بعيدا عن الخلافات الداخلية للجماعة وفي رؤية تحليلة ومنهجية للبيان.
رد منهجي نقدي تحليلي على البيان الصادر باسم جماعة الإخوان المسلمون إلى المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية
أولاً: من حيث المشروعية والتمثيل
غياب التفويض الرسمي: البيان صادر باسم “جماعة الإخوان المسلمين”، ويُوقعه “الدكتور صلاح عبد الحق” بوصفه “القائم بأعمال المرشد العام”، في ظل انقسام تنظيمي داخلي عميق، دون وجود قرار مؤسسي معلن أو توافق داخلي، مما يجعل هذا الخطاب يفتقر إلى الشرعية التمثيلية.
التحدث باسم جماعة منقسمة: من المعروف أن الجماعة تعاني من خلافات، وبعض الانقسامات، وبالتالي فإن إصدار مواقف سياسية خارجية بهذا الحجم دون مرجعية جماعية يُعد افتئاتًا على الجماعة وتاريخها ومؤسساتها.
ثانيًا: من حيث الشكل السياسي والدبلوماسي
توجيه الرسالة إلى المرشد الأعلى وتجاهل الرئيس الإيراني:
اختيار مخاطبة “المرشد الأعلى” مباشرة دون المرور برئيس الجمهورية أو الحكومة الإيرانية يعكس تبنيًا ضمنيًا للنموذج السياسي الديني الإيراني، بما يحمله من تهميش لمؤسسات الدولة المنتخبة، وهو ما يتناقض مع فكر الإخوان الذين يرفعون شعار الشورى والتداول السلمي للسلطة. كما أن هذا التجاهل يُعتبر تجاهلاً للأعراف الدبلوماسية الإسلامية والدولية، وقد يُفهم منه أن الجماعة تُؤيد نظام “ولاية الفقيه”، وهذا خطر في الخطاب والدلالة معًا.
المجاملة الزائدة وتغييب التوازن السياسي: البيان يستخدم نبرة تمجيدية غير نقدية تجاه إيران، دون أي إشارة إلى ممارساتها الإقليمية المثيرة للجدل، وهو ما يُضعف من مصداقية البيان ويبعث برسالة خاطئة للرأي العام الإسلامي.
ثالثًا: من حيث المضمون
الدعم السياسي المؤقت والمصالح المرحلية:
من الناحية الاستراتيجية، فإن وقوف إيران في وجه الاحتلال الصهيوني –بغض النظر عن دوافعه– له تأثير مرحلي في تثبيت قوى المقاومة. ومن هذا المنطلق، فإن أي تنسيق معها يجب أن يُفهم على أنه دعم مصلحي مشروط ومؤقت، لا اصطفافًا أيديولوجيًا أو تبنيًا كاملاً لمشروعها. فهزيمة إيران في هذه المرحلة قد تنعكس سلبًا على أوضاع غزة وسوريا وحتى على توازنات مصر الإقليمية. لكن هذا لا يبرر تجاوز الثوابت أو التغاضي عن الانحرافات العقائدية أو السياسية لطهران.
تسطيح مفهوم “العدو المشترك”: الادّعاء بأن “العدو واحد” دون تحليل الواقع المتشابك يختزل الصراع، ويغفل أن أنظمة متعددة –بما فيها إيران– قد ارتكبت انتهاكات جسيمة بحق شعوب عربية ومسلمة، ولا يمكن وضعها جميعًا في خانة “المقاومة” دون تمحيص.
رابعًا: من حيث الخطاب الإسلامي والفكري
الانتقائية في استحضار تراث البنا: البيان يستشهد بأقوال الإمام حسن البنا عن الوحدة الإسلامية، ويتجاهل تحذيراته الواضحة من الاندماج في معارك الآخرين أو التحالف مع قوى لها أجندات طائفية أو استبدادية. وقد كان البنا حريصًا على وضوح الخطاب وعدم ممالأة الأنظمة على حساب مبادئ الجماعة.
إغفال الواقع السني والدماء المسفوكة: لم يذكر البيان شيئًا عن الجرائم الإيرانية بحق أهل السنة في العراق وسوريا واليمن، رغم أنها معلومة وموثقة، مما يُعد خيانة لحقوق المظلومين، وتواطؤًا صامتًا باسم الوحدة، في حين أن الوحدة لا تكون على حساب العدالة.
خامسًا: من حيث التداعيات والمآلات
الإضرار بصورة الجماعة: مثل هذه البيانات تُضعف ثقة الجمهور في جماعة الإخوان، وتُعزز السردية التي تتهمها بالتبعية لقوى خارجية، أو بامتلاك ازدواجية في الخطاب.
تعميق الانقسامات داخل الصف الإسلامي: البيان يصب الزيت على نار الخلافات بين الحركات الإسلامية، ويُفاقم التشرذم، ويُفقد الجماعة دورها التاريخي كجسر جامع بين مكونات الأمة.
ختامًا
البيان الصادر لا يمثل جماعة الإخوان المسلمين تمثيلاً شرعيًا أو تنظيميًا، ويتسم باندفاع سياسي، ويخلو من التوازن المنهجي والفقهي. كما أن تجاوزه للمؤسسات الإيرانية المنتخبة وتوجيهه مباشرة للمرشد الأعلى يُضفي عليه طابع التأييد العقائدي، وهو ما يتناقض مع مبادئ الجماعة وأدبياتها.
الدعم المرحلي المشروط للمواقف التي تخدم قضايا الأمة لا يعني تبني مشاريع الآخرين، ولا يجب أن يرافقه تغييبٌ للثوابت أو تنازلات فكرية.