أدهم شرقاوي يكتب: من الذي انتصرَ؟!
لم تضعِ الحربُ أوزارها بعد، ما هي إلا هُدنة، والهدنةُ استراحةٌ بين حربين، والحديثُ عن النَّصرِ قبل نهايةِ الحرب هو أشبه بشراء سمكٍ في البحر قبل اصطياده! ولكن في هذه الحرب حقَّقتْ غزَّةُ النَّصرَ قبل أن تبدأ الحرب! من اللحظة التي أذلَّتْ فيها قوَّاتُ النُّخبة في كتائب القسّام فرقةَ غزَّة، حين أخرجوهم من دبَّاباتهم وجرُّوهم على الأرض كالخرافِ، حين داسوا على رؤوسهم حقيقةً ومجازاً كانت نتيجة الحربِ قد حُسمت!
النَّصرُ في الحربِ لا يُقاسُ بعدد شُهدائنا مقابل جِيَفِهم، في كلّ حروب التّحرير كان صاحب الأرض هو الذي يُقدّم الفاتورة الأكبر من الدَّم!
الجزائريون لم يقتلوا من قوات الاحتلال الفرنسيّ أكثر من خمسين ألفاً، ولكنهم انتصروا رغم أنهم قدّموا مليون ونصف شهيد!
والأمريكان قتلوا من الفيتناميين أضعافاً مضاعفةً مما قتل الفيتناميون منهم، ورغم هذا خرجت أمريكا من فيتنام وهي تجرُّ أذيال الخيبة!
النَّصرُ في الحرب بالنسبة للمقاومة هو بقاؤها واقفة على قدميها رغم جراحها، وهذا هو الذي حدث، فالذي وقّعَ الهُدنة هي قذائف الياسين 105 وليس أروقة السياسة! في الحروب لا صوت أعلى من صوت الميدان!
أما المُحتلُّ فنصره الوحيد هو أن يكسر المقاومة كسراً لا تقوم بعده، وهذا ما لم يتحقق، ولن يتحقق بإذن الله!
بعد أن استوعبَ الاحتلالُ الصّدمة، وأفاق من الصّدمة التي تلقّاها في كرامة جيشه، وتمزيق أسطورته، بل وتهديد كيانه كلّه بالزّوال، بدأَ حرباً شعواء، أعلنَ فيها أهدافاً لم يُحقِّقْ منها شيئاً!
أعلنَ الاحتلالُ أنه سيُغيّر شكل الحكم في غزّة، وأنّ حماس لن يكون لها وجود! ثمّ ها هو يُفاوضها، ويعترفُ بقدراتها، بل ويرضخُ لشروطها!
أعلنَ الاحتلالُ أنه سيُحرِّرُ أسراه بالقوة، ولم يستطعْ أن يُحرِّرَ أسيراً واحداً، وما وصل إلى يديه من أسراه هو ما أطلقته المقاومة عن يدٍ والاحتلال صاغر!
أعلنَ الاحتلالُ أنه سيُفككُ بنية القسّام العسكرية، وقد رأينا المثلثات الحمراء وهي تُشير إلى دباباته قبل أن تحترق! حتى أنه قبل سريان الهُدنة بعشر دقائق كانت الكتائب تُطلق الصّواريخ في إشارةٍ منها أنها صاحبة القرار والميدان!
أعلنَ الاحتلالُ أنه سيقتلُ قيادات المقاومة، ثم ها هم ما زالوا يديرون الحرب باقتدارٍ عسكرُهُم وساستُهم! ثم لو منّ الله على بعضهم بالشّهادة فهذا ليس نصراً للمحتل، هذه المقاومة ولّادة، استشهد أحمد ياسين فصار قذيفة، واستشهد يحيى عيّاش فصار الصاروخ A250، الأطول مدىً وقدرة على التدمير بين صواريخ المقاومة! حتى عز الدين القسام الذي استشهد قبل ميلاد دولة الكيان حملت الكتائب اسمه!
لا يوجد دم يضيعُ سدى على هذه الأرض!
أعلنَ الاحتلال أنه سيشوّه صورة المقاومة في العالم، فحدث عكس ذلك!
الاحتلال بعد فشله في تحقيق أهدافه التي أعلنها ذهبَ يقصفُ المستشفيات والمدارس والمساجد والجامعات، ويُمعنُ القتل في البيئة الحاضنة للمقاومة عقاباً لها أنها وضعت المقاومة في عينيها!
فشاهدَ العالم جرائمه، وخرجت المظاهرات في كل الدنيا تُندِّدُ بنازيته وجرائمه!
هذه الجولة ستنتهي عاجلاً أم آجلاً!
البيوت المهدمة سنبنيها، وسنصهر حديدها ونجعله أجساماً لصواريخ الجولة القادمة!
شباب قوات النخبة الذين استشهدوا سنُدرّب غيرهم!
المساجد سنعيدُ مآذنها شامخة!
والمستشفياتُ سنعيدُ لها دورها!
والجامعاتُ سنقيمُ صفوفها ومختبراتها!
والأطفال سننجبُ غيرهم!
والعائلاتُ التي مُحيت من السّجلات المدنية، سنسجّل غيرها العشرات!
وليس بيننا وبين هذا المحتل إلا لغة الرّصاص، اللغة الوحيدة التي يفهمها ويحترمها! ولن نتوقف حتى يُصلّي من يبقى منا في المسجد الأقصى!