تشهد إيران منذ أواخر يوليو 2025 أزمة حادة في خدمات الكهرباء والمياه تضرب حياة ملايين المواطنين وتشل نشاطاتهم اليومية، وسط ارتفاع قياسي في درجات الحرارة تخطى 50 درجة مئوية في عدة مناطق. هذه الأوضاع الاستثنائية كشفت عن هشاشة النظام الذي عجز عن تأمين أبسط مقومات الحياة، مما دفع الغضب الشعبي المكبوت إلى الاندلاع في شوارع المدن معلناً انتفاضات مدنية متنامية لا يمكن إيقافها بالقمع.
وقد انطلقت انطلقت شرارة الانتفاضات من مدينة سبزوار التي شهدت مظاهرات متواصلة لليلة الثانية على التوالي ضد الانقطاعات المتكررة للكهرباء والمياه. الاحتجاجات التي شارك فيها نساء ورجال صمدوا في وجه قنابل الغاز المسيل للدموع
وحملت المظاهرات شعارات عدة تؤكد مطالب السكان بحقوقهم الأساسية، مثل: “الماء، الكهرباء، الحياة حقنا المؤكد” و”نحن معاً لا نهاب”. هذا الصمود الذي تميز به المتظاهرون يعكس عمق الاستياء من النظام الذي يراهن على القمع لثني إرادة الشعب.
وفي طهران، تحملت العاصمة أصوات المواطنين الذين عبروا عن رفضهم المطلق عبر هتافات كشفت عمق الأزمة السياسية والاجتماعية، واستخدموا شعار “الموت للديكتاتور” ليعلنوا أن الأزمة تجاوزت كونها مجرد انقطاع خدمات لتصبح ثورة على الفساد والنهب المنظم الذي يمارسه نظام الملالي.
انهيار إداري مريع يكشف فساد النظام
في مواجهة هذا الغضب، لجأ النظام إلى إجراءات شكلية مثل إغلاق القطاع العام في أكثر من 23 محافظة، من مدارس وبنوك وإدارات حكومية، بحجة تخفيف الضغط على شبكة الكهرباء التي لم تشهد تطويراً حقيقياً لعقود. هذا الموقف يلقي الضوء على عمق الفساد الإداري ومسؤولية النظام في تضييع مليارات الدولارات – نحو 2 مليار دولار – زُعِم أنها استُثمرت لتحسين كفاءة الشبكة، لكنها اختفت دون نتائج ملموسة.
ومن الغريب هنا إن إيران التي تملك من احتياطيات الطاقة ما يؤهلها لتوفير الخدمات الأساسية لأبنائها، لم تستطع أن تضمن استمرار تزويد الكهرباء والمياه، ما أحدث قلقاً كبيراً بين السكان الذي واجهوا الأزمات متزامنة مع موجة حر قاتلة، تزيد من المخاطر الصحية والاجتماعية.وفي هذا السياق لا يمكن فصل هذه الأزمة عن السياسات الهدامة التي يعتمدها النظام الإيراني، حيث توجه الموارد لما يخدم أجهزته الأمنية وقضاياه الخارجية التوسعية، بدلاً من الاستثمار في البنية التحتية والتنمية الاقتصادية والاجتماعية.
ويظهر هذا التوجه إهمالاً متعمداً لقضية حياة المواطنين وتجريدهم من أبسط حقوقهم، وهو ما يدفع المواطن إلى مواجهة النظام في كل شارع وحي.
ومن ثم فالنظام الذي يستثمر في الحرب والعنف والتوسع في المنطقة، يكشف فشله الذريع في تلبية حاجات الداخل، ويؤكد أن حكماً يستند إلى القمع والفساد لا يمكن أن يحقق رفاهية أو استقراراً لأي شعب.
صوت المقاومة ودعوة للانتفاضة الشاملة
في مشهد استثنائي ونادر، وجهت السيدة مريم رجوي، الرئيسة المنتخبة للمقاومة الإيرانية، تحية إلى أهالي سبزوار المنتفضين، ووصفت احتجاجاتهم بأنها تعبير عن غضب مكبوت تراكم لأكثر من 47 عاماً، واعتبرت أن هذه الصرخات تعده بموجة انتفاضة شعبية قادمة ستنهي حكم الملالي. هذا التصريح يضع المقاومة في قلب المشهد السياسي كقوة منظمة تمثل أمل التغيير الحقيقي.
ويجب الإشارة هنا إلي أن الأوضاع الراهنة في إيران ليست أزمات عابرة، بل هي نتاج عقود من الفساد الإداري وتقويض الأولويات الوطنية لصالح سياسات قمعية وتوسعية. الغضب في سبزوار وطهران وغيرهما من المدن هو دليل على انهيار هشاشة النظام من الداخل، ونذير بتغيير تاريخي لا يمكن إيقافه بمزيد من القمع والإجراءات التصفوية.
وتشير هذا الغضب الشعبي إلي أنه إذا لم يعترف النظام بعمق الأزمة ولم يبدأ إصلاحاً جدياً، ستتحول موجات الاحتجاج إلى انتفاضة شاملة تعيد رسم مستقبل إيران، حيث المقاومة هي المرشحة الأبرز لقيادة هذا التغيير نحو دولة الحرية والكرامة.