بعد أكثر من أربعة عقود من النزاع المسلح بين تركيا وحزب العمال الكردستاني (PKK)، شهدت مدينة السليمانية في إقليم كردستان العراق لحظة تاريخية تمثّلت في إعلان الحزب عن مراسم رمزية لإلقاء السلاح، وسط تغطية إعلامية مكثفة وحضور دبلوماسي دولي، ما اعتبره مراقبون تحولًا جذريًا في العلاقة بين أنقرة والحركة الكردية المسلحة، وفتحًا لباب مرحلة جديدة من السلام والمصالحة.
وفقًا لموقع Omni.se، أقام حزب العمال الكردستاني مراسم علنية لإحراق الأسلحة بحضور عشرات المقاتلين، بمن فيهم قيادات نسائية بارزة. جرت المراسم في منطقة نائية قرب السليمانية، ما أعطى الحدث رمزية خاصة ورسالة واضحة بأن الحزب اختار التحول من العمل المسلح إلى العمل السياسي.
في أول تعليق له على الحدث، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حسب الجزيرة نت: “آفة الإرهاب التي ابتليت بها تركيا لأكثر من 40 عاماً قد بدأت في الزوال”. أكد أن تسليم السلاح يمثل نصرًا للشعب التركي بأكمله، معربًا عن التزام حكومته بتوفير المناخين القانوني والسياسي لإنجاح المرحلة القادمة. وأشار إلى تشكيل لجنة برلمانية تضم ممثلين من حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية وأحزاب معارضة لمتابعة تنفيذ العملية وإعادة دمج المقاتلين في الحياة المدنية.
الرئيس أردوغان اعتبر خطوة إلقاء السلاح انتصارًا مهمًا للدولة التركية، مؤكدًا أن هذا الحدث يمثل بداية مرحلة جديدة من الاستقرار والأمن، وأنه ثمرة صبر ومثابرة مؤسسات الدولة التركية والشعب. وفي الوقت نفسه، شدد على أن الحكومة ستواصل توفير المناخ القانوني والسياسي المناسب لضمان تنفيذ الاتفاق بشكل سلمي ومنظم.
على الجانب الآخر، عبر حزب الحركة القومية، وهو أحد شركاء التحالف الحاكم، عن تحفظه من أن يتم التعامل مع هذه الخطوة على أنها مبرر لتقديم تنازلات قد تمس وحدة الدولة، مؤكدًا ضرورة الحذر من أي محاولات لإحياء مطالب انفصالية تحت غطاء المصالحة.
فيما رحبت المعارضة التركية، ممثلة بحزب الشعب الجمهوري، بوقف العنف، لكنها أبدت شكوكًا حول توقيت وطريقة إعلان الخطوة، ودعت إلى حوار شامل يضم كافة الأطراف السياسية ومكونات الشعب الكردي داخل تركيا، مطالبة بفتح قنوات شفافة لمناقشة القضايا الحقوقية والسياسية المتعلقة بالأكراد.
أما حزب الشعوب الديمقراطي، الذي يمثل المكون الكردي داخل البرلمان التركي، فقد اعتبر هذه الخطوة فرصة حقيقية لإنهاء الصراع المسلح، لكنه شدد على ضرورة أن تترافق مع حل سياسي جوهري يضمن الاعتراف بالهوية والحقوق الثقافية واللغوية للأكراد، مع التأكيد على أهمية مشاركة ممثلي الشعب الكردي في حوار دستوري شامل.
من الناحية الدولية، عبر الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة عن ترحيبهم بهذه الخطوة، مع تأكيدهم على ضرورة استثمارها لفتح حوار سياسي أوسع يؤدي إلى استقرار دائم في المنطقة، كما أشادوا بدور إقليم كردستان العراق في تسهيل هذه المبادرة.
ويشير محللون سياسيون إلى أن نجاح هذه الخطوة يعتمد إلى حد كبير على قدرة الحكومة التركية على إقامة حوار شفاف ومستدام مع جميع الأطراف، بالإضافة إلى مدى استعداد حزب العمال الكردستاني للانتقال من العمل المسلح إلى السياسة السلمية بشكل كامل، مع ضرورة تحييد المؤسسة العسكرية التركية عن أي محاولات عرقلة.
في النهاية، يجمع معظم المراقبين على أن خطوة إلقاء السلاح تمثل فرصة تاريخية للسلام، لكنها تحمل في طياتها تحديات كبيرة، تتطلب إرادة سياسية حقيقية وتوافقًا داخليًا قويًا لضمان نجاح التسوية ومنع عودة العنف إلى الساحة التركية.
يبدو أن إعلان حزب العمال الكردستاني إلقاء السلاح يشكل نقطة تحول في صراع استمر أكثر من 40 عامًا. يبقى الأمل معقودًا على أن تكون هذه البداية لمصالحة حقيقية تعزز الاستقرار في تركيا والمنطقة، لكن الطريق أمام تنفيذ هذا الاتفاق ما زال محفوفًا بالتحديات القانونية والسياسية والاجتماعية.