بحوث ودراسات

أحمد هلال يكتب: إمكانية نجاح الثورة المصرية السلمية (2)

هل يمكن أن ينجح الخيار المسلح؟

نجاح الخيار المسلح يعتمد على عوامل عدة:

1- وجود قيادة موحدة واستراتيجية واضحة:

بدون قيادة واعية وأهداف محددة، سيتحول العمل المسلح إلى فوضى وصراعات بين الفصائل المختلفة.

2- دعم شعبي قوي:

أي حركة مسلحة لا تحظى بدعم شعبي كافٍ ستجد صعوبة في تحقيق أهدافها، خاصة في ظل النظام الأمني القوي.

3- التوازن العسكري:

النظام المصري يمتلك جيشًا قويًا وأجهزة أمنية متطورة، ما يجعل من الصعب على أي حركة مسلحة تحقيق تفوق عسكري أو حتى فرض واقع ميداني جديد.

4- الظروف الإقليمية والدولية:

التدخلات الدولية والإقليمية غالبًا ستعمل ضد أي حركة مسلحة في مصر، لضمان استقرار دولة محورية في الشرق الأوسط.

5- القدرة على حسم الصراع العسكري؛

وامتلاك أدوات التغيير والحسم في فترة زمنية وجيزة، وليس هذا ممكنا ولا متوفرا بالطبع ولا يوجد في مصر أي فصائل للمعارضة السياسية تمتلك كل أدوات التغيير أو لديها القدرة على اتخاذ القرار نحو التثوير، بسبب انحسار المعارضة وذوبانها في النظام العسكري الحالي.

وماذا عن البدائل الممكنة؟!،

البدائل الممكنة عن الخيار المسلح

1- تعزيز العمل السلمي المنظم:

رغم العقبات، يمكن للمعارضة أن تستفيد من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية لتوسيع قاعدتها الشعبية وإحياء الزخم السلمي.

2- بناء تحالفات واسعة:

توحيد المعارضة في الداخل والخارج، مع التركيز على قضايا جامعة مثل الحريات وحقوق الإنسان.

3- استغلال الأزمات الاقتصادية:

توجيه الغضب الشعبي المتزايد نحو تغيير سياسي تدريجي قد يكون أقل كلفة من العمل المسلح.

هل يمكن أن تتحول جماعة الإخوان المسلمين من المواجهة السلمية إلى المواجهة المسلحة؟

تحول جماعة الإخوان المسلمين، التي تبنت منهج السلمية لعقود طويلة، إلى المواجهة المسلحة يعد موضوعًا جدليًا يعتمد على عوامل داخلية وخارجية متعددة. رغم تاريخ الجماعة الذي يميل إلى العمل السلمي والدعوي، فإن الأزمات العميقة التي تواجهها منذ الانقلاب العسكري في 2013، بما في ذلك القمع الشديد والانقسامات الداخلية، قد تدفع إلى التفكير في هذا السيناريو. ومع ذلك، فإن هناك عوامل قوية تمنع هذا التحول.

أولاً: موقف الإخوان المسلمين من السلمية والعمل المسلح

جماعة الإخوان المسلمين، منذ تأسيسها في 1928، تبنت السلمية كإطار رئيسي لتحركاتها، ورفضت بشكل واضح المواجهة المسلحة مع الأنظمة الحاكمة، باستثناء بعض التجارب المحدودة مثل النظام الخاص في أربعينيات القرن الماضي.

والذي كان حاضرا في المواجهة مع الاحتلال البريطاني لمصر ولم يكن له مواجهة مع الجيش المصري أو الشعب المصري.

حتى في مواجهة القمع الذي تعرضت له الجماعة في عهد جمال عبد الناصر وفي العقود اللاحقة، بقيت الجماعة ملتزمة بالعمل السياسي والدعوي بعيدًا عن العنف.

بعد الانقلاب العسكري في 2013، تعرضت الجماعة لقمع غير مسبوق،

بما في ذلك اعتقال قياداتها، وقتل الآلاف من أعضائها ومؤيديها في مجازر مثل رابعة العدوية. رغم ذلك، ظلت القيادة الرسمية تؤكد التزامها بالمنهج السلمي ورفض العمل المسلح.

