علمنة المشروع الإسلامي…..
الأداة الناعمة لخدمة المشروع الصهيوني
وقفة الداخل الفلسطيني الاحتجاجية والجدل حولها نموذجا
هذه العلمنة لا تأتي من خصوم المنهج الإسلامي بل من نُخب تدّعي تمثيله وتتحدث باسمه وتُعيد إنتاجه من الداخل تحت شعار التحديث أو العقلانية أو التفاعل الحضاري.
يقول عبد الوهاب المسيري في كتاباته
“فإن الصهيونية ليست مجرد مشروع يهودي بل هي وظيفة غربية استعمارية خُلقت لعرقلة أي مشروع حضاري بديل في المنطقة خصوصًا المشروع الإسلامي بما يحمله من طابع توحيدي وشمولي ورؤية مناقضة للمادية الغربية.”
الجدل حول وقفة الداخل الفلسطيني أمام السفارة المصرية أظهر بعدا كبير من تلك العلمنة، حيث أن منتقدي تلك الوقفة تركوا الجاني وجلدوا المجني عليه
وتصوروا بذلك أن لهم رؤية سياسية واقعية تتعامل مع الأمر الواقع ولا تنكره
وتعتبر مجرد الوقوف أمام السفارة المصرية إهانة للدولة المصرية وتبرئة للفاعل الأصلي
في حين أن مجرد وجود تلك السفارة والاحتجاج على الوقوف أمامها هو كسب هذا التصرف القديم شرعية جديدة في ظروف سياسية هدفها التخلص من الاحتلال لا تثبيت أركانه بتثبيت العناصر المؤيدة لوجوده والمعترفة بشرعيته والتي تستمر في التعامل معه رغم إجرامه الذي فاق كل التصورات والمنطق.
إن الغفلة عن أصول الصراع والظهور بمظهر الحاذق الاريب سياسيا والناقد لتصرفات المقاومين من باب السياسة والكياسة ومراعاة البعد الدولي، هي استجابة هادئة لعلمنة الصراع، لينافي سبب الصراع في نفوس المقاومين لهذا المشروع الاستيطاني البغيض.
لقد تدافع كثير من المتدينين واندفعوا لشيطنة تلك الوقفة من هذا البعد السياسي الذي يبرد جذوة المقاومة في نفوس أصحاب المشروع الإسلامي المقاوم.
ربما يكون هذا الموقف صحيحا في سياقات مختلفة
لكن في ظل مقاومة المحتل والضغط عليه والضغط على معاونيه، لا يصح معه هذا الجدل الكبير او الانتقاد الذي تجاوز حدود اللياقة عند البعض.
يقول عبد الوهاب المسيري: “حين يُفرغ الدين من رؤيته الكلية يصبح جزءًا من منظومة الهيمنة… مجرد طقس فردي في عالم مادي لا مكان فيه للقداسة”.
ويضيف في موضع آخر: “الصهيونية مشروع وظيفي لا ينهار بالحرب بل حين يظهر مشروع حضاري بديل يسحب منها مبرر وجودها”.
أما الدكتور محمد عمارة المفكر الإسلامي الذي جمع بين العمق العقائدي والانفتاح النقدي فقد كتب محذرًا من هذه العلمنة المقنّعة: “الذين يريدون إعادة قراءة الإسلام في ضوء المعايير الغربية لا يعيدون قراءته بل يُفرغونه من مضمونه… إنهم يُنزلون الإسلام من عليائه ليصبح جزء من مشروع التغريب لا من مقاومته”. ويقول في موضع آخر: “ليس الإسلام بحاجة إلى أن يُعلمن، بل العالم هو الذي بحاجة لأن يُسلَم ليُعاد تأسيسه على مبادئ العدل والكرامة والتكافل”.
العلمنة الناعمة تبدأ بتحييد المفاهيم الجوهرية وتأويلها إلى معان روحية مجردة كأن يتحوّل الجهاد إلى مجرد مجاهدة النفس، والخلافة إلى تجربة تاريخية منتهية والأمة إلى إطار ثقافي لا سياسي ثم تُعاد صياغة الشريعة بمنطق فردي يُقرأ في ضوء المعايير الغربية لحقوق الإنسان لا كمرجعية شاملة تضبط الاجتماع والسياسة والاقتصاد.
ويتبدل الخطاب الإسلامي إلى خطاب تنموي فردي يبتعد عن مفردات العزة والتمكين
ثم تأتي الخطوة الأشد خطورة وهي إعادة تشكيل الحركات الإسلامية تُدمج في مشاريع ما يْسمى الإصلاح السياسي الغربي وتُمنح شرعية ما دامت لا تتجاوز خطوط الهيمنة الدولية.
لذا، فإن الحل لا يكمن في مقاومة الاحتلال بالسلاح فقط بل باستعادة المعنى، وبناء المفهوم وتأسيس خطاب إسلامي توحيدي يستمد من الوحي مرجعيته ومن الواقع أدواته ومن التاريخ إلهامه ودروسه دون أن ينجرّ إلى تذويب ذاته في منظومة دولية لا تعترف إلا بما يُطوّع ويُختزل ويُعقّم.
الصراع إذًا ليس بين إسلاميين وعلمانيين فقط بل بين مشروع تحرري إسلامي وبين أنماط ناعمة من التوظيف العقائدي والفكري تسهم من حيث لا تدري في تعزيز البنية الوظيفية للصهيونية إن علمنة المشروع الإسلامي ليست انحرافًا عابرًا بل بوابة استراتيجية لإعادة هندسة الوعي المقاوم ليخدم الخصم وهو يظن أنه يُصلح.
إن المعركة الكبرى ليست فقط مع الاحتلال العسكري بل مع الاحتلال الرمزي مع تفكيك اللغة وإعادة تعريف المفاهيم وتشويه الوعي الجمعي للأمة.
وكما قال البنا: “إن الإسلام إذا قَبِل أن يكون ذيلًا لفكر آخر فَقَدَ معناه وفَقَدنا معه كل شيء”.
أخيرا
علينا تحديد رؤية سياسية واقعية وتموضع يؤشر على موقفنا الواضح من الاحتلال الإسرائيلي وكل معاونيه، حتى لا نفقد البوصلة ولا يتم علمنة الصراع بأيدينا.