من الناس من فهم واقعه بشكل صحيح وأدرك صور المشكلات وطبيعة الأعداء وخططهم وكيدهم ومكرهم، وأدرك ضعف الأصدقاء وضمور الحالة الإسلامية وحاجة الأمة إلى الإصلاح، لكنه بعد ذلك قعد عن العمل.
ولم يكن قعوده عن العمل بسبب ضعف إيمانه، ولا لضعف غيرته، ولا لحبه للدنيا، وإنما لأنه لم يُوفق لمعرفة ما ينبغي عمله في مثل هذا الواقع الصعب والزمن المخيف والمشكلات المعقدة؛ فهو بقدر وعيه وفهمه يرى أن العمل لا فائدة منه؛ لأن الواقع أصعب من أن يؤثر فيه العمل اليسير؛ أو لأنه صادق في نفسه فإنه لا يحتمل رؤية واقع فيه كدر أو شائبة ولا يستطيع العمل في ظروف النقص بل يريد واقعا صافيا ليعمل فيه أو معارك صفرية ليفني نفسه فيها؛ فقط، وإلا يعتزل ويمضي عمره متبرما متسخطا على كل شيء.
وهذا -مع كونه لعله يؤجر على غضبه وغيرته لله- إلا إنه في حرمان عظيم -نسأل الله العفو والعافية- لخسارته أن يحمل مشعل الحق في زمن الالتباس وأن يسير بنور اليقين وبصيرة القلب وحادي الأمل وحسن الظن في وقت العمى والغفلة وانسداد الآفاق.
ولذلك فإن من أعظم صور الهداية الإلهية للمؤمنين في هذا الزمن: الهداية إلى العمل الإصلاحي الصحيح الذي يكون نورا وهداية في الواقع للنفس وللغير، ويُثمر مع الزمن وطولِ الوقت وينتج خيرا عظيماً يُستظل بظله في المستقبل، ويُستبطن فيه اليقين وحسن الظن بالله والتوكل عليه سبحانه ويُستحضر فيه منهاج النبي ﷺ في جميع حياته ومختلف أحواله.
والوصول إلى هذا العمل الصحيح لا يمكن أن يكون نتيجة اجتهاد شخصي أو اعتماد على الخبرة في التخطيط والإعداد.. كلّا والله، بل هو هداية محضة من الله الهادي النصير، سبحانه.
وهذه الهداية تنزل على قلوب الصابرين الصادقين المخلصين العالِمين بالله وبدينه وهدي رسوله ﷺ.
ولذلك فإنّ من أعظم ما ينبغي لزومه من الدعاء في هذا الزمن:
اللهم اهدني وسددني، اللهم إني أستهديك لأرشد أمري وأعوذ بك من شر نفسي، اللهم ألزمني سنة نبيك وهديه ومنهاجه، اللهم اهدني واهد بي، اللهم اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم، اللهم اهدني لأحسن الأعمال وأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، وقني سيئ الأعمال وسيئ الأخلاق لا يقي سيئها إلا أنت، اللهم خذ بناصيتي للبر والتقوى، ووجّهني لأحب الأعمال إليك وأنفعها لعبادك.