في الآونة الأخيرة وبعد التغيير المتسارعة في سوريا عبر توافقات دولية وإقليمية وموافقات ضمنية تم التخلي عن دعم النظام السوري لتحقيق التوازن ومكاسب لأطراف عديدة، ورغم كثرة المستفيد من الأوضاع الجديدة والمتغيرات التي نتج عنها وجود مساحات فارغة كبيرة على المساحة الجيوسياسية، لكن البعض أصبح يتشكل لديه قناعة أن القوة هي التي تحسم المعركة دائما.
الثورات الشعبية في العالم العربي شهدت تباينات كبيرة في الأسباب والنتائج، وكان منها الثورة المصرية التي تميزت بسلميتها الفريدة مقارنة بغيرها من الثورات، مثل الثورة السورية التي انزلقت سريعًا إلى صراع مسلح.
هذه السلمية كانت مصدر فخر للثورة المصرية في البداية، لكنها طرحت تساؤلات عميقة حول فعاليتها كأداة
لإحداث التغيير في ظل أنظمة استبدادية متجذرة.
السلمية: خيار استراتيجي أم عائق أمام النجاح؟
السلمية في الثورة المصرية لم تكن مجرد خيار أخلاقي أو مثالي، بل كانت أداة استراتيجية لخلق زخم شعبي واسع، وجذب مختلف الفئات إلى الشوارع في 25 يناير 2011.
هذه السلمية نجحت في إسقاط رأس النظام، الرئيس حسني مبارك،
لكن السؤال الكبير كان: هل كانت السلمية كافية لتحقيق باقي أهداف الثورة، مثل الديمقراطية والعدالة الاجتماعية؟
بعد الثورة، تبيّن أن النظام القديم لم ينهَر بشكل كامل، بل أعاد تشكيل نفسه عبر أدوات جديدة، مستفيدًا من غياب القوة التي تجبره على التراجع الحقيقي.
وهنا تبرز معضلة السلمية: في غياب أدوات ضغط حقيقية، يصبح النظام قادرًا على الالتفاف على المطالب
الشعبية وقمعها بأساليب تدريجية، كما حدث مع الانقلاب العسكري في 2013.
ومما ساعد في اختيار السلمية خيار استراتيجي هو الانحياز الظاهري للثوار من جانب الجيش المصري الذي تلاقت مصالحه مع الثورة المصرية!!
الفارق بين الثورة المصرية والثورة السورية
الفارق الجوهري بين الثورة المصرية والثورة السورية يكمن في طبيعة رد فعل النظام ومدى استعداده لاستخدام القوة.
في مصر، حاول نظام مبارك امتصاص الغضب الشعبي بوسائل محدودة، بينما في سوريا، واجه نظام بشار الأسد الاحتجاجات بالقمع الدموي منذ اليوم الأول، مما دفع الثورة إلى التحول التدريجي نحو العمل المسلح.
الثورة المصرية استفادت من الوحدة الشعبية في بدايتها، لكنها افتقرت إلى قيادة موحدة واستراتيجية بعيدة المدى لتحقيق الأهداف بعد سقوط مبارك.
أما في سوريا، فكان القمع الوحشي للنظام دافعًا لتحول الصراع إلى حرب أهلية، وهو ما فتح الباب أمام التدخلات الدولية والإقليمية.
لم تكن الثورة السورية مسلحة في بدايتها بقدر أنها تحولت إلى السلاح بسبب رد فعل النظام السوري الذي أشعل فتيل الحرب الطائفية والإثنية أرهقت الشعب السوري الذي دفع ثمنا غاليا حتى اللحظة.
هل السلمية عائق؟
السلمية ليست عائقًا بحد ذاتها، لكنها تحتاج إلى أدوات داعمة لضمان نجاحها، مثل بناء جبهة سياسية قوية، واستراتيجية شاملة للضغط على النظام.
المشكلة في الثورة المصرية لم تكن السلمية، بل غياب القيادة الموحدة، والصراعات الأيديولوجية بين التيارات الثورية، وافتقارها لأدوات تمكنها من منع النظام القديم من استعادة السيطرة.
لم يكن لدى ثوار الميدان في بدايته رؤية واحدة ولا هدف واضح ولا قيادة واحدة تتوافق فيما بينها حول حدود تلك الثورة ومطالبها وأهدافها ووسائلها وتدرجها وتطورها.
السلمية والمشروعية
السلمية قد تكون فعالة إذا ترافقت مع استراتيجية ضغط ذكية تجمع بين الشارع والعمل السياسي.
غياب القيادة الموحدة يجعل أي ثورة، مهما كانت سلمية أو مسلحة، عرضة للفشل أو الانحراف عن أهدافها.
التحولات في سوريا ومصر أظهرت أن السياق الدولي والإقليمي يلعب دورًا كبيرًا في مسار الثورات، وأن السلمية وحدها لا تكفي إذا كانت الأنظمة تحظى بدعم دولي وإقليمي.
السلمية قادرة على الإطاحة برؤوس الأنظمة، لكنها تحتاج إلى أدوات تكميلية لتفكيك المنظومة الاستبدادية بالكامل.
الفارق بين التجربتين المصرية والسورية يظهر أن الظروف المحلية وطبيعة النظام هي التي تحدد مسار الثورة أكثر من طبيعة أدواتها.
ومن ثم، فإن نجاح الثورة المصرية السلمية لا يزال ممكنًا، لكنه يتطلب مراجعة الأخطاء السابقة واستعادة روح الوحدة والاستراتيجية بعيدة المدى.
نجاح الثورة السورية وتأثيرها على المشهد السياسي المصري
ماذا لو تحولت الثورة المصرية إلى ثورة مسلحة؟
سيناريوهات وتداعيات محتملة:
نجاح الثورة السورية أحدث حالة من الجدل حول السلمية أو الراديكالية وأصبحت القناعات تتشكل حول ضرورة تغيير مسار الثورة المصرية وتثوريها ليتم انتزاع الحقوق الأساسية كالحرية والديمقراطية للشعب المصري
ماذا يترتب على تلك الرؤية؟
تحول الثورة المصرية إلى ثورة مسلحة كان سيشكل مسارًا مغايرًا تمامًا لتاريخ مصر بعد 2011.
السلمية التي اتسمت بها الثورة المصرية كانت عنصرًا مفصليًا في قدرتها على استقطاب شرائح واسعة من المجتمع وفرض شرعية أخلاقية على النظام الحاكم. ولكن إذا افترضنا أن الثورة قد انزلقت إلى العمل المسلح، فإن هناك العديد من السيناريوهات والتداعيات المحتملة،
يمكن تقسيمها إلى إيجابيات وسلبيات، مع الأخذ في الاعتبار الواقع المحلي والإقليمي.
أولاً: السيناريوهات المحتملة إذا تحولت الثورة إلى مسلحة
1- قمع دموي شديد من النظام
النظام المصري كان يمتلك أدوات قمعية واسعة واستعدادًا لاستخدام القوة دون تردد. لو تحولت الثورة إلى مسلحة، فإن رد فعل النظام كان سيصبح أكثر وحشية، ربما كما حدث في سوريا، حيث تعامل النظام مع المعارضة المسلحة بأسلوب الإبادة الجماعية.
2- شرعية مفقودة للثورة السلمية التي أكسبت الثورة المصرية دعمًا شعبيًا واسعًا داخليًا، وتعاطفًا دوليًا.
لو تحولت الثورة إلى العمل المسلح، كان يمكن للنظام أن يبرر قمعه باعتباره «حربًا ضد الإرهاب»، مما كان سيؤدي إلى فقدان الثورة لتعاطف قطاعات واسعة من الشعب المصري والمجتمع الدولي.
3- تفكك المجتمع
العمل المسلح في مصر، بسبب تماسك التركيبة الاجتماعية والسياسية، كان سيؤدي على الأرجح إلى انقسامات مجتمعية وصراعات داخلية، وربما إلى حرب أهلية طويلة الأمد.
