أدهم شرقاوي يكتب: لم يكونوا عاديين.. كانوا نُخبة!
المشهد الأوَّلُ:
في السَّابعِ من أكتوبر، يوم العبور المجيد لقوّات النُّخبة في كتائب العزِّ، تناقلَ النَّاسُ صورةً لشهيدين مُمدَّدين على الأرضِ بكلِّ أناقة، العصباتُ الخُضر تُزيِّنُ الجبين، والسَّبابة على مقربة من زناد البندقيّة، ودمٌ بلون الورد قدَّماه إلى الله ليرضى!
ثم أُميط اللثام عن المشهد، فأمَّا الأوّل فكان الحافظ لكتابِ اللهِ عمَّار النابلسي صاحب رسالة الماجستير في التّجارة بالامتياز مع مرتبة الشَّرف!
وأمَّا الثَّاني فكان شهاب الندويّ الحافظ لكتاب الله، الجامعِ له بالقراءات السَّبع، خريج كلية الطبِّ قسم الصَّيدلة بالامتياز!
عاشا معاً، ومضيا إلى اللهِ معاً، فهل عرفتم الآن نوعيّة الرِّجالِ الذين يُقاتلون عن مسرى نبيِّهم نيابةً عن الأُمّة كلّها؟!
المشهد الأخير:
في الثالث من رمضان، السَّاعة التّاسعة وخمسٍ وعشرين دقيقةً صباحاً ارتقى هادي مصطفى شهيداً صائماً مُقبلاً!
هادي كان يُشبه اسمَه كثيراً، لم يُؤذِ نملةً في حياته!
لم يُصدِّقْ أحدٌ أنَّ هذا الوسيم الهادئ الذي بالكاد يُسمعُ صوته، يمكن أن يكون من الخطورة بمكان أن تجوب مُسيّرة للاحتلال الجوَّ طويلاً بحثاً عنه، ولكن يكفي المرء فخراً أن يعرفه أعداؤه وإن جهله النَّاس!
وحين كان الصَّاخبون من النَّاس يملؤون الدُّنيا بالشّجب والتنديد، كان هادي يُزلزلُ مستوطنات الشّمال بالرَّشقات الصَّاروخيّة ومن لبنان!
في جنازته كنتُ أُعيدُ صورته في رأسي، المواقف التي جمعتنا، صدقه، حرقته على دينه، انضباطه، كيف لم أنتبه كلَّ هذا الوقت أنّه كان أجمل من أن يبقى في دُنيا كهذه!
أمَّا بين المشهدين فهناك مشاهد أُخرى ستبقى خالدة أبد الدَّهر وإن رحل أبطالها!
تيسير أبو طعيمة، الشَّهيد السَّاجدُ كما تعرفونه، كان يؤُمُّ النَّاس في المسجد في السّلم، ويؤُمُّهم في الميدان في الحرب! وحده كان يمنعُ تقدَّمَ رتلٍ للاحتلال ليس معه إلا الله وبندقيّته وقذائف الياسين!
كانت أُمنيتي أن أنظر في وجوه أولئك السَّفلة حين تقدَّمُوا واكتشفوا أنَّ الذي أوقفهم يوماً كاملاً خارج الحيِّ هو هذا الرّجل الوحيد السَّاجد!
حمزة عامر، الشَّهيد ابن الشَّهيد، المقاتل الأنيق كما تعرفونه، خرج من مكمنه بردائه الطويل الأنيق كعارض أزياء، القاذف على كتفه بكلِّ وسامة، أحرقَ دبَّابة بمن فيها، ثم عاد أدراجه! ثم كانت مكافأة نهاية الخدمة بعد شهر من الحادثة، ارتقى شهيداً، مصدِّقاً وعده لربِّه، فقد كان يضعُ في “البايو” في حسابه في فيسبوك:
لئن أشهدني الله قتال اليهود ليريَّنَ ما أصنع!
صدقتَ ما عاهدتَ اللهَ عليه يا حمزة!
مهنّد جبريل، حلِّلْ يا دويري كما تعرفونه، لم يُرسل لمحلل الجزيرة تحيَّة كما تعتقدون، وإن كان فايز يستحقُّ تحيّة، لقد أرسلَ له عتاباً، الدويري كان قد قال أن تلك المنطقة خاصرة رخوة، فأحرق مهنّد ناقلة الجنّد بجنودها الأحد عشر، وقال له: حلِّلْ يا دويري!
مهنّد العنيد جداً الذي كان يشُدُّ كل شيءٍ رخوٍ في هذا العالم، ارتقى شهيداً بعدما أثخنَ وأبدعَ!
أبطال آخرون ستعرفون أسماءهم حين نروي حكاياتنا، وأبطال آخرون طُويت حكاياتهم إلى يوم القيامة، وحسبهم أنَّ الله رأى!
لم نرمِ هذا المحتلَّ باليائسين الفاشلين الذين يعيشون على هامش الحياة، رميناهم بأجمل فلذات أكبادنا، رميناهم بالنُّخب!
ستبقى هذه المقاومة فوق رؤوسنا دوماً، وستبقى كتائب العزِّ فخرنا، ولن نتركَ السَّاح، ولن نُلقي السّلاح، وسنُعيد الكَرَّة، وسيكون هناك عبور آخر، من حيث يرقبون ومن حيث لا يحتسبون، لن نتوقّف إلا في باحات المسجد الأقصى!