أحمد هلال يكتب: القمم العبثية وضياع القضية
«يجب علينا أن نعمل معًا من أجل التوصل إلى حلٍ للقضية الفلسـطينية»!.
محمد بن سلمان
القمة العربية الثانية والثلاثون في جدّة
وفي قمة الرياض تقريبا نفس التصريحات المملة والمستهلكة.
بعد خمسة أسابيع من طوفان الأقصى اجتمع حكام العرب وأمراء الخليج في قمة عبثية ونتائجها العبرية.
هكذا تكلم ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في ختام فعاليات القمة العربية مؤكدًا على محورية القضية الفلسـطينية ومحاولة إيجاد حل لها!.
وإذا كان ابن سلمان لم يُفصح عن ماهية هذا الحلّ الذي ينتظره العرب والمسلمون مع كل قمة منذ بضعة عقود، فإنه لا يصعب علينا استنباطه من خلال البحث والتنقيب في مجريات أحداث العقد الأخير وخاصة بدراسة العلاقة بين السعودية ومصر والدولة الصـهيونية، ومن ثمّ نستطيع التعرف بوضوح على كُنْهِ ذلك الحل المزعوم وجوهر حقيقته!.
وسوف تكون البداية مع محمد بن سلمان، وزيارته الطويلة للولايات المتحدة في مارس/أبريل ٢٠١٨م، حيث أخبر شخصيات بارزة من يـ.هود أمريكا أن أمام الفلسطينيين خيارين؛ إمّا القبول بعملية السلام ضمن طرح الرئيس الأمريكي ترامب المعروف باسم “صفقة القرن”، أو أن يلزموا الصمت ويتوقفوا عن الشكوى!..[١]
وهو نفس ما أكده قبلها بعام واحد عبد الفتاح السيسي خلال لقائه مع ترامب فى البيت الأبيض حين قال: «سنقف بشدة بجانب الحلول التى ستُطرح لحل القضية فى صفقة القرن، وأنا متأكد أن الرئيس الأمريكى سيتمكن من إنجازها»، وردّ ترامب حينذاك بالقول: «بالتأكيد سنفعلها»!.
وقد بدأ ترامب أول خطواته العملية تجاه تحقيق خطته، عندما أعلن فى ٦ ديسمبر ٢٠١٧م نقْل بلاده لسفارتها فى إسـرائيل من تل أبيب إلى القدس، وهو بالفعل ما حدث رسميًّا في ١٤ مايو ٢٠١٨م، وفى ذات اليوم، قُتل ٦٠ فلسـطينيًّا من المتظاهرين العُزل!..
واذا كانت المواقف الرسمية المعلنة للدول العربية تقف مع القضية الفلسطينية ظاهريا فإن المواقف غير المعلنة في منتهى التخاذل والإنبطاح بل في مستوى بيع القضية الفلسطينية والحض على التخلص من المقاومة الإسلامية بكل مكوناتها في غزة كما صرح بعض أعضاء المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية حماس حيث ذكر أن زعماء خمس دول يتواصلون سرا مع إسرائيل ويطلبون منهم والقضاء علي المقاومة في غزة!!.
وبرغم الدعم والمساندة اللامحدود للكيان الصهيوني المحتل من أوروبا وأمريكا؛ لم تستطع القمة العربية إتخاذ قرار للإنحياز ودعم سياسي واضح للمقاومة.
تمخضت القمة عن بيان مشترك يضم 31 بند لم يظهر بند واحد منهم مدى قدرة القيادة السياسية للدول العربية والإسلامية على إتخاذ موقف إيجابي يحدث تغيير ميداني كبير علي مستوى الأحداث التي تعرضت لها غزة من إبادة وتهجير ناحية الجنوب!
وقد لفت نظري البند
20 – إدانة العمليات العسكرية التي تشنها قوات الاحتلال ضد المدن والمخيمات الفلسطينية، وإدانة ارهاب المستوطنين!!
حيث أنهم لم يتحللوا من حق المستوطنين في التمتع بالحرية والأمان والاستقرار في مستوطناتهم!!
ويعتبرون المستوطنات واجبة لها الحماية من اي إعتداءات رغم ان الإحتلال الإسرائيلي من مقوماته المستوطنات!!.رغم الدعم والمساندة اللامحدود للكيان الصهيوني المحتل من أوروبا وأمريكا.
كذلك البند24
– التأكيد على أن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، ودعوة الفصائل والقوى الفلسطينية للتوحد تحت مظلتها، وأن يتحمل الجميع مسؤولياته في ظل شراكة وطنية بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية!!.
وهذا أيضا يؤشر إلى عدم الإعتراف المبطن بشرعية المقاومة المنضبطة بالضوابط الشرعية في فـلسطين والتي تقاوم المحتل بما لا يتعارض مع القانون الدولي الذي أعطي الحق في مقاومة الإحتلال بكل الوسائل!!
مما يعني بمفهوم المخالفة إدانة المقاومة الإسلامية في حقها في الدفاع عن القضية الفلسطينية وتحرير الأراضي المحتلة.
ثم يأتي البند الأخير للبيان
31 – تكليف الأمين العام للجامعة الدول العربية والأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي بمتابعة تنفيذ القرار وعرض تقرير بشأنه على الدورة القائمة لمجلسيهما.
ومن بعد تكليف الأمين العام للجامعة تضيع معها الحقيقة وتضيع القضية ولا جديد تحت الشمس!!.
وفي نهاية المشهد تأتي القمم وتذهب بذيل الخيبة والندامة ولا تكون مصدرا للتنفس والحركة أو أملا في التغيير أو اتخاذ القرار الصحيح لتحقيق المساندة والدعم الإنساني لأهل غزة المحاصرين منذ سبعة عشر عاما كاملة!!
ان مواقف أكثر المجتمعين من الزعماء والرؤساء والملوك لا تبشر بالخير ولا تنبيء عن أمل في موقف يستحق الثناء أو الشكر والتقدير!!
كيف يمكن تصور قمة يحضرها بشار الأسد الذي قتل شعبه بالبراميل المتفجرة أن يستمع لأصوات الثكالى وبكاء الأطفال من تحت الركام؟.
كيف يرجى الخير من وراء عبدالفتاح السيسي الذي سحق المدنيين في رابعة العدوية وماسبيرو والانقلاب العسكري على إختيار الشعب المصري والقبض على الرئيس محمد مرسي الرئيس المنتخب الشهيد وخيرة شباب مصر في السجون والمعتقلات!!.
لو تخيلنا حجم القوة العسكرية التي يمتلكها أصحاب الفخامة والسمو المشاركين في القمم لوجدنا أنها تكاد تكون نصف القوة العسكرية التي يمتلكها دول العالم كله لكنها فشلت فشلا ذريعا في إتخاذ قرار «لا سمح الله» حتى بإدخال المساعدات الإنسانية الإغاثية والطبية؛ ولم تجدي تلك القوة في حفظ ماء وجه المجتمعين أو كرامتهم!!.
إن ما يفعله الكيان الصهيوني في غزة هو ما فعله بشار الأسد في سوريا ولم تقل بشاعة ولا خسة ولا إجرام!!
على مدى خمسة عقود متتالية ضاعت كل فلسطين في متاهات القمم العربية والمفاوضات ولم يتبقى من زمن الأقزام غير معجزة المقاومة في غزة ولا أعتقد أن القمم العربية سوف تكون داعما للمقاومة بقدر محاولة التخلص منها والقضاء عليها.
ان البيان الصادر عن تلك القمم العبثية هو بيان عبري بإمتياز، حيث أنه يحمي الكيان الصهيوني ويمثل القبة الحديدية التي تضعف من قوة المقاومة الإسلامية حماس وباقي الفصائل؛ وأن ما أسفرت عنه لا يفيد الفلسطينيين ولا المقاومة بشيء!!.
إن المقاومة الإسلامية صنعت المستحيل وحققت نجاحات كبيرة ومعجزات عسكرية غير مسبوقة وتفوق ميداني كبير علي مستوى التخطيط العسكري والتفوق الإستخباراتي والمعلوماتي واحترافية الخطاب الإعلامي العسكري الرائع الذي جذب انتباه الملايين في العالم وانقلبت معه كل المفاهيم والقيم والأخلاق والمباديء الجامعة التي يرتضيها ويقبلها العالم الحر.
وان القمم العربية لا تحمل أملا في نجدة للمستضعفين أو مساندة للمقاومة لأنها ببساطه تشعر أمام مشهد المقاومة بالعجز والتقزم والإنهزامية والتبعية المطلقة للمشروع الصهيوني المحتل!!
وقد ربط نتنياهو وجود تلك الأنظمة الديكتاتورية المنبطحة بنجاحه في التغلب على سحق المقاومة!!
وحذرهم أن سقوطه يعني سقوطهم وزوال عروشهم سواء بسواء!
ميدانيا وعسكريا فإنه رغم مرور أكثر من خمسة أسابيع من طوفان الأقصى وعشرة أيام من العملية البرية فإن إحتمالية تحقق نصر عسكري يرمم الوجه القبيح لأمريكا وأوروبا وإسرائيل ليس ممكنا بحسابات منطقية وواقعية وسياسية.
وحسب تصريحات خبراء عسكريين إسرائيليين فإن الدخول البري في غزة هو الدخول إلى الموت المذل أو الهزيمة العسكرية المؤلمة!!.
إن بشاعة ما يحدث ميدانيا من استهداف إسرائيل للمستشفيات والأبنية المدنية وقتل وإبادة للمدنيين هى جريمة حرب بموافقة غربية لا يترتب عليها غير مزيد من الأخطاء العسكرية وتدهور الأوضاع وسحب المنطقة إلى حرب طويلة المدى، إن لم يدرك الجميع خطورة هذا المسار!!
طوفان الأقصى
تحولت من معركة محدودة إلى معركة مواجهة موسعة صفرية لابد أن تختلف نتائجها وتداعياتها عن المواجهات السابقة ولم يعد من الإمكان العودة إلى ما قبل السابع من أكتوبر. بل وأصبح من المستحيل!!.
اذا استمر عناد نتنياهو سيكون سببا في تسريع زوال الكيان الصهيوني بحكومته وجيشه؛ ستكون تكلفة الحرب كارثة كبري تهدد وجود دولة إسرائيل المزعومة.
ومن ناحية أخرى اذا استطاعت المقاومة فتح جبهات أخرى في الداخل الفلسـطيني فإن ذلك يزيد من صعوبة الحرب على إسرائيل.وان تحركات المقاومة في الضفة الغربية والقدس سوف يفتح دائرة المعركة ويزيد من صعوبتها على إسرائيل وسيكون متغيرا كبيرا وتطوير للمقاومة!! .
لا تزال المقاومة تبدع في التفوق والنجاح وتتحكم في المعركة ومسارها وتسحب الجيش الإسرائيلي إلى داخل غزة وصيده كما الفريسة في شبكة الصياد الماهر!!.
طوفان الأقصى قد بدأ لكن لم يعلم أحد النهاية متى وكيف تنتهي!!
لكننا نثق في تصريحات الملثم أبو عبيدة فقد أصبح محل ثقة الجميع في العالم وأصبحت طلته وصوته ووعوده وبياناته الهاما لكل الباحثين والمراقبين.
وللقصة بقية
أحمد هلال
حقوقي وكاتب مصري