4- تدخلات إقليمية ودولية
التحول للعمل المسلح كان سيفتح الباب أمام التدخلات الخارجية من دول إقليمية ودولية، سواء لدعم النظام أو لدعم الفصائل المسلحة. هذا السيناريو كان سيضع مصر في خضم صراع إقليمي، كما حدث في سوريا وليبيا.
ثانيا: تداعيات التحول المسلح على مصر
1- انهيار الدولة المصرية،
بحكم بنيتها المؤسسية الهشة بعد عقود من الاستبداد، ربما كانت ستشهد انهيارًا للدولة نفسها، مع تراجع السيطرة على الأطراف، وتصاعد الفوضى الأمنية والاقتصادية.
2- معاناة إنسانية هائلة
كما شهدنا في دول مثل سوريا واليمن، فإن الثورات المسلحة تؤدي إلى دمار واسع النطاق ومعاناة إنسانية ضخمة، من نزوح داخلي وخارجي إلى انهيار الخدمات الأساسية.
3- استمرار الصراع لسنوات طويلة
بسبب التماسك النسبي للمؤسسة العسكرية المصرية مقارنة بغيرها في الدول العربية، كان من المتوقع أن يستمر الصراع المسلح لفترة طويلة، دون حسم سريع لأي طرف.
4- خسارة مكاسب الثورة السلمية
التحول للمسلح كان سيضيع كثيرًا من المكاسب التي تحققت في بداية الثورة، مثل الإطاحة بمبارك، والإجماع الشعبي الذي تم بناؤه حول المطالب الثورية.
اشتباك الثوار مع أجنحة مسلحة ليست في الحسابات الدقيقة عند الراديكاليين وهما تنظيم البلطجية المنتشر في طول البلاد وعرضها،
ثم تنظيم العرجاني في سيناء، قبل أن يصل الاشتباك مع الجيش والشرطة المصرية، مما ينذر بحرب أهلية طويلة الأمد.
ثالثًا: مقارنة بين الثورة المصرية والسورية في هذا السياق
الثورة السورية عندما تحولت إلى مسلحة وجدت نفسها في مواجهة نظام مستعد لاستعمال أقصى درجات العنف، مع تدخلات دولية واسعة النطاق.
مصر، بتركيبتها الديموغرافية ودورها الإقليمي، كانت ستواجه سيناريوهات مشابهة أو أكثر تعقيدًا.
ماذا لو تحولت الثورة إلى العمل المسلح بعد عشر سنوات على الانقلاب العسكري؟!
بعد مرور أكثر من عقد على الانقلاب العسكري في مصر عام 2013، يمكن تحليل سيناريو تحول الثورة المصرية إلى العمل المسلح بناءً على المعطيات الحالية، والتي تختلف كثيرًا عن تلك التي كانت موجودة في بداية الثورة
أو حتى خلال سنوات ما بعد الانقلاب. هذا السيناريو يتطلب النظر إلى السياق المحلي، الإقليمي، والدولي لفهم التداعيات المحتملة والمخاطر المترتبة على مثل هذا التحول.
الواقع المصري اليوم: عوامل داعمة وأخرى معيقة
عوامل قد تدفع نحو تحول مسلح:
1- الإحباط واليأس:
بعد مرور سنوات طويلة من الاستبداد والتضييق على الحريات وغياب أي أفق سياسي، قد يشعر بعض الأفراد أو المجموعات بأن العمل المسلح هو الخيار الوحيد المتبقي لإحداث تغيير.
وهذا الخيار بدأت تتسع له مساحة التنظير ومحاولات الضغط لتغيير حالة الجمود واستغلال حماسة الشباب وفرحتهم بنشوة انتصار الثورة السورية!!
2- تفاقم الأوضاع الاقتصادية:
الأزمة الاقتصادية الحادة التي تعيشها مصر، من ارتفاع التضخم والبطالة إلى تآكل الطبقة الوسطى، قد تؤدي إلى زيادة السخط الشعبي واستعداد البعض للجوء إلى العنف كوسيلة للتغيير.
3- تآكل شرعية النظام:
النظام الحالي يواجه تراجعًا في شعبيته، حتى بين الفئات التي دعمته سابقًا، مثل الطبقة الوسطى وبعض القوى السياسية، ما قد يفتح الباب أمام حركات مقاومة أكثر راديكالية.
4- وجود نماذج إقليمية:
استمرار صراعات مسلحة في دول عربية أخرى قد يُلهم بعض الجماعات باتباع النهج نفسه، خاصة مع بقاء تنظيمات مسلحة نشطة في المنطقة.
5- التعامل الأمني العنيف مع الملفات السياسية:
التعامل الأمني العنيف مع الملفات السياسية وتصديرها إلى الجهات الأمنية والعسكرية التي لا تجيد الحوار السياسي ولا تستوعب ضرورة فتح المجال العام للحوار والتوافقات السياسية.
عوامل معيقة:
1- قوة النظام الأمنية:
النظام الحالي يتمتع بأجهزة أمنية وعسكرية قوية جدًا، اكتسبت خبرة واسعة في مواجهة الحركات المسلحة، سواء في سيناء أو عبر مراقبة المعارضة داخل المدن.
2- غياب الحاضنة الشعبية للعمل المسلح:
بعد التجارب السلبية في المنطقة العربية (مثل سوريا وليبيا)، من غير المرجح أن يقبل الشعب المصري بسهولة فكرة العمل المسلح، خوفًا من الانزلاق إلى الفوضى أو الحرب الأهلية.
3- التجربة التاريخية للإسلاميين المسلحين:
تجربة العنف في تسعينيات القرن الماضي، حين تبنت بعض الجماعات الإسلامية العمل المسلح ضد الدولة، ما زالت ماثلة في أذهان المصريين، وهي تجربة أضرت بالحركات المعارضة وأدت إلى تشديد قبضة النظام.
4- التدخلات الدولية:
المجتمع الدولي، رغم انتقاده لبعض سياسات النظام المصري، لن يدعم تحولًا مسلحًا، بل قد يقدم دعمًا أكبر للنظام لمنع الفوضى.
النتائج المتوقعة لتحول الثورة إلى مسلحة الآن
1- على المستوى المحلي:
رد فعل النظام:
النظام سيستغل أي عمل مسلح لتبرير قمع أكبر، وربما فرض حالة طوارئ دائمة وإغلاق أي مساحة للنشاط السياسي السلمي أو المدني.
انقسام المجتمع:
تحول الثورة إلى مسلحة قد يؤدي إلى انقسام داخلي حاد، حيث سيقف جزء من الشعب ضد العمل المسلح،
بينما قد تؤيده بعض الفئات المهمشة أو الغاضبة.
تفاقم الأزمة الاقتصادية:
العنف سيؤدي إلى انهيار اقتصادي أكبر، مع هروب الاستثمارات، وتراجع السياحة، وزيادة التكاليف الأمنية، ما سيعمّق معاناة المصريين.
2- على المستوى الإقليمي:
تدخلات إقليمية:
مصر دولة مركزية في المنطقة، وأي صراع مسلح داخلي سيجذب تدخلات من قوى إقليمية ودولية لدعم أحد الأطراف أو لضمان عدم تأثير الصراع على استقرار المنطقة.
انتقال الصراع إلى دول الجوار:
أي عنف داخلي في مصر قد يمتد إلى الدول المجاورة، خاصة ليبيا والسودان، مما يزيد من تعقيد المشهد الإقليمي.
3- على المستوى الدولي:
انخفاض الدعم الدولي للمعارضة:
تحول الثورة إلى مسلحة سيؤدي إلى فقدان المعارضة لأي تعاطف دولي، وسينظر إليها باعتبارها “تهديدًا إرهابيًا” لا حركة تحرر.
تعزيز شرعية النظام دوليًا:
النظام سيستغل الوضع لاستقطاب دعم غربي أكبر، تحت ذريعة محاربة الإرهاب، كما حدث في حالات مشابهة في المنطقة.