مقالات

أدهم شرقاوي يكتب: سِتُّونَ عاماً يا أبا خالد!

‏سِتُّونَ عاماً يا أبا خالد!

‏سِتُّونَ عاماً، وأنتَ تبوِّئُ المؤمنين مقاعد للقتال! وتُعِدُّ كتائب التحرير، وتزأرُ فيهم: ألا إنَّ القوَّة الرّمي!

‏ستون عاماً، تَعِبَ فيها الرّصاصُ وأنتَ لم تتعَبْ! يا للمجد يا رجل، يا للمجد!

سِتُّونَ عاماً يا أبا خالد!

‏سِتُّونَ عاماً كنتَ فيها المطلوب الأوَّل لهذا العالم العاهر!

‏كانتْ تُهمتُكَ أنَّكَ كنتَ حُرًّا، وهذا الكوكبُ العبد لا يُربكه شيءٌ أكثر من أن يرى حُرًّا بيده بُندقيَّة!

‏طالما آمنتَ أنَّ هذه الأرض غابة، وأنَّه لا شيءَ فيها بالمجان، وأنَّه لن يأتيَ أحدٌ إليكَ ليقولَ لكَ: هذا حقُّكَ فخُذْه!

‏تريدُ شيئاً، قمْ وخُذه رغماً عن العالم كله، واركُلْ قانون الغاب بحذائك!

‏مهما صرختَ لن يسألكَ أحدٌ ما بكَ!

‏ومهما نزفتَ فلن يلتفتَ أحدٌ إلى جُرحكَ!

‏ومهما شجبتَ وأدنتَ فلن يستمعَ إليكَ أحد!

‏فقط في اللحظة التي يصبح لديكَ صاروخ وبندقية ورصاص وقذائف الياسين، سيصبح صوتُكَ مسموعاً، ووجهُكَ سيُزيِّنُ الصَّفحات الأولى من الجرائد!

سِتُّونَ عاماً يا أبا خالد!

 سِتُّونَ عاماً وأنتَ تضربُ الأرضَ برجلكَ فتهزَّ العالمَ بأسره!

فالسَّلامُ عليكَ! السَّلامُ على جسدكَ المثقوب بالشظايا، كم مرَّةً أفلتْتَ من فم الموت مضرجاً بدمك، لأنَّ للحكاية بقيّة ستكتُبها!

‏السّلام على ظلّك، أصدقُ من كل الوجوه، وأكثر حضوراً من كل الحاضرين، نتفيّأُكَ حين تطِلُّ، نأنسُ بالرُعبِ تدبُّه في قلوبهم مسيرة شهر!

‏السّلام على صوتك المعطّر برائحة البارود، عطر الرّجال الحقيقيين! لكأنّكَ. القعقاعُ وصوتُكَ في الجيش بألف!

‏ستون عاماً يا أبا خالد، رغم أن أعمارَ الرّجال لا تقاس بالسّنوات وإنما بالإنجازات، فما أكبرَكَ!

سِتُّونَ عاماً يا أبا خالد!

سِتُّونَ عاماً ‏لم تتركْ فيها عذراً لأحدٍ!

‏فإن لامكَ أحدٌ عن الدِّماء، فهذا هو دمكَ!

‏وإنْ لامكَ أحدٌ على الهدمِ، فها أنتَ تحت الرَّدمِ!

‏وَإن لامكَ أحدٌ على الجهاد، فها هو جهادكَ!

‏وإِن لامكَ أحدٌ على كلِّ هؤلاء الشُّهداء، فها هي شهادتكَ!

‏وإن لامكَ أحدٌ على العُمر، فها هو عمركَ أفنيته مطارداً، وأسيراً، ومطلوباً، ومقاتلاً، ومحرِّضاً، وشهيداً!

‏وإنْ لامكَ أحدٌ على التَّعب، فها أنتَ قد أمضيتَ عمركَ منهكاً!

‏كفُّوا الملامة، فإنَّ من سوئها أن يلامَ المرءُ لأنَّه كان رجلاً!

سِتُّونَ عاماً يا أبا خالد!

سِتّونَ عاماً أقمتَ فيها الحجَّة على جنرالات الكليات العسكريّة، يا خرّيج سورة الأنفال!

سِتونَ عاماً وليس على صدرك نيشان واحد، كنتَ في غنى عن قطعة قماش، أنتَ الذي أجدتَ خياطة أكفان عدوَّك!

‏ستُّون عاماً وها قد استراح قائدكم، فلا تَبْكُوه، فالرَّجُلُ لا يبكى حين يلقَى أمنيتَه، وإنّما يبكى حين تفوتُه، وما كان لمثلِهِ أن لا يقعَ على ضالَّتِهِ وتقعَ عليه!

‏ثمَّ إنْ لم تكُنْ هذه أمنيةُ كلُّ واحدٍ مِنَّا فعلى أيِّ شيءٍ نسيرُ في هذه الطريقِ، وعلى أيِّ شيءٍ نرفعُ الأَكُفَّ ندعو: اللهُمَّ خذْ من دمنا حتى ترضَى!

‏وعلى أيِّ شيءٍ نتعاهدُ صباحَ مساءَ أنّنا لن نتركَ السّاحَ ولن نلقيَ السّلاح!

‏لم يصبْنَا العدوُّ في مقتلٍ، فمقاتِلُنَا لم تكُنْ يوماً مخبوءةً، منذُ زمنٍ ونحن نقدِّمُ قبلَ الجندِ قادتَنا!

‏هذه الحركةُ ولّادة، وهذا الثّغرُ مستخلفٌ، ولولا مضيِّ صاحب بأسٍ قد سبقَ، ما عرفنا بأسَ الذين لَحِقُوا!

لا تبكوه ولا تكتبوا فيه رثاءً، كلُّ الكلمات الآن بلهاء، رثاء أبي خالدٍ ومن معه أن تموتوا على ما ماتوا عليه!

‏في الخالدين يا أبا خالد، في الخالدين!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights