السبت أكتوبر 5, 2024
بحوث ودراسات

أحمد هلال يكتب: ماذا يعني انتمائي لجماعة الإخوان المسلمين «2»

مشاركة:

أثبتت الجماعة أنها أكثر قدرةً على الصمود مما افتُرِض في البداية، رغم إعلان النظام العسكري في مصر بالقضاء على الجماعة رسميا في أكثر من مناسبة بعد أحداث رابعة والنهضة وغيرها لكن ذلك لم يتحقق ولم يتمكن النظام من تطويع وكسر إرادة الجماعة رغم كل الضغوط، الأمر الذي جعل الإسلام «السياسي» قوةً في السياسة المصرية للمستقبل القريب.

 وتتطلّب عودة السياسة في حقبة ما بعد الإخوان -هكذا يحلمون-، كما تتحدث إسرائيل عن غزة في حقبة ما بعد حماس، -فضلاً عن الديمقراطية- إنهاء السياسات السلطوية للدولة القديمة، وتنمية الاقتصاد، وإجراء إصلاح ديني، إضافة إلى تبلور حركات ديمقراطية جماهيرية إسلامية وغير إسلامية قائمة على المشاركة وقبول التعدّدية. لكن أياً من هذه الخطوات ليس محتملاً في المستقبل المنظور.

لم تسلم الجماعة من محاولات الانشقاق مع تعدد الأسباب، لكن القاسم المشترك بين تلك المحاولات هو الخروج على أدبيات الجماعة ومشروعها ومنهجها.

 توافقت مجموعة «المكتب العام» مع مجموعة الأستاذ إبراهيم منير رحمه الله وقبل الانشقاق الرسمي لتلك المجموعة عن الجماعة وأصدرت بيان في منتصف يوليو 2019، حيث كشفتا عن إستراتيجيتها للعودة إلى المشهد العام في مصر عبر أدوات جديدة، مؤكدة التحول إلى تيار عام، قائلاً:

لذا فإننا نعلنُ أنَّ جماعة الإخوان المسلمين تقفُ الآن على التفريق بين العمل السياسي العام وبين المنافسة الحزبية الضيقة على السلطة، ونؤمن بأن مساحة العمل السياسي العام على القضايا الوطنية والحقوق العامة للشعب المصري، والقيم الوطنية العامة وقضايا الأمة الكلية، هي مساحة أرحب للجماعة من العمل الحزبي الضيق والمنافسة على السلطة، وسنعمل كتيار وطني عام ذي خلفية إسلامية، داعمين للأمة، ونمارس الحياة السياسية في إطارها العام، وندعم كلّ الفصائل الوطنية التي تتقاطع مع رؤيتنا في نهضة هذا الوطن في تجاربها الحزبية، ونسمح لأعضاء الإخوان المسلمين والمتخصصين والعلماء من أبنائها بالانخراط في العمل السياسي من خلال الانتشار مع الأحزاب والحركات التي تتقاطع معنا في رؤيتنا لنهضة هذه الأمة.

  • ثم تتابع ذلك من وجهة نظر الطرفان أن لكل منهم وجهة هو موليها فلابد من التمايز الهيكلي وإعلان كل منهم وجهته، بل وامتد التمايز إلى حد انتقاد كل فريق منهم للآخر، مع الاحتفاظ بجزء من التنسيق ضد مسار جماعة الإخوان المسلمين الصحيح!

  • تعددت اللقاءات الصحفية والتصريحات التي يعلن من خلالها مجموعة الأستاذ إبراهيم منير رؤيته السياسية التي تختلف تماما عن رؤية الجماعة، وتعددت وتنوعت الإستراتيجيات الجديدة والمتغيرات لتلك المجموعة ومقابلات مع ممثلين للنظام العسكري بوساطة ليبرالية مؤكدة التحول إلى إفراغ الجماعة من مشروعها وتحويلها إلى تيار عام بتدرج وحرص شديد خوفا من الانقلاب الداخلي الذي قد يحدث نتيجة صدمة القواعد عندما تتأكد لديهم حقيقة الأبعاد القيمية والسياسية للتوجهات الجديدة.

  • يتمثل الصراع الحقيقي في تمرير إستراتيجية الانتقال من خانة «الهيكل التنظيمي» التي وضعها الإمام حسن البنّا، إلى ساحة «التيار الفكري» الجارف، والتخلص نهائياً من عبء التنظيم الذي يعتبر حائلاً أمام التماهي مع قضايا المجتمع وإشكالياته من دون بناء جدار تنظيمي عازل، على غرار التيارات السلفية التي تتحرك بحرية تامة من دون خسائر بشرية أو مادية.

وعلى حسب رؤية المجموعة المنفصلة عن الجماعة فإن تلك الرؤية تعمل على منح الجماعة المأزومة مساحة أكثر رحبة ومرونة للتعاطي مع أزمتها الراهنة، والتحكم في الحد الأدنى من الخسائر، ما يمكن توصيفه بأنه “تخلي عن التنظيم مقابل استمرار الفكرة.

  • تظل فكرة التحول إلى تيار مرهونة بفك الهيكل التنظيمي وتلاشيه وهو أمر لن يحدث بين عشية وضحاها داخل الإخوان، خاصة في ظل تماسك الجماعة وتمسكها بقوة التنظيم حفاظا على المشروع الذي تحمله ولم تبلغ هدفها بعد.

هذا التحول قد يعني أن جماعة الإخوان قد انتهت بالفعل، حتى لو نجحت في الحفاظ على الأيدلوجيا وتمريرها لكنها خسرت بالفعل نسقها التاريخي وتماسكها الداخلي.

وعليه، ستركز التحولات المستقبلية (حال نجاحها》 على صياغة قوالب جديدة لاستيعاب الأفكار القديمة وتطويعها لخدمة مصالح الجماعة، وهي صيغة “تبريرية” لتمرير موقف ما يختلف مع الثوابت التي تلقنها لقواعدها، منها على سبيل المثال اختلاف فكرة الممارسة السياسية وفق أطرها القانونية. بل وتناقضها مع أدبياتهم حول الحكومة المسلمة و«الخلافة الإسلامية».

وبالرجوع إلى آخر بيان صادر عن المكتب العام في الأيام القليلة الماضية فإنه يختلف كليا عن البيان الصادر في منتصف يوليو عام 2109.

وهذا يعني تباين كبير بين التيارين في التوجهات والأهداف والوسائل.

وفي آخر لقاء إعلامي مع الدكتور حلمي الجزار على قناة البي بي سي تباينت ردود الأفعال حول مضمونه والأفكار والموضوعات التي أثارها اللقاء، في حين كان اللقاء من وجهة نظري الشخصية لقاء مريح وكاشف وهادئ بالنسبة لجماعة الإخوان المسلمين وتوجهاتها التي تخالف كل ما تم التصريح به في هذا اللقاء.

بل وكان لقاء كاشف لكل التساؤلات والتكهنات التي كانت غامضة في فترة زمنية سابقة، وتكشفت كل الحقائق التي كانت محل إنكار من قواعد تلك المجموعة التي يمثلها الدكتور حلمي الجزار.

فشلت كل محاولات تبرير الانشقاق على أنه مجرد خلاف إداري تنظيمي بينما جاءت الحقيقة عبر تصريحاته تؤكد أن مرتكز الخلاف منهجي يمس ثوابت الجماعة وأهدافها.

كثير من الباحثين والمراقبين والإعلاميين انتقدوا هذا الحوار بشده واستغربوا من ذلك الطرح ومن طبيعة ومستوى اللقاءات ومستوى الحضور ورمزيتهم ومكانتهم ناهيك عن الأطروحات التي يتم الإعلان عنها، يراها كثير من المراقبين والمحللين والإعلاميين استسلاما بلا مقابل وتنازل من دون ضمانات بينما الطرف الآخر لا يرى كل تلك الأطر وحات ولا التنازلات غير مزيدا من الهجوم على جماعة الإخوان المسلمين وتشويه صورتها أمام الشارع المصري. واتهامها بالسذاجة السياسية!

اخر تلك الانتقادات وردت في برنامج مع معتز للإعلامي معتز مطر، وكذلك مقال للنائب عادل راشد في موقع عربي 21، يمكن للقارئ الرجوع اليها من مصادرها.

تطرق النائب عادل راشد في مقاله قائلا:

وقد قال الإمام المؤسس للجماعة الشيخ حسن البنا عليه رحمة الله في رسالة الانتخابات: “هل أمام أصحاب الدعوات وحَمَلة الرسالات في هذا العصر من سبيل إلى تحقيق أهدافهم إلا هذه السبيل الدستورية السلطة التشريعية أولا فالسلطة التنفيذية بعد ذلك”.

وقد خاض الإخوان الانتخابات فرادى سنة ١٩٧٦ وسنة ١٩٧٩، وعلى قوائم الوفد ١٩٨٤، وقوائم حزبي العمل والأحرار سنة ١٩٨٧ تحت شعار “الإسلام هو الحل”، وانتخابات مجلس الشورى ١٩٨٩، ومجلس الشعب ١٩٩٥، ومجلس الشعب سنة ٢٠٠٠، وفاز فيها ١٧ نائبا، وانتخابات ٢٠٠٥ وفاز فيها 88 نائبا، وانتخابات الشورى ٢٠٠٧، والمحليات ٢٠٠٨، والشعب ٢٠١٠، وصولا إلى انتخابات مجلس الشعب ٢٠١١ فالشورى ٢٠١٢.

فهل هذا كان من قبيل الصراع على السلطة التشريعية التي تؤدي إلى الاستقطاب والتفكك المجتمعي وسيتم اعتزاله؟ أم هو من قبيل العمل السياسي الذي سيستمر دون الصراع على السلطة التنفيذية؟ أم أن كل ذلك رهن مناسبة اللحظة التاريخية؟ وهو ما قاله الأستاذ البنا في رسالة المؤتمر الخامس:

 الإخوان المسلمون أعقل وأحزم من أن يتقدموا للحكم ونفوس الأمة على هذا الحال.. وهو ما لم تراعه قيادات الإخوان في التقدم للحكم -انتخابات الرئاسة- عقب ثورة يناير على غير مراد عموم الإخوان، إذ تم استطلاع رأيهم ورأي شورى المحافظات والشورى العام مرتين فيتم الرفض، ثم يتم إقراره في الشورى العام بفارق صوتين بعد الاتصالات المحمومة ومحاولات الإقناع،

 أما قواعد الإخوان المتجردة بحدسها وإخلاصها وعدم تطلع أحد منها للرئاسة؛ فكانت تعلم مخاطر هذه اللحظة التاريخية، إذ تولد بعد أو مع كل ثورة ثورتان؛ ثورة مضادة وثورة تطلعات، فلم تلتفت إليها القيادات بل أوردتها موارد التهلكة لحاجة في نفوس البعض قضوها.

ومن العجيب أن يظل بعضهم ممن نجا من الحبس يصارع على مقاعد في قيادة الجماعة أو ما تبقى منها، وهنا سؤال يطرح نفسه: كيف يصدق الآخر هذه القيادات أو تلك في عدم الصراع على السلطة حال سنوح الفرصة؛ وقد كانت أعلنت عدم خوض انتخابات الرئاسة ثم خاضتها؟ وها هم أولاء يصارعون على مقاعد في الجماعة رجاء تركهم لها، وهو رجاء ولوج الجمل في سم الخياط.

«انتهى الاقتباس»

رغم ان اللحظة التاريخية التي تحدث عنها الإمام البنا فقد مر عليها أكثر من سبعين عاما، وهل ستبقى تلك اللحظة من دون تغيير الأحداث وجريان مياه كثيرة في نهر متغيرات الأمة؟!

يبدوا أن الأستاذ عادل راشد لا زال حبيس تلك الفترة التي تحدث فيها الإمام البنا عن حال الأمة!

رغم صحة ما أورده النائب عادل راشد في مقدمة كلامه حول مفهوم التنافسية السياسية، غير أنه انتهى في كلامه إلى معلومات خاطئة واتهامات باطلة حول طريقة التصويت على دخول انتخابات الرئاسة

حيث ان قرار دخول انتخابات الرئاسة من القرارات التي تختص بها الإدارة العليا للجماعة متمثلة في مجلس الشورى العام للإخوان المسلمين ومكتب الإرشاد، وأما انتخابات المجالس النيابية والمحليات فيتم فيها الطرح للتصويت عبر قواعد الجماعة أو المكاتب الادارية في المحافظات.

وأما عن الشكل الذي تم به التصويت في مجلس الشورى العام فقد انعقد مجلس شورى الجماعة انعقادا صحيحا وظل المجلس في حالة انعقاد دائم لمدة ثلاث جلسات في ثلاث ايام حتى يتمكن كل عضو من أعضاء الشورى في إبداء رأيه قبل إجراء التصويت، هذا وقد أكد لي بذلك احد أعضاء مجلس شورى الجماعة الذين حضروا جلسات الانعقاد وأكد لي ذلك سكرتير فضيلة المرشد العام للإخوان المسلمين.

وقد تم التصويت لمرة واحدة دون إعادة للتصويت كما يدعي عادل راشد بمعلومات خاطئة حيث انه لم يكن أحد الحاضرين في ذلك المجلس.

وقد جاءت نتيجة التصويت بالموافقة على الترشيح بالأغلبية وسواء كانت أغلبية مريحة ام أغلبية بفارق أصوات قليلة فتلك هي الديمقراطية المتبعة في العالم حيث يمكن نجاح رئيس أكبر دولة بفارق أصوات معدودة!

تابع ذلك التصويت في نهاية الانعقاد الذي ظل لمدة ثلاثة أيام تصويت اخر من الهيئة العليا لحزب الحرية والعدالة في ذات اليوم حسب ما صرح لي أحد أمناء الحزب في إحدى المحافظات والذي كان حاضرا في التصويت وكانت نتيجة التصويت كذلك بالموافقة على الترشح ودخول الانتخابات!

وأما عن اتهاماته بالتلاعب في نتيجة الانتخابات والزج بالجماعة في مقامرة غير محسوبة، فتلك وجهة نظر قاصرة ولا تتمتع بذكاء سياسي ولا سابق خبرة في العمل السياسي!

النجاح والانتصار المذهل والمدهش الذي حققته الجماعة عبر حزبها الذي لم يكتمل أربعة أشهر من ميلاده وفي غضون أقل من 28يوم على إجراء الانتخابات والصعود برئيس حزب الحرية والعدالة إلى حكم مصر يعتبر حدث سياسي تاريخي لم يحدث في مصر خلال تاريخها المعاصر!

ناهيك عن استحقاقات انتخابية تسبق سباق الرئاسة يعد إنجازا غير مسبوق في تاريخ المشهد السياسي المصري.

ولم تكن أعمال الانقلاب العسكري من بين أسبابها مغامرة الجماعة في دخول أتون الانتخابات بقدر انتهازية النخبة السياسية المصرية وخيانة المجلس العسكري في مصر.

لست في سعة لشرح التجربة الديمقراطية الوليدة وتبيان نجاحها من فشلها فسوف يكون لها طرح آخر في مكان آخر.

لكن والحال كذلك

وفي المقال القادم

سيبقى السؤال الإشكالي

من يملك الجماعة ومن يتحدث باسمها

وما تأثيرات الانشقاقات والانقسامات على جماعة الإخوان المسلمين، وما هو مستقبل جماعة الإخوان المسلمين؟!

Please follow and like us:
أحمد هلال
حقوقي وكاتب مصري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

قناة جريدة الأمة على يوتيوب