الأمة الثقافية

“أدب العاميّة”.. وُلِدَ في الأندلس ونشأ وترعرعَ في مصر

يقول العلّامة ابن خلدون – مؤسس علم الاجتماع – إن بداية ظهور الزجل كانت في بلاد الأندلس، على عهد الأمويين ملوك قرطبة، وذلك بعد فساد الألسنة، وانتشار الكلمات الأعجمية على اللسان العربي، وظهور الموشحات، والتحلل من قيود الوزن والقافية… وكان كل ما دون شعر الفصحى يُسمّى (زجل)

وانتقل الزجل (شعر العامية العربية) من المغرب إلى بلاد المشرق، ومنها مصر، فلقي بها رواجًا عظيمًا، فتعددت أنواعه وأغراضه، وذاع وانتشر بقوة ، في العهد المملوكي، لأن المماليك الحكام لم يكونوا عربا، وأقبل السلاطين والأمراء والناس على سماعه وإنشاده؛ وذلك لانتشار ثقافات العجم ولغاتهم بين المصريين، وضعف الثقافة الأدبية بين الناس، فشاع الأدب الشعبي، حتى قيل إن العامية المصرية هي ديوان العرب.

فقد طرق الزجالون المصريون كل أبواب الشعر، فنظموا الغزل البديع والحماسة والتأبين والرثاء، والحكمة والأطلال، والنقد اللاذع والسخرية، والفكاهة، والوصف والطبيعة، وصحائف الحياة اليومية، وشرح العقيدة والأحاديث النبوية والقدسية في أبيات بسيطة للعامة، ودخلوا دهاليزا لم يقترب منها شعر الفصحى، وفتحوا نوافذا لم يعرفها قبلهم أحد.

ويجب أن نفرّق بين ثلاثة أنواع شعرية في العامية المصرية الحديثة:

1ــ الشعر الشعبي: وهو متوارث ويتناقله الناس من دون معرفة اسم قائله، ويظهر في السّير الشعبية وبعض الأمثال الشعبية والحِكَم، ويعتمد على المشافهة والتأليف المشترك (ولا بُد من يوم معلوم/ تترد فيه المظالم/ أبيض على كل مظلوم/ أسود على كل ظالم) ورغم أن معظم المؤرخين والشعراء والعامة ينسبونها لـ ابن عروس، لكن البعض، ومنهم عبد الرحمن الأبنودي، الذي أصدر كتابا – عن الهيئة المصرية للكتاب – بعنوان: (الشاعر المصري ابن عروس ليس مصريًا وليس شاعرًا) يؤكد من خلاله أن ابن عروس ليس شاعرًا مصريًا، لكنه صوفي تونسي، ولا علاقة له بالشعر، ولم يردّ أحدٌ على كتاب الأبنودي للآن.

2ــ الزجل: بمجرد أن نقرأ أو نسمع كلمة زجل، تقفز أمامنا أسماء: بيرم التونسي وفؤاد حداد وأحمد فؤاد نجم، والزجل يتميز بالمباشرة المقصودة في معالجة الموضوعات، التي غالبا ما تدور حول النقد الاجتماعي، والسياسي.. ويقوم الزجل على ركيزتين أساسيتين من الشعر: الوزن والقافية.

3ــ شعر العاميّة: تكتمل فيه كل عناصر الشعرية، فهو يزخر بالصور والتشكيلات الجمالية والرموز الفنية والرؤى الفكرية، وقبلهم الوزن والقافية، ونعومة الموسيقى الشعرية، ولذا فقصيدة العامية المصرية، لوحة فنية متكاملة شعريا وثقافيا وإبداعيا، لأن شعراء العامية المصرية نجحوا في تطوير القصيدة العامية، واستطاعوا باقتدار أن يصلوا للناس، وسحبوا البساط من تحت عوالم متعددة من الإبداع العربي.

————–

يسري الخطيب

يسري الخطيب

- شاعر وباحث ومترجم - مسؤول أقسام: الثقافة، وسير وشخصيات

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى