوجة الذي تمرغ في وحلهما الجيش الأمريكي.
ومن هنا كانت الزيارة والاستشارة
وسعى المستشارون العسكريون الأميركيون بقيادة غلين إلى تزويد القادة الإسرائيليين بالرؤى المستفادة خلال الحملات التي قادتها الولايات المتحدة في سوريا والعراق، للاستفادة منها في الحرب.
وغلين خبير بحرب المدن وقاد بعضا من أكثر المعارك دموية في الفلوجة، بين القوات الأميركية والمقاتلين العراقيين
وقال قائد قوات مشاة البحرية الأميركية، إريك سميث، أمام حشد من الصحفيين في واشنطن: “لا تخطئوا، ما حدث أو سوف يحدث في غزة هو قرار إسرائيلي بحت، نحن لا نخطط معهم”.
يحاولون عبثا نفي تهمة تورطهم في غزة رغم كل الشواهد تدل على إدارة المعركة من البنتاغون!!
ووصف المهمة الاستشارية للقادة العسكريين الأميركيين في إسرائيل بأنها “تبادل عسكري محترف”.
لم يكن تبادل عسكري محترف بقدر أنه تبادل عسكري مغرور ومتعجرف وكان لابد من تأديبه مرة أخرى!!
وأعلن الجيش الإسرائيلي، أن خبراء أميركيين لهم تجربة في حرب العراق وصلوا إلى إسرائيل لنقل خبراتهم، قبل هجوم بري وشيك على قطاع غزة
ولا تؤيد الولايات المتحدة وقف إطلاق النار في غزة بل دعت على لسان المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي جون كيربي، إلى الاستعاضة عنها بـ«الهدنة الإنسانية المؤقتة» لإتاحة إيصال المساعدات الإنسانية الإغاثية والطبية.
وفي الحقيقة ليست هناك مساعدات طبية ولا إنسانية بقدر محاولة التخلص من العائق البشري بكل خسة ووضاعة وصمت ضمير العالم وارتفاع أعداد الضحايا والشهداء!
يبدوا ان إسرائيل تنفذ كل النصائح العسكرية الأمريكية في حربها البرية على غزة.
في العام 1969، تم سحب كل الطائرات التي عملت على قصف فيتنام الشمالية طوال الحرب وإحضارها للجنوب لقصف (كوتشي). انصب لهب طائرات B-52 على المنطقة وأحرقتها بالكامل. كانت القذائف تخترق الأرض لعمق 20 متراً على الرغم من أن بعض الأنفاق لم يتجاوز عمقها الخمسة أمتار. بعض الأنفاق تعرض للخراب وبعضها الآخر دُمّر بشكل كامل.
طوال فترة الحرب، كانت الأنفاق داخل وحول (كوتشي) مصدراً للإحباط بالنسبة للجيش الامريكي في سايغون.
كانت قوات الفييتكونغ متمكّنة جدّا من المنطقة بحلول العام 1965، ساعدهم على ذلك كونهم أصحاب الأرض وهم أدرى بها، فجعلهم هذا أصحاب القرار المتعلق بـتحديد زمان ومكان المعركة القادمة.
كانت “حرب الأنفاق” نقطة تحول مهمة في تاريخ فيتنام. ساعدت بشكل أساسي على حفظ وحدة فيتنام الشماليّة الداخليّة أكثر، مع السماح لهم بـ«القتال ليوم إضافي»، فساعدت على إطالة أمد الحرب وزيادة التكاليف والخسائر الأميركية حتى انسحابها في نهاية المطاف في عام 1972، والانتصار النهائي لجمهورية فيتنام في عام 1975، حيث جرّت أمريكا أذيال خيبتها بينما كان يحتفل الـ6000 فيتنامي الذين نجوا من تدمير الأنفاق من أصل 16000 مُقاتل كانوا هُناك.
وإذا استعرضنا ما أحدثه الجيش الأمريكي في الفلوجة يتبين لنا أن الخطة واحدة والإجرام واحد والإبادة متفق عليها.
أكد مراسل لصحيفة «التايمز» البريطانية أن معركة الفلوجة خلال الغزو الأمريكي على العراق تعتبر أكبر المعارك الامريكية الوحشية منذ حرب فيتنام وروى المراسل تجربته كصحفي مرافق مع القوات الأمريكية عام 2004 اثناء المعركة وهي المعركة التي جرح فيها.
وقال أن القوات الأمريكية قامت باجتياح المدينة وتدمير معظم مبانيها وتهجير سكانها ويتذكر الصحفي ما جرى في الأيام الاولى منها، فقد كانت الفلوجة من أكثر كوابيس حرب المدن للجيش الامريكي المحتل وكانت من أكثر المعارك التي خاضتها القوات الغازية كثافة منذ حرب فيتنام. وقال في تقرير نشرة بالصحيفة إن المدينة التي كانت معقل المقاومة العراقية كانت تمثل للجنود كابوس حرب مدن.
فقد كان على الجيش الامريكي والجيش الحكومي الرديء التدريب خوض معارك شوارع وحتى من بيت لبيت من أجل البحث عن المقاتلين الذين تبقوا بعد رحيل القادة من أجل زرع المقاومة في أماكن اخرى. ويقول التقرير أن عملية تفتيش البيوت كانت الأكثر خطورة، خاصة أنها كانت تتم في الظلام بعد أن تم تدمير كل خطوط الكهرباء في المدينة، كما أن الجيش كان يخشى من عملية تفخيخ المنازل وأن المقاتلين قاموا بوضع عبوات من غاز السيانيد الذي يؤدي للاختناق.
ويقول المراسل إن المعركة كانت مثيرة للدهشة لأن الجيش لم يكن قادرا على تحديد مركز إطلاق النار.
ويضيف أنه في صباح اليوم الذي بدأت فيه كتيبة الفرسان المدرعة بالتقدم نحو حي الجولان دخلوا مدرسة استخدمها المقاتلون مركز عمليات لكنهم تركوها مع تقدم القوات الأمريكية وكانت القنابل وأصوات الصواريخ في كل مكان وكل أنواع الاسلحة الثقيلة والخفيفة. وكل هذا كان يأتي من جانب المقاومة.
أما من جانب الأمريكيين فقد كانت هناك مروحيات كوبرا تطلق قنابلها على المناطق التي يتحصن فيها المقاتلون فيما كانت المدرعات والمصفحات والمدافع تقوم بهجماتها، وطائرات اف- 16 ترمي القنابل.
وفي هذا اليوم الأول يقول هيدر أن شظية أصابت ذراعه ولم يعرف حتى اليوم ما هو سببها إن كانت قذيفة ار بي جي أم غير ذلك.
نفس الطيران الحربي الإسرائيلي الأمريكي هو من يدمر غزة على ساكنيها متعمدا إزالة أحياء بكاملها من خارطة العمران.
ويقول المراسل إن الجنود كانوا يحاولون البقاء أحياء وهم يتقدمون في مدينة المساجد.
نفس معاناة الجنود الإسرائيليين في مواجهة المقاومة الشبح الذين يشعرون معها بالعجز والتقزم والانهزامية التامة ولا يدركون من أين يخرج المجاهدين من تحت الركام أو من الأنفاق ثم يجهزون عليهم ثم يعودون في هدوء وسكينة!!
وبرغم كل ما حدث للجيش الأمريكي في الفلوجة غير أنهم توحلوا في غزة بنفس القدر الذي تورطوا في الفلوجة.
وتظل معركة الفلوجة التي دمر الجيش الامريكي المحتل أحياء فيها وتم فرض حصار عليها من أكثر المعارك غموضا بين الأمريكيين والمقاومة التي خرجت من الفلوجة. وتم فرض حصار ونظام تفتيش على المدينة فيما لا يزال الكثير من سكانها في عداد المهجرين داخل وطنهم.
بينما أعداد النازحين في الداخل الفلسـطيني في غزة يقترب من مليونين مواطن باحثين عن مكان آمن ولكنهم لا يجدون لأنهم مستهدفين!
وبدأت معركة الفلوجة عندما تم قتل أربعة من الضباط الأمريكيين وقدر الأمريكيون في حينه أن نصف منازل المدينة (39 الفا) تم تدميرها بشكل كامل واستخدم الأمريكيون في العملية الفسفور الأبيض حيث نفوا استخدامه في البداية ثم عادوا واعترفوا بأنهم استخدموه كسلاح للدفاع.
إن حجم الدمار في غزة وما تم تجريبه من أسلحة في غزة لم يسبق له مثيل في أي حرب عالمية سابقة ولم يتبقى من توصيف حالة الحرب بأنها حرب عالمية ثالثة غير الإعلان الرسمي لها.
ومع استمرار المعارك، قال سام مورتيمر – وهو رقيب في قوات المارينز الأميركية – لمراسل أخبار القناة «4»:
«إنهم لا يعرفون ما سيأتي – إن ما سيأتي هو الجحيم. وإذا كان هناك مدنيون داخل المدينة فهم في المكان الخطأ، في الوقت الخطأ».
تكرار سيناريو الفلوجة في غزة يبدو أن أمريكا اعتقدت أنها سوف تحقق نصر عسكري يرمم الوجه القبيح لأمريكا وأوروبا وإسرائيل في غزة؛ لكن جحيم غزة يبدوا أنه أكثر ضراوة من جحيم الفلوجة. رغم تشابه المجازر الإنسانية في الحالتين!!
ويذكرنا هذا بصورة مرعبة باللغة التي استخدمت في تدمير فيتنام، حيث قتل ما بين مليونين إلى ثلاثة ملايين فيتنامي.
التضليل في أعداد الضحايا يأتي هذا من صحيفة لطالما دأبت على الترويج من دون توقف للمزاعم التي شاعت قبل الحرب، وفبركت في «الأضابير المراوغة» للحكومة، بحكاياتها المخترعة عن أسلحة الدمار الشامل العراقية التي يمكن إطلاقها على جبل طارق في غضون 45 دقيقة، وأنها مزودة باليورانيوم الذي تم الحصول عليه من النيجر وعن صلات صدام حسين بالقاعدة.
نفس الرواية الإسرائيلية الكاذبة ومحاولة شيطنة المقاومة الإسلامية حماس لتشكيل تحالف دولي رسمي للتغطية على المجازر ضد الإنسانية وشرعنتها؛ لكنها لم تفلح في ذلك وخسرت الحرب الإعلامية.
المجازر التي ارتكبها الجيش الأمريكي واللامبالاة السياسية والإعلامية بعمليات الذبح الجماعي التي ترتكب في بلدان العالم الثالث تصدم المرء دائماً. ومرّة أخرى فإن الوضع الحالي يرجّع أصداء فيتنام،
وفي الفلوجة أورد د. سامي الجميلي، وهو طبيب في المستشفى الرئيسي في البلدة في تقريره ما يلي: «لا يوجد في الفلوجة جرّاح واحد، وهناك العشرات من المصابين المدنيين يرقدون في منازلهم ولا نستطيع الوصول إليهم أو نقلهم، لقد مات للتو بين يديّ طفل في الثالثة عشرة من عمره».
وفي غزة يتم تكذيب كل الأرقام التي تصدر عن وزارة الصحة في غزة والتشكيك في أعداد الضحايا والشهداء للتخفيف من حدة الضغط الإعلامي والشعبي وعدم معارضة حرب الإبادة الجماعية واستهداف القطاع الطبي بالتدمير الكامل لإعاقته من أداء مهمته الإنسانية؛ باتفاق إقليمي دولي وأممي!!
وكما في فيتنام، فلن يتوقف الذبح إلا عندما ينهض أصحاب الضمائر الحية ومن في قلوبهم رأفة ورحمة في بريطانيا وأميركا، وينتزعون البراثن التي أنشبتها في العراق حكوماتهم النهمة للدولارات.
تراك هل ينتظر العالم إلى حين صحوة أصحاب الضمائر الحية ومن في قلوبهم رأفة ورحمة في بريطانيا وأميركا؟!!
هل سيأتي توقف تلك الحرب ممن يديرها؟!
أم ستجبره الخسارة العسكرية في الميدان وفقدان أعز ما يمتلكون من ضباط النخبة والجنود إلى التوقف عن ذلك المسار المدمر؟!
ومن تتابع الحكايات المثبتة في التاريخ والواردة من فيتنام والفلوجة يتضح أن أصحاب الأرض هم المنتصرون في النهاية مهما بالغ المحتل في أعمال إبادة ومجازر وجرائم حرب؛ سينتهون لنفس المصير وخزي النهاية!!
لعل الغباء السياسي والعسكري يقودهم إلى حافة الانهيار والاستسلام في النهاية!!!
أحمد هلال
حقوقي وكاتب مصري