مقالات

أحمد هلال يكتب: طوفان الأقصى وأرباح المقاومة

يقول ابن العربي: «كلّ حُبٍّ يُعرَف سببه لا يُعوّل عليه»

تقول إحدى المقدسيات عن غرامها بفلسطين والقدس:

مُمتنة بفيضٍ كبيرٍ لتفاصيل مقدسية أحببتها دون سبب، مُمتنة لغزة هاشم، مُمتنة ليافا عروس البحر، والأفضل أن أقول بأنني مُمتنة لفلسطين كلّها للأبد بلا سبب..

هي لنا.. وعد من الله و هذا الوعد يكفينا!

أشرف قضية في هذه الحياة شرّفنا الله بالدفاع عنها و حمل مسؤوليتها، أفلا نسعد بهكذا مكانة؟

كم مرّة تساءلنا عن السّبب الذي خصّنا الله فيه لنكون من حراس الأقصى، حراس أولى القبلتين وثاني المسجدين.. حراس الوصية النبوية والعُهدة العمرية..

هذا الاصطفاء المبارك حمل لنا في طيّاته الكثير لنحمد الله عليه و الكثير من المشاعر لتُقال والكثير الكثير من العمل والعطاء في سبيل تحقيق أحلام كبيرة مُقدّسة..

من لم يحلم للقدس لم يحلم أبداً ومن لم يعِش على أمل التحرير القريب لم يعرف معنى الأمل الحقيقي المُنبثق من آيات القرآن الكريم..

قدسنا،، عزّنا وفخرنا،، بالقلوب والأرواح أتينا منذ زمن،، أمّا بالأجساد فإننا آتون قريباً،، وما ذلك على الله بعزيز،،

مُبعدون قصراً رغماً عنّا و لكن هذا البُعد لن يكون حائلاً دون نصرتك.. فنحن أحفاد سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم الذي حين أُبعد من مكة عاد إليها فاتحاً بجيشٍ كبيرٍ..

أعلمُ أنك تسمعين أصوات دعواتنا لكِ و لشهدائكِ و لأسراكِ البواسل..

المجدُ كلّ المجدِ لهم!

وأعلمُ أنكِ ستشهدين لنا يوم تُبلى السرائر..

أنتِ المدينة المقدسة المباركة.. أنتِ المدينة التي يصعب علينا تجاوز التعبير عن مشاعرنا تجاهها بكلمات فلطالما كان حبنا لكِ أقوى من أن يُحكى أو يُفسر..

فهي المشاعر لا تٌدرك إلا بالإحساس..

قضية فلسطين كانت هكذا بمليء المشاعر والأحاسيس والحب من  دون سبب ، وربما يكون السبب في عمقها التاريخي الذي جمع كل الديانات والرسالات، وكانت ملتقي الإسراء ونقطة المعراج وأولى القبلتين وثاني المسجدين وثالث الحرمين الشريفين.

وهي بركة الله في أرضه وحول المسجد الأقصى «الذي باركنا حوله» ولم يرتفع شأن المسلمين في زمن إلا وكان المسجد الأقصى والقدس بحوزتهم.

وفي يوم الفتح عجبا نرويه كتب السيرة والتاريخ مختصرا:

وفي عام 15هجرية أرسلَ الفاروق عمر قادة الجيوش الإسلامية إلى حاكم القدس ليسلمهم مفاتيح مدينة الأقصي  بعد أن أراد السلم،فأبى حاكمها البطريرك صفرونيوس أن يُسلم المفاتيح لأيّ من القادة «عمرو بن العاص، أو شرحبيل بن حسنة، أو أبا عُبيدة عامر بن الجراح».

البطريرك فصل ما أجمله للصحابة الثلاثة قائلا : لقد قرأنا في كُتبنا أوصافاً لمن يتسلم مفاتيح مدينةالقدس، ولا نرى هذه الأوصاف في أي واحد من قادتكم، فأرسلوا إلى الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه) وطلبوا منه الحضور ليتسلم المفاتيح بنفسه.

الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه استجاب للدعوة وحضر برفقة غلامه ، وكانا يتناوبان على ر كوب الدابة ويتركانها ترتاح مرة..

ودخل الغلام راكباً وأمير المؤمنين يمشي على قدميه، ولما وصلوا نظر صفرونيوس إلى عمر وثوبه وهو يقودُ الدابة لغلامه فسلمهُ مفاتيح القدس وقال له: أنتَ الذي قرأنا أوصافه في كتبنا يدخلُ ماشياًوغلامهُ راكباً وفي ثوبه سبعة عشرة رقعة.

وساعتهاوبعدما تسلم عمر بن الخطاب مفاتيح بيت المقدس خرَّ ساجداً لله، وقضى ليلتهُ يبكي وما جفت دموعه،ولما سُئل عن سبب بكائه قال: أبكي لأنني أخشى أن تـُفتحَ عليكم الدنيا فينكر بعضكم بعضاً، وعندها يُنكركم أهل السماء.

رويدا رويدا كانت مؤامرة الإحتلال الإسرائيلي ابتداءا من وعد بلفور وانتهاء برعاية أمريكا وأوروبا!

وبدأت القضية الفلسطينية تتضائل من حيث الاهتمام والأهمية والمكانة والقدسية.

عبر حروب وإنتكاسات وهزائم.

تحولت القضية الفلسطينية من قضية الأمة الإسلامية إلى قضية عروبية بدخول الجيوش العربية الحرب في فلسطين ومع كل نكبة تنكسر وتنحسر أهمية القضية ومع كل مفاوضات عبثية تضيع أجزاء من الأراضي المحتلة!!

وتحولت المؤامرة على القضية حتى إنحسرت بمسماها الضيق «القضية الفلسطينية» ليتحلل منها كل العرب تحت مزاعم كاذبة بأن أصحاب الأرض قد باعوها للمحتل!!

ثم إنحسرت المسألة الفلسطينية في صراع داخلي بين فتح وحماس؛ وقد إستطاعت إسرائيل في غفلة من الزمن أن يحدث مواجهة مسلحة بين طرفي الخلاف نتيجة عدم الإعتراف بالإنتخابات التي تمت في قطاع غزة وفازت فيها حماس.

وأصبحت فتح وحماس طرفي نقيض وليس أصحاب وطن واحد !!

وما بين صراع السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية والتنسيق الأمني مع إسرائيل.

أصبحت حماس والقطاع في عزلة وحصار شبه كامل وموت بالبطيء!! ولايدري العالم بموت هؤلاء ولا معاناتهم!!

شكلت إسرائيل تفاهمات دولية وإقليمية نتج عنها حماية إسرائيل بأيدي عربية فكانت مصر والأردن والإمارات والسعودية القبة الحديدية التي تنمع أي إعتداءات على إسرائيل!!.

ومع تكرار إعتداءات إسرائيل على غزة والقدس الشريف وباقي الأراضي المحتلة وإتفاق وتفاهم كامل على تصفية القضية الفلسطينية عن طريق خطة التهجير «صفقة القرن» وتصفية المقاومة بعد أن نجحت كل التفاهمات مع السعودية ومصر والأردن بالتنسيق مع محمود عباس في الداخل الفلسـطيني ناهيك عن دور الإمارات؛ دخلت خطة التهجير حيز التنفيذ الفعلي!!

تواردت معلومات لقيادة المقاومة الإسلامية حماس بأن إسرائيل تستعد لتوجيه ضربة صادمة لقدرات حماس والمقاومة وإنهاء القضية الفلسطينية وتغيير خريطة الشرق الأوسط!!.

ولما لم يكن لدى المقاومة ما تخسره وأصبحت القضية على وشك الإنتهاء والنسيان والفقدان فقد قررت المقاومة إستباق تلك الضربة الإستباقية بضربة هجومية عكسية!!.

هذا السياق يعني إعلان الحرب وليس مجرد ردة فعل إستباقية بما يعني توقع كل السيناريوهات المحتملة والأسوأ منها لابد أن يكون حاضرا عند إتخاذ قرار الحرب خصوصا وأنها ضربة في عمق الكيان المحتل بما يعني نقل المعركة خارج قطاع غزة!!.

وبالفعل وبمجرد تلك الضربة الموجعة والمؤلمة وبعد إمتصاص الصدمة أعلنت إسرائيل أنها في حالة حرب الآن ولأول مرة منذ السادس من أكتوبر 1973، بل وأنها حرب وجودية ومعركة صفرية لابد أن تختلف نتائجها وتداعياتها عن المواجهات السابقة.

تحصلت إسرائيل كل الدعم والمساندة اللامحدود وتخطي كل الأعراف والقوانين الدولية في الحروب والمواجهات وأنه لا خطوط حمراء في سحق المدنيين إنتقاما لكرامتهم وإستردادا لهيبتهم التي بعثرها ألف من المجاهدين الأبطال!!.

لم تخسر المقاومة شيء علي الإطلاق في تلك المواجهات بل ربحت كل أبعاد الحرب:

طوفان الأقصى كان مخطط لها عملية توغل بسيطة ينتج عنها إعادة طرح القضية دوليا وإقليميا وفك الحصار اللاإنساني عن قطاع غزة ثم العودة بمجموعة من الأسرى يتم بهم تبييض السجون والمعتقلات وغلق ملف الأسرى!!

لكن«أرادوا العير وأرادها الله النفير لحكمة يعلمها»!

وبحسب تصريحات أعضاء المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية حماس فإن العملية تجاوزت أهدافها بطريقة مدهشة لم نكن نتوقعها ولم نكن نتوقع هشاشة الجيش الإسرائيلي وسقوطه المتسارع!!.

أرباح المقاومة

ربحث المقاومة بإسقاط أسطورة الجيش الذي لا يقهر بلا رجعة ولم يعد من الإمكان العودة إلى تحسين صورته في العالم.

ربحت المقاومة في تدويل القضية الفلسطينية وتذكير العالم كله بأنها قضية عادلة وإحتلال دام 75 عاما كاملة.

ربحت المقاومة إعلاميا بتسويق المعاناة التي يعيشها الشعب الفلسطيني وقضيته وأحدثت حالة من التعاطف الكبير والواسع في العالم بل وأحدثت شروخات في المواقف الرسمية للدول الأوروبية وأمريكا وبريطانيا؛ ولم تعد الرواية الإسرائيلية الكاذبة هي الرواية المعتمده والتي يصدقها الساسة والشعوب الغربية!!

ربحت المقاومة إستخباراتيا بحصولها على معلومات وافرة وكافية بالمواقف المخزية والمتقاعسة للدول العربية وخصوصا دول الطوق المحيطة بالكيان المحتل من خلال كنز معلوماتي خطير يكشف تاريخ الموساد والخطط العسكرية وكثير من معلومات حول الداعمين لوجود إسرائيل المزعومة!!

ربحت المقاومة عسكريا بتفوقها على الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر وقهرته وأعادت الأمل في التغيير رغم عدم توفر القوة العسكرية التي يمتلكها الجيش الإسرائيلي المحتل!!

وأعادت فضيلة وفريضة الجهاد من جديد!!.

ربحت المقاومة في إيقاظ أجيال كثيرة من أبناء الأمة الإسلامية والإلتفات إلى القضية والثقة في النفس وبعث روح الأمل في التغيير والحرية والكرامة الإنسانية!!

ربحت المقاومة في إعادة طرح القضية بمنظور مختلف تماما عن الحالة التي كانت عليها القضية ما قبل السابع من أكتوبر، وأصبحت محل إهتمام كبير لدى شرائح جديدة من مكونات المجتمعات الغربية والعربية؛ فمنهم من يتبناها بإعتبارها قضية إنسانية ومنهم من يعتبرها قضية عقيدة ودين ووجود وليست مجرد صراع حدود!!.

ربحت المقاومة في إحداث حالة من عدم الثقة في الجيش الإسرائيلي وتغيير مفهوم المستوطنين عن أرض الميعاد المزعومة أنها أرض محتلة وليست أمانا للحياة في ظل الإحتلال الإسرائيلي!!.

ربحت المقاومة في إحداث حالة من الهروب الجماعي والنزوح خارج فلسطين  لعدد كبير من المستوطنين حرصا علي الحياة!!.

ربحت المقاومة في ضرب الإقتصاد الإسرائيلي في مقتل ورفع كلفة الحرب اليومية وهروب كبار رجال الأعمال وأن أرض فلسطين لم تعد المناخ الإستثماري الجيد!!.

ربحت المقاومة في إظهار حالة العدائية الكبيرة لدي الساسة الغربيين الذين لم يستطيعوا إخفاء تطرفهم في دعم الكيان الصهيوني دعما مطلقا وغير محدود بسقف أخلاقي ولا إنساني وإطلاق يد المحتل في أعمال إبادة ومجازر وجرائم حرب تحت مظلة أوروبية أمريكية!!.

ربحت المقاومة في إظهار مواقف الدول العربية من القضية الفلسطينية وأصبحت مواقف لا سمح الله مخزية.

ربحت المقاومة المنضبطة بالضوابط الشرعية في إظهار العزة وأخلاق الفرسان بمعاملة الأسرى المحتجزين لديها مما أفسد تعاطف الكثير مع المحتل بسبب محاولة شيطنة المقاومة.

ربحت المقاومة في تربية شعب فلسطين في غزة على الصبر والثبات والصمود الذي اذهل العالم كله مما جعلهم يبحثون عن سر ذلك الثبات ليجدوا أنفسهم أمام قوة روحية هائلة تدفع الكثير منهم إلى الخروج للإعلان عن تحوله من المسيحيَّة واليهودية إلى الإسلام!!.

ورغم المعاناة والألم للمدنيين غير أنهم يحتسبونها حياة أبدية شهداء أحياء عند ربهم يرزقون ليبقي الألم متبادلا والآمال متنافرة.

وما نراه من تدمير ودمار ومجازر وإبادة للمدنيين ما هو إلا حالة سعار وجنون من المهزوم والمأزوم سوف تفقده تواجده وتضيع معها دولتهم المزعومة.

وتبقي الأرض لأصحابها ويكتب التاريخ أن غزة إنتصرت علي أعتي جيوش العالم رغم حصارها!!

وللقصة بقية

أحمد هلال

حقوقي وكاتب مصري

أحمد هلال

حقوقي وكاتب مصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى