أحمد هلال يكتب: في ذكرى انتصار
منذ بداية معركة طوفان الأقصى وحتى اليوم لم تتغير الأوضاع ميدانيا وعسكريا، ولم تستطع إسرائيل المزعومة والمهزومة محو آثار الهزيمة العسكرية المؤلمة والموجعة وانكشاف قدراتها وإمكانياتها الحقيقة.
تحاول إسرائيل عبثا الثأر أو عدم الاعتراف بالهزيمة وقبول وقف إطلاق النار وفتح تحقيقات موسعة ومحاسبة نتنياهو وقادة الحرب في إسرائيل لتورطهم في قتل المستوطنين وقتل الجنود الإسرائيليين ناهيك عن الفشل استخباراتيا في توقع الضربة الاستباقية الموجعة التي هزت كيان الاحتلال الإسرائيلي وهددت وجود تلك الدولة الاستيطانية!
تعتبر إسرائيل أن ما يحدث في حرب غزة لم يسبق له مثيل في أي حرب أخرى، غير ما حدث في العاشر من السادس من أكتوبر.
ورغم أن ما حدث في العاشر من لم يكن هزيمة عسكرية مكتملة ل إسرائيل رغم احتفالات تلقائية بتلك المناسبة على مدار أكثر من اربعة عقود متتالية من الزمن.
لم تذهب حرب السادس من أكتوبر إلى تحقيق إيلاما للعدو يجبره على الاعتراف بالهزيمة وقبول وقف إطلاق النار، بل استطاعت إسرائيل محاصرة فرقة كاملة من الجيش المصري في ثغرة الدفرسوار، وإجبار القيادة السياسية «رغم وجود حلول عسكرية» على قبول التفاوض في مقابل فك الحصار وإنهاء أزمة ثغرة الدفرسوار!.
المفهوم العسكري للانتصار قد تطور وتغير حسب درجة إيلام الخصم وإجباره على الاعتراف بالهزيمة حتى لو كان أقل في الخسائر العسكرية والخسائر الاقتصادية والبشرية!
ومن خلال استقراء للتاريخ يتضح لنا أن فيتنام قد انتصرت في حربها على أمريكا وأجبرتها على الاعتراف بالهزيمة والانسحاب رغم أن ضحايا فيتنام في تلك الحرب تجاوزت مليونين مواطن!!بينما خسائر الجيش الأمريكي لم تتجاوز 250 ألف عسكري، لكنها بلغت حد كبير من الخسائر البشرية التي لا تستطيع معه أن تتحمل أكثر من ذلك!
ومن هنا يتوافق مفهوم الانتصار وحسم المعركة عسكريا، مع المفاهيم والقيم والمبادئ الجامعة التي رسخها القرآن الكريم في حياة الصحابة الكرام، وتوارثها المجاهدين الأبطال عبر التاريخ.
آيتان من القرآن الكريم ترسخ تلك الاستراتيجية في المفهوم العقائدي للنصر عند المسلمين يتوافق مع المفهوم العسكري الحديث!
قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ ۖ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَن يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِّنْ عِندِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا ۖ فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُم مُّتَرَبِّصُونَ (52)
الآية الأخرى:
«وَلَا تَهِنُواْ فِى ٱبْتِغَآءِ ٱلْقَوْمِ ۖ إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ ۖ وَتَرْجُونَ مِنَ ٱللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ ۗ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا».
ليس هناك خيار ثالث بين إحدى الحسنيين، ولا يعرف المجاهد معنى الهزيمة العسكرية حيث أنه منتصر علي كل الأحوال، حيث أنه ينطلق مجاهدا من منطلق الفوز أولا بالشهادة في سبيل الله، لذلك فإن ترحابه للموت يعادل حرص الخصم على الحياة!
ومن سيرة المتأخرين من المجاهدين صاغ عمر المختار هذا المعنى جليا في مقولته الشهيرة «نحن أمة لا تنهزم فإننا ننتصر أو نموت».
وعلى كلا الطرفين فوز وانتصار.
«وَلَا تَهِنُواْ وَلَا تَحْزَنُواْ وَأَنتُمُ ٱلْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ».
وما يحدث في غزة هو قرار للاستمرار والثبات والصمود الذي أذهل العالم من تلك الزاوية ومن هذا المنطلق الرباني الذي أقرته موازين الحروب والمواجهات!
إن قرار الثبات الأسطورة لأهل غزة المحاصرين يزيد من صعوبة المهمة التي يسعى اليها الجيش الإسرائيلي من أجل البحث عن رواية يسوقها للعالم أنه قد انتصر في معركة طوفان الأقصى!
لا ندري مدى قوة واحتمال المدنيين في غزة لكن ثباتهم يحدث ميدانيا وعسكريا تثبيت حالة الانتصار المذهل الذي تحقق واقعا في السابع من أكتوبر.
رغم إبادة الجيش بكامله في معركة الجسر غير أنه لم ينهزم ولم يعلن خسارته!
فماذا ينتظر نتنياهو وقادة الحرب في إسرائيل من المقاومة الإسلامية في غزة والمدنيين من أهالي القطاع الذي انهكته الحرب، لكنه لا يزال يعلن الانتصار رغم المجازر والدمار!!
نتنياهو ومجلس الحرب في مهمة مستحيلة رغم تورط العالم كله في دماء غزة وتدميرها!