أحمد هلال يكتب: ترامب وإعادة طرح مشروع «التهجير والتدويل»
«صفقة القرن».. بين رؤية ترامب والتصدي الدولي لمشاريع التصفية
في تصرف ملفت.. الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يسحب الكرسي لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في البيت الأبيض،
بينما يحدث ذلك التصرف انتابني مشاعر مختلطة بين الدهشة والضحك ومزيج من الشجن، وكثير من الوقوف على حقيقة من يحكم العالم!!!
تهافت ترامب على إعطاء صكوك جديدة للدولة المزعومة ومكاسب لم يصدقها نتنياهو، تجديد وعد بلفور ولكن بصورة أكثر وقاحة ومزيد من الصراحة!!،
وكأن تلك المنطقة لا يسكنها شعب ولا يحميها رجال، وينتظرون تقرير المصير من ترامب ونتنياهو،
رغم هزيمتهم مجتمعين على مدار أكثر من عام، أمام مقاومة شديدة البأس والقدرة والكفاءة والخبرة، رغم التحديات الهائلة والصعوبات ومن بين أنياب الحصار.
أعاد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال مقابلته مع CNN طرح رؤيته المثيرة للجدل حول غزة،
حيث تصور تحويلها إلى «ريفيرا الشرق الأوسط»، في مشروع يدمجها داخل منظومة اقتصادية عالمية،
مع إمكانية توطين «أناس من جميع أنحاء العالم» فيها، بينما أشار إلى أن مصر والأردن قد يقبلان باستقبال الفلسطينيين المهجّرين مؤقتًا.
هذا الطرح يعكس مقاربة ترامب القديمة التي سبق أن قدمها خلال «صفقة القرن»، حيث يرى أن الحل يكمن في فرض واقع اقتصادي جديد يتجاهل الجوانب السياسية والحقوق الوطنية للفلسطينيين.
لكن الجديد في تصريحاته الأخيرة أنه تحدث بشكل أكثر وضوحًا عن إعادة تشكيل ديموغرافيا غزة وفتحها أمام سكان من خارج فلسطين،
وهو ما يثير تساؤلات حول نوايا تصفية القضية الفلسطينية تحت غطاء إعادة الإعمار والتنمية.
ردود الفعل الفلسطينية: رفض قاطع وتصعيد سياسي
لم تتأخر المقاومة الفلسطينية في الرد على تصريحات ترامب، حيث أصدرت حركة حماس بيانًا شديد اللهجة، وصفت فيه هذه التصريحات بأنها «عدائية لشعبنا وقضيتنا» ولن تساهم سوى في «صب الزيت على النار».
وجاء في البيان تأكيد واضح على أن الفلسطينيين لن يسمحوا لأي قوة دولية بفرض وصاية على غزة أو احتلالها بأي شكل من الأشكال.
كما دعت الحركة الإدارة الأمريكية إلى التراجع عن هذه التصريحات التي اعتبرتها «غير مسؤولة ومتناقضة مع القوانين الدولية»،
مشددة على أن الشعب الفلسطيني دفع ثمنًا باهظًا من الدماء في سبيل تحرير أرضه، ولن يقبل بمشاريع التهجير أو إعادة التوطين.
الموقف العربي: السعودية ترسّخ ثوابتها
على المستوى العربي، جاءت تصريحات الخارجية السعودية لتؤكد بوضوح أن المملكة لن تقيم أي علاقات مع إسرائيل دون إقامة دولة فلسطينية، في موقف يعكس التزامها بمبادرة السلام العربية ورفضها للحلول التي تتجاوز الحقوق الوطنية للفلسطينيين.
كما شددت الرياض على رفضها لأي محاولات تهجير الفلسطينيين من أرضهم، في إشارة مباشرة إلى الطروحات التي ألمح إليها ترامب.
ولعل هذا البيان يضع حدًا لمحاولات إسرائيل وأمريكا استغلال الأزمات الإقليمية لترويج مشاريع تطبيعية تتجاهل جوهر القضية الفلسطينية.
فتأكيد ولي العهد السعودي على موقف بلاده «بطريقة لا تسمح بأي تأويل» يحمل رسالة واضحة بأن المنطقة لن تنخرط في أي تسوية لا تضمن الحقوق الفلسطينية كاملة.
الموقف الإسلامي: ماليزيا تندد بالمشاريع الاستعمارية
أما على المستوى الإسلامي، فقد جاء تصريح رئيس الوزراء الماليزي ليضع الطرح الأمريكي-الإسرائيلي ضمن سياق الاستعمار الحديث،
حيث أكد أن «القوى الاستعمارية تستخدم القوة بذريعة الأمن ولكنها في الواقع تؤدي إلى إبادة ونزوح، وهذا ما يحدث في فلسطين اليوم».
هذا التصريح يكشف عن إدراك عالمي متزايد بأن القضية الفلسطينية ليست مجرد صراع إقليمي، بل امتداد لمنطق استعماري يقوم على الإقصاء والهيمنة بالقوة.
وما يحدث اليوم في غزة هو إعادة إنتاج لهذا النهج، حيث يتم التلاعب بمصير السكان تحت ذريعة «إعادة الإعمار»،
بينما الهدف الحقيقي هو إعادة هندسة الأرض والسكان وفق المصالح الإسرائيلية والأمريكية.
بين رؤية ترامب والردود الدولية: هل تصطدم «صفقة القرن 2.0» بجدار الرفض؟
تصريحات ترامب تعكس استمرار النهج الأمريكي في التعامل مع القضية الفلسطينية عبر فرض حلول خارجية دون الرجوع إلى أصحاب الأرض،
لكن الفارق اليوم أن الردود الدولية جاءت أكثر وضوحًا وحسمًا في رفض هذه الطروحات.
فالموقف الفلسطيني جاء قاطعًا بأن أي محاولات لتغيير واقع غزة بالقوة أو بالضغوط الاقتصادية لن تمر،
بينما أكد المحور العربي، ممثلًا في السعودية، أن الحل الوحيد المقبول هو قيام دولة فلسطينية مستقلة.
أما ماليزيا، فقد وضعت القضية ضمن سياقها الحقيقي كجزء من صراع طويل ضد الاستعمار الحديث،
مما يشير إلى تصاعد الدعم الدولي للفلسطينيين، في وقت تحاول فيه واشنطن فرض مشاريعها بالقوة.
ردود الفعل الدولية
جاءت ردود الفعل الدولية والإقليمية متناغمة مع الحق الفلسطيني ومقاومته
التي تقف حجر عثرة في تمرير تلك المخططات الإسرائيلية والأمريكية ورفض التهجير والتأكيد على الحق الفلسطيني.
بيانات رفض من الاتحاد الأوروبي والصين وبريطانيا لتصريحات ترامب المتجدّدة
والدفع باتجاه المسارعة في إعادة إعمار غزة وتمكين الشعب الفلسطيني من حقه المشروع في إقامة الدولة الفلسطينية.
الواقع الفلسطيني أقوى من أي صفقات:
ما كشفته تصريحات ترامب الأخيرة هو أن رؤية «صفقة القرن» لم تمت،
بل يتم إعادة تدويرها بأشكال جديدة، مستغلة الأوضاع المتدهورة في غزة لفرض واقع سياسي جديد.
لكن الردود الفلسطينية والعربية والدولية تظهر أن هذه الطروحات، رغم خطورتها، تصطدم بجدار صلب من الرفض،
وأن أي محاولات لتصفية القضية الفلسطينية عبر التهجير
أو المشاريع الاقتصادية ستواجه مقاومة سياسية وشعبية لا تقل عن المقاومة المسلحة.
وفي النهاية، يظل الشعب الفلسطيني، رغم كل الضغوط، هو صاحب القرار في تحديد مصيره،
ولن تكون غزة «ريفيرا الشرق الأوسط»،
بل ستبقى جزءًا أصيلًا من الأرض الفلسطينية، مهما تعددت الصفقات والمشاريع الاستعمارية الجديدة.
وفي النهاية لم تعد لدي ثقة في تصريحات أطراف كثيرة حول القضية الفلسطينية
ولم يشغلني سوى قرار المقاومة الفلسطينية والشعب الفلسطيني.