وكانت كلمة فضيلة المرشد العام للإخوان المسلمين (سلميتنا أقوى من الرصاص نهجا سلميا استراتيجيا)

ثانياً: العوامل التي قد تدفع إلى تحول الجماعة للمواجهة المسلحة

1- القمع المستمر وغياب الأفق السياسي:

الضغط الهائل على الجماعة، سواء من خلال الاعتقالات الجماعية، أو الإعدامات، أو الحملات الإعلامية المستمرة ضدها، قد يدفع بعض أفرادها أو قطاعات منها إلى التفكير في أن السلمية لم تعد خيارًا مجديًا، أثرت تلك الضغوط على بعض الأفراد وكانت لهم توجهات جديدة تخالف رؤية الجماعة لكنهم غادروا متأثرين بالأحداث والوقائع مما دفع الجماعة إلى اتخاذ قرار بفصل كل من انحرف عن منهج الجماعة.

2- انقسامات داخلية:

الانقسامات بين قيادات الإخوان في الداخل والخارج، وظهور تيارات شبابية أكثر تطرفًا أو أقل التزامًا بخط القيادة الرسمية، قد يؤدي إلى انشقاقات تتبنى الخيار المسلح.

3- الإحباط واليأس:

الشعور باليأس نتيجة الفشل في تحقيق أهداف الثورة أو إنهاء القمع قد يجعل الخيار المسلح يبدو الحل الوحيد أمام بعض الأفراد أو المجموعات داخل او خارج الجماعة.

4- نماذج إقليمية:

ظهور تنظيمات مسلحة في المنطقة، مثل “حماس” في فلسطين أو “طالبان” في أفغانستان، قد يشجع بعض الأفراد على الاعتقاد بأن العمل المسلح قد يكون أكثر فعالية في مواجهة الأنظمة القمعية.

الثورة السورية أصبحت نموذجا!!

ثالثاً: العوامل التي تمنع تحول الجماعة إلى العمل المسلح

1- التاريخ الطويل في السلمية:

جماعة الإخوان استمرت لعقود في بناء صورة سلمية لها على المستوى المحلي والدولي. والتخلي عن هذا النهج قد يؤدي إلى فقدانها لما تبقى من شرعية داخلية ودولية.

2- الواقع الإقليمي والدولي:

أي تحول إلى العمل المسلح سيضع الجماعة في مواجهة مباشرة مع المجتمع الدولي، الذي يصنف بالفعل بعض فروعها كتنظيم إرهابي.

3- غياب البنية المسلحة:

الجماعة لا تمتلك حاليًا بنية تنظيمية أو عسكرية تدعم التحول إلى العمل المسلح، على عكس تنظيمات أخرى مثل «داعش» أو «القاعدة».

4- الخوف من انقسام أكبر:

أي تحول إلى العنف سيؤدي إلى مزيد من الانشقاقات داخل الجماعة، خاصة بين القيادات الكبرى والشباب، وسيؤدي إلى إضعافها بشكل أكبر.

5- تجارب دول أخرى:

التجارب المسلحة في دول مثل سوريا وليبيا واليمن أظهرت أن العنف يؤدي غالبًا إلى انهيار الدول والمجتمعات، وهو ما لا ترغب الجماعة في أن تكون طرفًا فيه.

رابعاً: السيناريوهات المحتملة

1- استمرار التزام السلمية:

السيناريو الأكثر ترجيحًا هو أن تبقى جماعة الإخوان ملتزمة بالنهج السلمي، رغم التحديات الهائلة، لأنها تدرك أن التحول للعنف سيكون مكلفًا على كل المستويات.

2- تحول محدود لبعض الأفراد أو المجموعات:

قد نشهد انشقاقات من داخل الجماعة، حيث تتحول بعض التيارات الشبابية أو الأفراد الغاضبين إلى العنف بشكل مستقل عن القيادة المركزية.

3- التكيف مع الظروف:

قد تستمر الجماعة في العمل السلمي، مع تطوير أساليب جديدة للضغط السياسي والاجتماعي، مثل العمل عبر المنظمات الدولية، أو تشكيل تحالفات أوسع مع قوى المعارضة.

تحول جماعة الإخوان المسلمين إلى المواجهة المسلحة يبدو احتمالًا ضعيفًا في ظل الظروف الحالية، نظرًا للتاريخ الطويل للجماعة في تبني السلمية، ولغياب البيئة المناسبة داخليًا وخارجيًا لدعم هذا التحول.

ومع ذلك، فإن استمرار القمع وغياب الأفق السياسي قد يدفع بعض الأفراد أو المجموعات الصغيرة داخل الجماعة إلى التفكير في العنف كخيار.

الأرجح أن الجماعة ستظل متمسكة بالسلمية، مع محاولات لتطوير استراتيجياتها في مواجهة التحديات، لأن أي تحول مسلح لن يخدم أهدافها، بل قد يؤدي إلى مزيد من القمع والتفكك وفقدان الدعم الشعبي والدولي.

هل يمكن أن يحدث تغيير مفاجئ للحالة المصرية كما حدث في سوريا؟

التغيير المفاجئ في الحالة المصرية على غرار ما حدث في سوريا يعتمد على العديد من العوامل التي قد تؤدي إلى انفجار شعبي أو انهيار الدولة، إلا أن المشهد المصري يختلف عن السوري في عدة جوانب جوهرية تجعل احتمال حدوث تحول مشابه غير مستبعد تمامًا، لكنه يظل أقل ترجيحًا.

أوجه الشبه بين مصر وسوريا: العوامل التي قد تؤدي إلى تغيير مفاجئ

1- الاستبداد السياسي والقمع الأمني

كما في سوريا قبل الثورة، تعاني مصر من نظام سياسي مغلق يعتمد على القمع الأمني والاعتقالات الجماعية، مع غياب أي أفق للتغيير السياسي السلمي.

2- الأزمة الاقتصادية المتفاقمة

الوضع الاقتصادي في مصر بات يشكل عبئًا كبيرًا على الشعب، مع ارتفاع التضخم، انهيار قيمة العملة، وزيادة معدلات الفقر والبطالة. هذا الوضع مشابه للأسباب الاقتصادية التي ساهمت في تأجيج الثورة السورية.

3- الغضب الشعبي المكتوم

هناك حالة من السخط الشعبي المتزايد نتيجة لتدهور الظروف المعيشية وتزايد الفجوة بين الأغنياء والفقراء، وهي حالة تشبه ما كان عليه الوضع في سوريا قبل 2011.

4- التركيز المفرط على القوة العسكرية

اعتماد النظام المصري على المؤسسة العسكرية في إدارة البلاد يقابله استياء شعبي من تدخل الجيش في الاقتصاد والسياسة، وهو ما قد يؤدي إلى حالة من الغليان الشعبي ضد هذا النهج.

الاختلافات بين مصر وسوريا: لماذا قد لا يحدث تغيير مماثل؟

1- غياب الانقسامات الطائفية والإثنية

المشهد المصري أكثر تجانسًا من المشهد السوري، الذي كان يحمل انقسامات طائفية وعرقية واضحة ساهمت في تعقيد الصراع وتصعيده.

2- المؤسسة العسكرية القوية والمتماسكة

الجيش المصري مؤسسة متماسكة ولديها نفوذ كبير في الحياة السياسية والاقتصادية. على عكس الجيش السوري، الذي عانى من انشقاقات كبيرة بعد اندلاع الثورة، والذي تبخر بمجرد رفع الدعم الإقليمي (إيران والدولي (روسيا)، فإن الجيش المصري يتمتع بولاء داخلي قوي وقدرة على السيطرة على الوضع.

3- الموقع الجغرافي والاستقرار الإقليمي

مصر تمتلك موقعًا استراتيجيًا بالغ الأهمية (قناة السويس، حدود مع إسرائيل، دورها في المنطقة)، مما يجعل القوى الدولية والإقليمية حريصة على منع انهيار الدولة المصرية أو دخولها في حالة من الفوضى.

بينما سوريا كانت تشكل خطرا حدوديا على تركيا مما جعل تركيا تلعب دورا كبيرا ومهما في تغيير المشهد الجيوسياسي السوري.

4- التجربة السورية كدرس تحذيري

التجارب الدموية في سوريا، ليبيا، واليمن جعلت الشعوب العربية، بما في ذلك الشعب المصري، أكثر ترددًا في الإقدام على ثورات تؤدي إلى الفوضى أو الصراعات المسلحة.

5- ضعف المعارضة المصرية المنظمة

في سوريا، كانت هناك معارضة منظمة ومسلحة تمكنت من تحدي النظام لفترة طويلة.

في مصر، المعارضة مفككة وتفتقر إلى التنظيم والموارد، ما يجعل من الصعب عليها قيادة حركة تغيير مفاجئة.

العوامل التي قد تؤدي إلى انفجار مفاجئ

1- انهيار اقتصادي شامل

إذا استمرت الأوضاع الاقتصادية في التدهور بشكل حاد، مع تفاقم معدلات الفقر والجوع، فقد يؤدي ذلك إلى احتجاجات عفوية واسعة النطاق يصعب على النظام احتواؤها.

2- خطأ سياسي كبير

اتخاذ النظام لقرارات كارثية، مثل زيادة الضرائب أو تقليص الدعم بشكل مفرط، قد يؤدي إلى انفجار شعبي مشابه لما حدث في دول أخرى.

3- تداعيات إقليمية

تصاعد التوترات في المنطقة، مثل نزاعات على مياه النيل مع إثيوبيا، أو أزمة مع دول الجوار، قد تضعف قدرة النظام على السيطرة الداخلية.

4- حركات احتجاجية شبابية جديدة

الشباب المصري الذي يمثل النسبة الأكبر من السكان قد يتحرك بشكل غير متوقع، خاصة مع استخدام وسائل التواصل الاجتماعي للتنظيم والضغط.

5- تصدع داخل النظام

حدوث خلافات داخل النظام الحاكم، سواء في الجيش أو الأجهزة الأمنية، قد يؤدي إلى انقسامات تضعف قدرة النظام على السيطرة وتفتح المجال لتغيير مفاجئ.

سيناريوهات التغيير المحتمل

1- احتجاجات شعبية واسعة

قد تشهد مصر احتجاجات عفوية واسعة النطاق شبيهة بما حدث في 2011، لكن نجاحها يعتمد على مستوى القمع ورد فعل الجيش.

2- تصدع داخلي في النظام

إذا حدث خلاف داخل المؤسسة العسكرية أو بين أركان النظام، فقد

يؤدي ذلك إلى انقلاب داخلي أو إصلاحات جذرية.

3- تدخل خارجي

تصاعد الأزمات الإقليمية قد يدفع القوى الدولية إلى الضغط لتغيير النظام أو فرض تسويات سياسية.

4- استمرار الوضع الراهن

النظام قد يتمكن من احتواء الأزمات من خلال القمع وزيادة الاعتماد على الدعم الإقليمي والدولي، ما يؤدي إلى استمرار حالة الجمود لفترة أطول.

وحيث أنه لا توجد معارضة منظمة ومسلحة في مصر ولا تستطيع تلك المعارضة التوافق على تثوير الثورة المصرية ولا تمتلك الأدوات اللازمة لهذا التغيير، ومن ناحية أخرى اعتقاد البعض أن جماعة الإخوان المسلمين هي من تمثل مصر وحدها ومن ثم يجب أن تقوم بهذا الدور، ويتجه البعض نحو الدفع بشباب الإخوان المسلمين كوقود لمغامراتهم ومقامراتهم الغير مسئوله فإن جماعة الإخوان المسلمين لا تتجاوب مع تلك الدعوات الفارغة وليس من المتوقع أن تغير الجماعة من استراتيجيتها ورؤيتها في التغيير والتعامل مع النظام العسكري في مصر.

بات قرار التغيير في مصر مرهونا بإرادة شعبية كاملة تهدف إلى حراك واسع من كافة مكونات المجتمع المصري دون أن يتحمل مسؤولية التغيير فصيل أو حزب حيث أن مصر تسع الجميع.

أحمد هلال

حقوقي وكاتب مصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى